عرض مشاركة واحدة
قديم 04/06/2008   #16
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


فنحن نفعل ما فعله أولئك القوم تماماً، وندفع الزكاة للمحتاج كما كانوا يدفعونها تماماً، ولا ندفعها مثلاً لوزارة الخزانة أو لرئيس الجمهورية، وإن جاز لأبي بكر قتالهم وقتلهم، فإنه يجوز للبعض أن يخرجوا علينا مقاتلين وقاتلين، لا يشفع لنا عندهم أن نرفع عقيرتنا بالنطق بالشهادتين، ولا أن نقسم على أننا ملتزمون بأركان الدين ملزمون لأنفسنا بها، ولولا أننا لم نجد في ديننا عصمة لغير النبي، ولولا أيضاً أننا نرى أن اجتهاد أبي بكر من يليه، وإلا لسلك جميع جمع الخلفاء سبيله في تولية من يليه، بالنص على اسمه في كتاب مغلق يبايعون عليه مغلقاً، وهو ما لم يأخذ به أحد بعده، لولا هذا كله، ولولا إيماننا بأن الإسلام حق، والقرآن حق، ونبوة الأنبياء حق، وبشرية غيرهم حق، ما تناولنا ما أوردناه.

و ما استطردنا فذكرنا أن أبا بكر كان على حق، إذا ناقشنا الأمر من باب آخر هو باب السياسة. فلولا ما فعل ما أصبح للإسلام دولة ثابتة الأركان، متينة البينان، تفتح البلدان، وتنشر العقيدة وتثبت دعائمها، ولقد اجتهد أبو بكر في السياسة فأصاب دون شك، واجتهد في الدين فأصاب أجرين في رأيه، وأجراً واحداً في رأينا، وربما أثبت لمن يرونه أصاب أجراً واحداً أن السياسة قد تتناقض مع قواعد الدين وأصوله، تلك المحفوظة لنا تماماً كما وجدها، وكما نجدها قرآناً وسنة.


وما كان اجتهادنا إلا اجتهاداً وما كان لأحد أن يزعم أن اجتهاد أبي بكر أصل من أصول العقيدة أو ركيزة من ركائز الإيمان، وما كان لنا أن نؤيد ما قد يراه من أن قرار أبي بكر كان سياسياً وليس دينيا، وبمعنى آخر كان علمانياً يفصل بين السياسة والدين، فنحن لا نود أن نرد على تعسف في الاجتهاد بتعسف في الإستنتاج، ولعل فيما ذكرناه ونذكره الكفاية لاستنزال اللعنات علينا ممن يرون في أسماء الصحابة قدساً من الأقداس، وفي أفعالهم طوطماً لا يمس، وحسبنا أن نذكرهم بحديث الرسول الكريم، عن أن عمار بن ياسر سوف تقتله الفئة الباغية، وهو حديث ثابت وصحيح، لأن الجميع تذكره حين قتل عمار، تذكره جيش علي فتهلل، وتذكره جيش معاوية فتزلزل، ولم يهدئ روعه إلا رد معاوية المحنك"قتله من أخرجه".


غير أنا نرى الأمر بعد هذه السنوات عظيماً وجليلاً وذا خطر، ونقرأه بعد كل هذه السنوات فنتزلزل، فإحدى الفئتين باغية لا شك، ولو سلمنا بظاهر الحديث لحكمنا عل جيش معاوية بالبغى، ولأصبح معاوية باغياً وعمرو بن العاص باغياً، ومروان بن الحكم باغياً، وعبيد الله بن عمر باغياً، وغيرهم وغيرهم.


ولو سلمنا بتفسير معاوية لأصبح البغاة فريقاً من كبار الصالحين لا نجرؤ على ذكر أسمائهم مقترنة بالبغى، وإذا كنا قد توقفنا عند مقابلة اجتهاد أبي بكر باجتهاد مقابل، فإن بعضاً من كبار الصالحين مثل واصل بن عطاء، فقيه المعتزلة وإمامهم، وعمرو بن عبيد، الزاهد الورع، الذي وصفه الخليفة المنصور بقوله الشهير (كلكم يطلب صيد. غير عمرو بن عبيد)، كانا أجرأ منا حين أطلقا لعقولهم العنان، وهما من هما، تديناً وفقهاً وعلماً، فأنكرا فعل الفريقين في أصحاب الجمل، وأصحاب صفين، وذكرا أنه"لا تجوز قبول شهادة علي وطلحة والزبير على باقة بقل (كل نبات اخضرت له الأرض)"، وأوضح من قول واصل وعمرو، قول عبد الله بن عباس لعبد الله بن الزبير (لو كان جيش الإمام على حق فقد كفر الزبير بقتاله، ولو كان جيش عائشة على حق فقد كفر الزبير بتخليه عنه).


وهي أقوال لا نفحصها ولا نمحصها، وإنما نذكرها متأملين، مقارنين عصراً بعصر، ومناخاً بمناخ، وفكراً بفكر، وحسبنا أننا لا نتجاوز الاجتهاد في تفسير الوقائع، بينما اجتهد عمر بن الخطاب فيما هو أجـّل وأعظم، مخالفاً ما نعرفه ونلتزم به من أنه لا اجتهاد في النص، أو لا اجتهاد مع وجود نص، ولم يكن اجتهاده قاصراً على التفسير أو التعديل، بل امتد إلى التعطيل والمخالفة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة اجتهاده، ولعلنا لا نعرف نظيراً لعمر كرجل دين ورجل دولة على مدى التاريخ الإسلامي كله، فهو القاسي على نفسه في الحق، ومن هنا قبلت الرعية قسوته، ثقة منها أنه على حق، وهو الزاهد في الدنيا زهداً لم يعرفه حاكم قبله أو بعده ومن هنا قبل الجميع أن يحاسبهم، وأن يتحرى عن كسبهم، وأن يأخذ منهم ما يفيض عن حاجتهم، وأن يعنف عليهم أشد العنف، إن رأي فيهم أهون الميل للهوى، أو الهوى للميل، وهو الذي يخطئ فيتعلم من الخطأ ولا تأخذه العزة بالإثم .

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04384 seconds with 11 queries