عرض مشاركة واحدة
قديم 04/06/2008   #4
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


مأزق إن تجمدوا، وبرنامج سياسي إذا اجتهدوا، ولعل أول الحالين أقرب لتصوير الواقع، فالتصوير أهون من التطوير، والحكم بخروج المجتمع كله من دائرة الإيمان أسهل، والحكم بعدم مشروعية الفوائد أيسر، وتجهيل المجتمع ومؤسساته أضمن، والنحو باللائمة على الزمان أسهل السبل، والترحم على الشاعر العربي وارد حين قال (نعيب زماننا والعيب فينا)، هذا عن هين الأمور، وأقصد به التفصيلات، أما أصعبها وأقصد به الأمور العامة، والمنظمة لأسلوب اختيار الحاكم أو أسلوب الحكم أو العلاقة بين السلطات فإن تناول أي منها هو المحك الحقيقي لدعوة (الدولة الدينية) بعيداً عن سجع الألفاظ وشقشقات البلاغة.

وأنت في طرحك للأسئلة وبحثك عن الإجابات تكتشف أنك في سباق للموانع، ومباراة لاستعراض حجم ضخم من الخلافات التي لم تحسم، ولم يمنع عدم حسمها، نتيجة غياب الاجتهاد المستنير، أن يدعوك البعض إلى خوض التجربة، وأن يتحاشى الجميع الخوض فيها إيثاراً لراحة البال (بالهم هم)، وتجنباً للخلاف (خلافهم هم)، وهم في كل الأحوال في مأمن، إن أعجزتهم الإجابة أفتوا بأنك لا تملك أدوات البحث في القضايا الدينية، وإن أفحمهم المنطق تنادوا بأنك عميل للإمبريالية، أو متأثر بالشيوعية، أو ناطق بلسانهما معاً.

وحتى لا تتحول القضية إلى تراشق فإنني سأحاول معك أن أستعرض بعضاً من تلك الموانع التي أشرت إليها، ولنبدأ بالحاكم، وبديهي أن أول ما سيتبادر إلى ذهنك هو الشروط التي يجب أن تتوافر فيه، وقد تتصور أن الشروط سهلة، وأنها يمكن أن تتمثل في كونه مسلماً عاقلاً رشيداً إلى آخر هذه الأوصاف العامة، لكنك تصطدم بشرط غريب، تذكره كثير من كتب الفقه، وهو أن يكون (قرشياً)، وقد تتعجب من أن ينادي البعض بهذا الشرط باسم الإسلام، الذي يتساوى الناس أمامه (كأسنان المشط)، والذي لا يعطي فضلاً لعربي على عجمي إلا بالتقوى

الخلفاء الأمويين أو العباسيين، وكلهم قرشي، بل قد يتداعى إلى ذهنك ما قرأته في كتب التاريخ القريب عن الملك فاروق في أول عهده، حين قدمه محترفو السياسة إلى المصريين في صورة الملك الصالح، وظهر في الصور بلحيته ومسبحته ونصف إغفاءة من عينيه، وتسارع بعض رجال الدين (الطموحين) إلى المناداة به ملكاً (وإماماً) للمسلمين، واجتهد الأذكياء منهم في إثبات نسبه للرسول، وتبارى الإعلام في الإعلان عن هذا النسب وتأكيده، تحقيقاً لشرط من شروط الإمامة، وسداً للذرائع على المعترضين.

ولعلك مثلي تماماً لا تستريح لهذا الشرط، الذي يصنف المسلمين إلى أصحاب دم أزرق وهم القرشيون الحكام، وأصحاب دم أحمر ينتظم الأغلبية، لكنهم يواجهونك بحديث نبوي مضمونه أن الإمامة من قريش، وتتبادر إلى ذهنك في الحال عشرات الأحاديث التي وضعها الوضاعون، والتي و صلوا فيها إلى تسمية الخلفاء العباسيين وتحديد موعد خلافتهم بالسنة واليوم، وهي كلها أحاديث وضعها من لا دين لهم هوى الحكام، ولا ضمير لهم ولا عقيدة، لكنك في نفس الوقت تخشى من اتهامك بالعداء للسنة، خاصة من الذين قصروا دراستهم للأحاديث النبوية على أساس السند وليس على أساس المتن (أي المعنى والمضمون ومدى توافقه مع النص القرآني).

