عرض مشاركة واحدة
قديم 04/06/2008   #12
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


رابعا: إن أصحاب وجهة النظر الأولى، وأقصد بهم الداعين إلى التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، يضمرون عداء لا حد له للديموقراطية، إما عن قصد نتيجة عدم إيمانهم بها كما أسلفت، وإما عن حسن نية من الكثيرين الذين يدفعهم حماسهم للشريعة إلى المطالبة بإقرارها بعرضها على مجلس الشعب، دون أن تناقش على نطاق شعبي واسع، مع تلويحهم بسيف الخروج عن الدين لأعضاء المجلس، إن هم رفضوا أو تأنوا أو ترددوا ويتجاوز البعض فيحالون القفز فوق المجلس، متوجهين مباشرة إلى رئيس الجمهورية، ومطالبين له بوضعها – هكذا – موضع التنفيذ الفوري الناجز.

ولأن الأمر كما أوضحت ليس أمر شريعة بل أمر اختيار بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وهو اختيار كما شرحت من قبل، بين بديل واضح ومطبق وهو الدولة المدنية، وبديل آخر لم يجهد أصحابه أذهانهم في بلورته وتوضيحه وهو الدولة الدينية، فأنه من الصعب والأمر كذلك أن يقضى بشأن هذا الأمر في جلسة أو اثنتين، أو في أسبوع أو اثنين، بل إنني أتصور سبيلاً آخر لطرح هذا الأمر ومناقشته، وهو سبيل أرى أنه الأوفق والأصح، ليس فقط من وجهة نظري، بل إنه لزوم ما يلزم بالنسبة لأمر هذا شأنه، وتلك طبيعته، ولعلي قبل أن أعرض تصوري في هذا الشأن، أتسمع رأي المعارضين لقولي جملة وتفصيلاً، وكأني بهم يقولون، ها هو يلتوي بالكلم، وينكر علينا حقاً يرضاه للآخرين ويطلبه لنفسه، ويتصور الديموقراطية وفقاً على آرائه ونظرائه، ولا يلتزم بالدستور الذي أقر أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين، ولا يلزم نفسه بإرادة الأمة التي أنشأت هذا التعديل، وتمثلت في استفتاء شعبي أعطى التأييد الكامل له، وهي كلها آراء جديرة بالبحث والمناقشة، وتستحق بالفعل كثيراً من التوقف والتأمل.

أما عن الدستور فلا أحسب أنه قد جاء بجديد، فأغلب القوانين القائمة مستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية، مما يجعل منها المصدر الرئيسي للتشريع في مصر، مع ملاحظة أرى أن إبداءها واجب، وتتلخص في أن الدستور ليس كتاباً مقدساً، وأنه يحق لأي مواطن أن يختلف مع بنوده أو أن يعترض عليها، وله أيضاً أن يطالب بتعديلها، على أن يسلك في هذا السبيل ما نظمه الدستور نفسه من سبل لتعديل مواده أو إلغائها أو الإضافة إليها، بل أن أصحاب وجهة النظر الأولى يعترضون على الكثير من نصوص الدستور، مثل النص على تعدد الأحزاب الأمر الذي يختلف عن اعتقادهم في قصرها على حزبين هما حزب الله وحزب الشيطان، بل ويتجاوز أغلبهم تلك الجزئية إلى الاعتراض على ما يتعلق بنظام الحكم في الدستور جملة وتفصيلاً.

ما بالهم إذن يلقون الحجة وهي مردودة إليهم، ويطلقون الرأي وهو مأخوذ عليهم، ويستندون للدستور وهو غير مقبول منهم..
وقريب من ذلك احتكامهم إلى الإستفتاء دليلاً على التأييد الشعبي ورفضهم الاعتراف بشرعية جميع الاستفتاءات التي حدثت منذ اختلفت معهم الثورة وحتى الآن، عدا استفتاء واحد صادف هوى في نفوسهم، ومس من قلوبهم الشغاف، وحلق بهم في أحلام وردية وامتشقوه سلاحاً يخرسون به الألسنة، ويذودون به عن أوهامهم حيناً وأحلامهم أحياناً.


