عرض مشاركة واحدة
قديم 31/05/2007   #3
شب و شيخ الشباب Fares
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ Fares
Fares is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
ألمانيا
مشاركات:
1,346

إرسال خطاب MSN إلى Fares
افتراضي


كتبت butterfly :

نظر إلى معطفه المهترئ... تناوله بيده وهو يدمدم:
"لن يقيني من برد الشاتء القارس، ولكنه يوحي بالدفء على كل حال..."
نزل إلى الشارع ليعيد الرتابة نفسها.. حيّا صاحب المحل المجاور بنفس الانبتسامة التي يقنّع فيها وجهه كلما دعت الحاجة... وقف أما محل ألعاب الأطفال ذاته.. أخذته أحلامه إلى ذلك القسم البعيد من الجنة، جنته الخاصة، يحلم فيها أن تشفى ابنته ليشتري لها لعبة (صيد السمك) التي وعدها بها... لا ينزله من جنته إلا صوت سائق سيارةٍ يلعنه بصوتٍ مرتفع لكي يبتعد عن الطريق!!
تابع طريقه إلى المشفى الذي ترقد فيه بشرى...
كم عمرها؟؟ لم يعد يذكر جيداً.. كلّ ما يعرفه أنها وُلدَت منذ أربع سنين، ووُلِد الألم معها.. في أوطاننا تقاس الأعمار بمقدار الألم والمعاناة!!
أيحبها؟؟ يا له من سؤالٍ ساذج... حتى الوحوش تحب أطفالها، فطيف بالأحرى هو؟؟! لقد بذل في سبيلها كل ما يملك... ترك وظيفته المتواضعة.. صرف على علاجها آخر قرشٍ كان قد ادخره ليعينه في آخرته.. ولكن....
لم يستطع التخلص من هواجسه التي لاحقته عند اجتيازه بوابة المشفى.. إلى أين تقوده هذه الحياة بجبروتها؟ أما لهذه المعاناة اليومية من نهاية؟
نهاية!!! ذعر عندما خطرت على باله فكرة النهاية بكل ما تحمله من معاني...
صعد إلى الطابق الثالث.. استقبلته الممرضة بابتسامتها العذبة المعهودة. قادته إلى الطبيب المختص لأنه "يريد التحدث معك بأمرٍ هامّ"...
"خير انشالله.." قالها بصوتٍ متلعثم وهو يمدّ يده لمصافحة الطبيب..
"إنّ وضع ابنتك كما تعلم صعبٌ جداً.. فالورم قد تغلغل في أعماق جسدها.. وهي تعيش منذ فترةٍ ليست بالقصيرة على مسكنات الالم.. واليوم اضطررنا لإدخالها مجدداً إلى وحدة الإنعاش بعد توقفٍ مفاجئ في القلب.. وهي تحيا الآن بفضل أجهزة الإنعاش..
أرجو أن تسمعني حتى النهاية.. نحن قد بذلنا ما بوسعنا، وأنت ايضاً بذلت من صحتك ومالك الكثير... والآن بإمكانك أنت وحدك أن توقف معاناة بشرى.. أن تريحها وإلى الأبد من هذا الألم الذي لا يطاق.. أنت وحدك تملك السلطة بإيقاف أجهزة الإنعاش متى شئت... وكن على ثقةٍ أننا ستحترم قرارك مهما كان..."
حاول الأب أن يثور.. أن يلعن.. أن يصلي أو أن يكفر.. ولكن كل ما استطاعه هو دمعة سقطت من عينه، وقد سقطت معها آماله وأحلامه..........
تهاوى بجسده المنهك على مقعد في زاوية مهملة .. كحضوره .. مظلمة كألمه .. هي " بشراه " فكيف له أن يحيا دون نظرتها الطفولية التي تتزاوج فيها شقاوة الطفولة بشقاء الألم .. هي " بشراه " التي اعطت لحياته روحا ً .. فبأي حق يسمح لهم أن يسرقوا روحها ؟ استرجع تساؤلها الطفولي المحبب ومفرداتها البريئة : " أبي ! عندما اموت هل سأصبح ملاكا ً في السماء ؟؟ لا تخف سأعتني بك جيدا ً "
تراه اعتنى بها جيدا ً ؟
شعر بشخص ما يتحرك قربه .. انها تبكي .. نظر إليها برفق .. لم تتجاوز الثانية عشر من عمرها .. هي الأخرى كان قد لحظها مراراً في أروقة هذا المشفى البيضاء الكئيبة ..
مد إليها منديله القديم خجلا ً .. وابتسم .. صديقته الصغيرة الجديدة " سارة " على وجهها الصغير المتعب ابتسامة .. حدثته مطولا ُ عن زياراتها المتعددة .. وخيبات أملها .. شاركته صلاتها السرية :
" يا رب يقولون أنك جميل جدا ً وتحبني جداً .. دعني أرى جمالك "
حادثها عن بشرى حكى لها عن جدائلها .. عن كلماتها الأولى .. عن دميتها التي تشاركها السرير .. صديقها السحري الذي يزورها في الحلم .. عن عيناها اللامعتين الجميلتين .. تذكر" بشرى " وابتسم
لقد اتخذ قراره .. سارع إلى غرفة الطبيب .. بحسم واخبره قراره .. ناقشه كثيرا ً ودرس معه جميع الاحتمالات الممكنة .. والابتسامة لا تفارق وجهه الطيب .
غادر المشفى مسرعا ً .. بخطى واثقة . اخرج من جيبه كل ما تبقى معه من نقود ..
وقف أما محل ألعاب الأطفال ذاته واشترى " لعبة صيد السمك " ..
وفي الأسبوع الذي يليه عاد إلى المشفى ليزورها .. ترك على بابها هديته .. استجمع صلواته كلها .. وقلقه كله .. ساعة كاملة
.. وهو يناظر الباب خائفا ً .
وأخيرا ً خرج الطبيب .. ليخبره فرحا ً :
لقد نجحت العملية ..
ستستطيع " سارة " الرؤية أخيرا ً بالعينين التي أهدتهما إياها " بشرى " .


قال لي في الطريق إلى سجنه:
عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْ
كهجاء الوطنْ
مِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ !
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03480 seconds with 11 queries