ولا تجد مهرباً إلا بتداعيات اجتماع سقيفة بني ساعدة في المدينة، والذي اجتمع فيه الأنصار لانتخاب سعد بن عبادة، وسارع أبو بكر وعمر وأبو عبيده الجراح إليهم ورشحوا أبا بكر، ودار حوار طويل بين الطرفين، انتهى بمبايعة أبي بكر، وأنت في استعراضك للحوار، لا تجد ذكراً للحديث النبوي السابق، وهو إن كان حديثاً صحيحاً لما جرؤ سعد بن عبادة سيد الخزرج على ترشيح نفسه، ولكفى أبا بكر وعمر والجراح مؤونة المناظرة، ولما فاتهم أن يذكروه وهو في يدهم سلاح ماض يحسم النقاش، ويكفي أن تعلم أن سعد بن عبادة ظل رافضاً لبيعة أبي بكر إلى أن مات، ولم يجد من يأخذ بيده إلى هذا الحديث فيبايع عن رضى وهو الصحابي الجليل ذو المواقف غير المنكورة في الإسلام، غير أن لكل ظاهرة سيئة وجهها المفيد، فقد انبرى أصحاب الرأي الآخر، والذين يؤمنون بحق الاكفأ في الحكم دون اعتبار لنسبه إلى ذكر أحاديث مضادة بمنطق"وداوها بالتي كانت هي الداء"، مضمونها أنه لا مانع من أن يحكم المسلمين عبد حبشي أسود (كأن رأسه زبيبة) فأعادوا للمنطق توازنه، وأعطوا لكثير من الطوائف الإسلامية التي نشأت فيما بعد سنداً لرأيهم المعارض لخلافة العباسيين، وإن كانت نتيجة ذلك كله، وضع المانع الأول في مسيرة الدولة الإسلامية، وهو الخلاف الفقهي حول نسب الحاكم وهل يكون بالضرورة قرشياً أم أنه الاكفأ بغض النظر عن نسبه، ولا عبرة هنا بالمنطق أو بواقع الحال، فسيف إنكار الحديث وارد على رقاب كل من الطرفين، في قضية أتصور أنا وأنت أنها هينة سهلة، لا تستحق عناء ولا تقتضي طول بحث، ولا تنتقل منها أو تتجاوزها إلى أسلوب تولية الحاكم حتى تكتشف مانعاً ضخماً يدور حوله الجدل إلى اليوم ولا يقنع المتجادلون فيه بمنطق بسيط وواضح وهو أن القرآن لم يترك قاعدة في هذا الأمر، والرسول لم يعرض لها من قريب أو بعيد وإلا لما حدث الخلاف والشقاق في اجتماع السقيفة، ولما رفض على قبول تولية أبي بكر ومبايعته على اختلاف في الرواية بين رفضه المبايعة أياماً في أضعف الروايات، وشهوراً حتى موت فاطمة في أغلبها، بل إن أسلوب السقيفة لو كان هو الأصح، لاتبعه أبو بكر نفسه وترك تولية من يليه إلى المسلمين أو أهل الحل والعقد منهم، وهو ما لم يفعل حين أوصى لعمر بكتاب مغلق بايع عليه المسلمون قبيل وفاته دون أن يعلموا ما فيه، وهو أيضاً مرة أخرى ما خالفه عمر في قصر الاختيار بين الستة المعروفين، وهم على وعثمان وطلحة والزبير وابن عوف وسعد، وهو ما اختلف عن أسلوب اختيار على ببيعة بعض الأمصار، ومعاوية بحد السيف، ويزيد بالوراثة .

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06008 seconds with 11 queries