عرض مشاركة واحدة
قديم 04/06/2008   #17
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


فها هو يولى عمار بن ياسر على الكوفة، ثم لا يلبث أن يتبين أن صلاح الدين لا يعنى بالضرورة صلاح الدنيا، وأن للحكم ميدانه وللسياسة فرسانها، وليس بالضرورة أن يكونوا رجال الدين وفرسانه، فيعزل عمار، ويولى أمثال المغيرة بن شعبة ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي سفيان، ويرفض أن يولى أباذر معلناً أمامه أن به ضعفاً، وأن الضعيف لا يولى مهما ارتفع في سلم العقيدة درجات، فهذه ساحة وتلك ساحة، إن اجتمعتا – ونادراً ما تجتمعان – فهو الكمال، وإن افترقتا – وغالباً ما تفترقان – فلكل ساحة رجالها، ولكل ميدان فرسانه، فرجال السياسة أجدر بالحكم، ورجال الدين أحفظ للعقيدة، غير أن أعظم ما تركه عمر لنا، هو ذاته أكثر ما تجنبه اللاحقون، وما ارتعدوا عند ذكره، ناهيك عن الإقدام عليه، ونقصد به الاجتهاد، ذلك الذي بدأنا حديث عمر بذكره وما تميز عمر فيه عن الجميع، حين اجتهد -كما ذكرنا – مع وجود النص القرآني، وبالمخالفة له، وقدم في تبرير ذلك حجة رائعة، ما أجدر المنغلقين في زماننا أن يقفوا أمامها بالتأمل طويلاً، وما أجدرنا بأن نذكرها لهم تفصيلاً، عسى أن تتسع لها قلوبهم، ويتعلموا منها أن العقل قد يسبق النقل، وأن التفكير لا بد وأن يسبق التكفير، ولعلنا نسائلهم مداعبين قبل أن نعرض عليهم ما نعرض، ما حكمكم إذا ذكرنا لكم دون تخصيص أو تفصيل أن حاكماً مسلماً، لدولة مسلمة، قد أفتى بمخالفة نص قرآني مع علمه به، وطبق قاعدة مختلفة معه ومخالفة له، وأفتى بجواز مخالفة النص ذاكراً أن واقع الحياة قد تجاوزه، وأن المنطق لم يعد يستقيم معه، ولعلنا متصورون، بل ومتأكدون من الإجابة، ولعلنا أيضاً هاتفون بهم حنانيكم، تمهلوا قليلاً، وتحسبوا كثيراً، فنحن نتحدث عن عمر بن الخطاب، وهاكم النموذج كما يسرده عالم جليل، في كتاب من أهم وأرقى ما كتب في السنوات الأخيرة.

أما العالم فهو الدكتور عبد المنعم النمر وأما الكتاب فعنوانه (الاجتهاد) وأما القاعدة التي نتحدث عنها فهي خاصة بسهم المؤلفة قلوبهم وهاكم ما كتبه الدكتور النمر:
(سهم المؤلفة قلوبهم وهو سهم قد نص عليه القرآن ما كتبه القرآن الكريم في آية توزيع الزكاة"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم"التوبة / 60
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيهم – وهم كفار – أو ليسوا على إسلام صحيح صادق بل متأرجحين، ليتألف بالعطاء قلوبهم – وطالما استعبد الإنسان إحسان – فيكفوا عن المسلمين شرهم، وليكسب ودهم أو لسانهم، وربما حبهم وإسلامهم، يروى سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال:"أعطاني رسول الله وإنه لأبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلى".


وسار أبو بكر رضى الله عنه في خلافته على ما سار عليه الرسول، حتى جاءه عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، فسألا أبا بكر: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضاً سبخه ليس فيها كلأ، ولا منفعة، فإن رأيت أن تعطيناها؟ فأقطعهما أبو بكر إياها، على أنهما من المؤلفة قلوبهم، وكتب لهما كتاباً بذلك، وأشهد عليه، ولم يكن عمر حاضراً، فذهب إلى عمر ليشهد، فعارض عمر ذلك بشدة، ومحا الكتابة.. فتذمرا وقالا مقالة سيئة، قال لهما:"إن رسول الله كان يتألفكما، والإسلام يومئذ قليل، وإن الله قد أغنى الإسلام. اذهبا فاجهدا جهدكم لا يرعى الله عليكما إن رعيتما".