هو الهوى حين يتسلط، والغرض حين يستبد، والمنطق حين يهرب، والعقل حين تغشاه العاطفة، والحجة حين يشوبها الضعف والكلام حين يحتوى خبيئاً، معناه ليست لنا عقول.
ليس الدستور إذن هو السند، و ليس الاستفتاء هو الحجة، وإنما سبيلهم الوحيد كما أتصور، أن يفعلوا ما فعله الآخرون، وهو أن يتقدموا إلى الشعب ببرنامجهم السياسي، وأن يشكلوا حزبهم أو أحزابهم، فإن حازوا الأغلبية في انتخابات حرة فقد ألزمونا بالحجة الدامغة، وأخرسونا بالفعل السديد، و قد اخترت لفظ (أخرسونا) عن قصد لاعتقادي أنه سوف يكون واقعاً لا مراء فيه، ففاقد الديموقراطية لا يعطيها، لكنه إن توصل للحكم بإرادة الشعب كان له ما أراد.
هنا قد يحتج القارئ بأن القوانين الحالية لا تتيح لهم تشكيل أحزاب على أساس العقيدة الدينية، وهو نص قانوني له وجاهته، لكون الأحزاب السياسية منبراً لكل المصريين مهما اختلفت عقائدهم، لكني أحسب أن المناخ الرديء قد تجاوز ذلك وأن الإخوان المسلمين على سبيل المثال يملكون حزباً، ومكتب إرشاد، وصحفاً ومجلات حزبية وغير حزبية تدافع عنهم وتتبنى آراءهم بل ووصل الأمر إلى تواجد ممثلين لهم في المجلس النيابي بعد تحالف الوفد والإخوان المسلمين، ذلك التحالف الذي يشبهه بعض الظرفاء بزواج المتعة الذي تعترف به بعض طوائف الشيعة وتنكره طوائف السنة.


هم موجودون إذن، وهم توصلوا بالشرعية إلى تواجد شرعي، وإنكار تواجدهم إخفاء للرؤوس في الرمال، والسماح لهم ولغيرهم من التيارات السياسية الدينية بتشكيل أحزابهم له من المزايا ما لا يستهان به، فسوف يلزمون بوضع برامج سياسية، وسوف يدور الحوار معهم على أرض الواقع السياسي، وسوف يكون حوار دنيا لا حوار دين وسوف يكون هدفهم كراسي الحكم لا قصور الجنة، وسوف يحجم أئمة المساجد عن المزايدة على مقولاتهم لدخولهم آنذاك في دائرة العمل السياسي الصريح.

وسوف تتحول الأحزاب السياسية إلى معارضتهم بدلاً من المزايدة عليهم، وسوف يختلفون فيما بينهم بأكثر من اختلافهم مع الآخرين، وسوف يواجهون بعضهم البعض بأكثر مما يواجهون الآخرين، وسوف يتحاورون في ساحة ليست ساحتهم، ويتكلمون لغة تصعب عليهم مفرادتها ناهيك عن قواعدها، وفي كل هذا رحمة من الله أي رحمة، ولطف بالوطن أي لطف، ولا حجة هنا للقائلين بأن ذلك سوف يدعو إلى إنشاء أحزاب دينية قبطية، وأنه سوف يمزق الوطن طائفياً، فدرس التاريخ ينبئنا بأن ذلك غير وارد، وإن ورد فلا تأثير له، وغير بعيد عن الأذهان حزب أخنوخ فانوس، الذي تكون وقضى دون أن يزيد عدد أفراده على الآحاد، وغير بعيد تجربة الوفد حين استوعب الأغلبية الساحقة من أقباط مصر، الذين تحتويهم دائماً راية العلمانية، وتستهويهم شعاراتها، وهو أمر ما زالت أسبابه قائمة، وحديث ذلك يطول، وهو في مجمله حديث يهون من أسباب التخوف ولا يدعمها، ويؤكد ما أدعو إليه ولا ينفيه.

هذه هي وجهة النظر الثانية أيها القارئ، أفضت فيها لكثرة ما أفاض أصحاب وجهة النظر الأولى في عرض آرائهم وتزيينها، وأحسب بعد ذلك أنك إلى اختيار، وأن التفكير الهادئ سوف يقودك إلى قرار، بل إنني أحسب أنك توصلت بعد ما سبق إلى مجرد التردد فسوف أحمد الله، ولعلك أدركت معي أنهم قد اختاروا الطريق السهل، وأن اتباعهم إلى ما لا تعلم وما لا يعلمون أمر جلل، وأن يجتهدوا قبل أن يجهدوا الآخرين بحلم لا غناء فيه، وأن يفكروا قبل أن يكفروا، وأن يواجهوا مشاكل المجتمع بالحل لا بالهجرة، وأن يقتصدوا في دعوى الجاهلية حتى لا تقترن بالجهل، وأن يعلموا أن الإسلام أعز من أن يهينوه بتصور المصادمة مع العصر، وأن الوطن أعز من أن يهدموا وحدته بدعاوى التعصب، وأن المستقبل يصنعه القلم لا السواك، والعمل لا الاعتزال، والعقل لا الدروشة، والمنطق لا الرصاص، والأهم من ذلك كله أن يدركوا حقيقة غائبة عنهم. وهي أنهم ليسوا وحدهم.. جماعة المسلمين

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05579 seconds with 11 queries