والشاهد هنا، أن عمر أوقف حكماً كان مستقراً في أيام الرسول، وجزء من خلافة أبي بكر، بناء على اجتهاد له، في سبب إعطاء هؤلاء حيث اعتبر أن السبب الآن غير قائم، فلا داعي للإعطاء، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كما عرفنا فعمر رضى الله عنه، لم يقف جامداًً عند حدود النص وظاهره ولا حدود الفعل، بل غاص إلى سببه وعلته، وحكم اجتهاداً منه في فهم الحكم، على ضوء ظروف الإسلام، حين صار قوياً في غير حاجة إلى تأليف قلوب هؤلاء..
كلام منطقي، وواضح، وصريح، يترتب عليه سؤال منطقي، وواضح، وصريح أيضاً، مضمونه: هل يجوز لنا أن نتأسى بعمر فنعطل نصاً، أو نجتهد مع وجوده، ويصل بنا الاجتهاد إلى مخالفته، إذا انعدمت علته أو تغيرت أسبابه؟


سؤال صعب، وإجابته خطيرة، وتداعيات إجابته أخطر، ليس على الإسلام، بل على قلوب عليها أقفالها، وعقول تعرف الضبة وتنكر المفتاح، غير أنا نلمح في أذهانهم طوق نجاة، قد يتشبثون به، وهو قولهم بأن ذلك قد يجوز، إن تشابهت الحالة أو تماثلت مع ما سبق دون أن ينصرف ذلك إلى قواعد الدين وتعاليمه الواضحة، مثل الحدود الثابتة بيقين في نصوص القرآن، ولعلنا بهذا القول نتفاءل كثيراًَ، ونتوقع منهم ما لا نعرفه عنهم قياساً على تجربة سابقة لنا معهم، لكن ما ضرنا إن تفاءلنا، وما خسراننا إن أحسنا الظن، وما أجدرنا بأن نسحب منهم طوق النجاة، وأن نحيلهم في ردنا عليهم إلى مثال آخر لاجتهاد عمر، عطل فيه حداً من الحدود الثابتة، وهو حد السرقة، إذا كان السارق محتاجاً، ثم أوقف تنفيذه في عام المجاعة، وجدير بنا قبل عرض هذا الاجتهاد، أن نرد على بعض من ادعوا التفقه، وأزعجهم اجتهاد عمر، فأفتوا بما يخالف الحقيقة، ظناً منهم أن أحداً لا يقرأ، أو أن الغاية تبرر الوسيلة.


ومثال ذلك ما ذكره الأستاذ الحمزة دعبس في حواره مع وزير مغربي، وهو حوار منشور في جريدة النور، التي يرأس الأستاذ الحمزة تحريرها، حين سأل الحمزة الوزير، محاولاً إحراجه، عن سبب عدم تطبيق الحدود الشرعية في المغرب، فكان رد الوزير أن تعطيل الحد اجتهاد، وأن لذلك سابقة تتمثل في تعطيل عمر لحد السرقة في عام المجاعة، فرد عليه الأستاذ الحمزة على الفور، بلغة الواثق من علمه،"إن عمر لم يطبق حد السرقة، لأن المبلغ المسروق كان أقل من النصاب"، والحقيقة أن الواقعة التي عطل فيها عمر الحد، والتي وردت في"الموطأ"للإمام مالك، كانت تتعلق بسرقة ناقة، وهي ما يفوق النصاب كثيراً، بل ما يتناوله البسطاء في أحاديثهم عندما يتندرون فيقولون: إن سرقت فاسرق جملاً، دلالة على ضخامة حجم السرقة وجسامته .

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04855 seconds with 11 queries