عرض مشاركة واحدة
قديم 04/06/2008   #2
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


هذا حديث قصدت فيه أن أكون واضحاً كل الوضوح، صريحاً كل الصراحة، زاعماً أن الوضوح والصراحة في الموضوع الذي أناقشه استثناء، فقد صبت في المجرى روافد كثيرة، منها رافد الخوف، ومنها رافد المزايدة، ومنها رافد التحسب لكل احتمال، وخلف ذلك كله يلوح سد كبير، يتمثل في الحكمة التي يطلقها المصريون، والتي تدعو إلى (سد) كل باب يأتيك منه الريح، فما بالك إذا أتاك إعصار التكفير، وارتطمت بأذنك اتهامات، أهونها أنك مشكك، وأسئلة أيسرها – هل يصدر هذا من مسلم؟ - وواجهتك قلوب عليها أقفالها، وعقول استراحت لاجتهاد السلف، ووجدت أن الرمي بالحجارة أهون من إعمال العقل بالبحث، وأن القذف بالاتهام أيسر من إجهاد الذهن بالاجتهاد..
هذا حديث دنيا وإن بدا لك في ظاهرة حديث دين، وأمر سياسة وحكم و إن صوروه لك على أنه أمر عقيدة وإيمان، وحديث شعارات تنطلي على البسطاء، ويصدقها الأنقياء، ويعتنقها الأتقياء، ويتبعون في سبيلها من يدعون الورع (وهم الأذكياء)، ومن يعلنون بلا مواربة أنهم أمراء، ويستهدفون الحكم لا الآخرة، والسلطة لا الجنة، والدنيا لا الدين، ويتعسفون في تفسير كلام الله عن غرض في النفوس ويتأولون الأحاديث على هواهم لمرض في القلوب، ويهيمون في كل واد، إن كان تكفيراً فأهلاً، وإن كان تدميراً فسهلا، ولا يثنيهم عن سعيهم لمناصب السلطة ومقعد السلطان، أن يخوضوا في دماء إخوانهم في الدين، أو أن يكون معبرهم فوق أشلاء صادقي الإيمان.
لعلك أدركت أيها القارئ أنني أخوض معك في موضوع قريب إلى ذهنك بقدر ما ألح عليه، وما أكثر ما ألح، بل ما أصرح ما ألح، حين ارتفعت ولا تزال ترتفع، في الانتخابات السياسية والنقابية في مصر رايات مضمونها (يا دولة الإسلام عودي، الإسلام هو الحل، إسلامية إسلامية).


وهي رايات لا تدري أهي دين أم سياسة، لكنك تجد مخرجاً في تصور مصدريها أن الدين والسياسة وجهان لعملة واحدة، وأن تلك الأقوال تعبير عاطفي عن شعارات الإخوان المسلمين القديمة، بأن الإسلام دين ودولة، مصحف وسيف... الخ.
وقبل أن تسألني (وهل تنكر ذلك) يجدر بي أن أضعك أمام وجهتي نظر، كل منهما تقبل الاجتهاد، بل وقبل ذلك كله، تقتضي الإجهاد، وأقصد بذلك إجهاد الفكر بحثاً عن حقيقة غائبة.
أما وجهة النظر الأولى، ولا أشك أنها وراء ما ذكرت من دعاوى، فأنها تتمثل في إن المجتمع المصري

مجتمع جاهلي أو بعيد عن صحيح الدين.

وبين مقولة تجهيل المجتمع، ومقولة الابتعاد عن صحيح الدين، تتدرج مواقف القائلين بين التطرف لأصحاب المقولة الأولى، والاعتدال للقائلين بالثانية، لكنهم جميعا متفقون على أن نقطة البدء بالحل تكمن في التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، وأصحاب وجهة النظر هذه يطرحون خلف ظهورهم خلافهم حول رأيهم في المجتمع الحالي، ويستقرون بدعوة تطبيق الشريعة، مؤكدين أن هذا التطبيق (الفوري) سوف يتبعه صلاح (فوري) للمجتمع، وحل (فوري) لمشاكله.
هذا عن وجهة النظر الأولى، أما وجهة النظر الثانية، فلعلي ألمح على وجهك قبل أن أعرضها تساؤلاً مضمونه (وهل هناك وجهة نظر ثانية)، ولعلي أتلمس خلف هذا التساؤل تصوراً بأن وجهة النظر الثانية لابد وأن تتناقض مع ما توصلت إليه وجهة النظر الأولى، وأنها تصبح والأمر كذلك مصطدمة أو متصادمة مع دعوة لتطبيق أصل من أصول العقيدة.
لكني أبادر فأطمئنك بأن وجهة النظر الثانية، لا تناقض الإسلام بل تتصالح معه، ولا تأتي من خارجه بل تخرج من عباءته، ولا تصدر عن مارق بل تصدر عن عاشق لكل قيم الإسلام النبيلة والعظيمة..


إن وجهة النظر الثانية تستند إلى مجموعة من الفروض يمكن عرضها فيما يلي:
أولا: إن المجتمع المصري ليس مجتمعاً جاهلياً، بل هو أحد أقرب المجتمعات إلى صحيح الإسلام إن لم يكن أقربها، حقيقة لا مظهراً، وعقيدة لا تمسكاً بالشكليات، بل أن التمسك الأصيل والشديد بالقيم الدينية يمكن أن يمثل ملمحاً مصرياً.
يصدق هذا على موقف المصريين من العقائد الدينية الفرعونية قبل ظهور الأديان السماوية، بقدر ما يصدق على موقف المصريين من الدين المسيحي قبل دخول الإسلام مصر، بقدر ما يصدق أيضاً بدرجة أوضح من كل ما سبق على موقف المصريين من الإسلام، والشواهد على ذلك كثيرة، بدءاً من تردد المصريين على المساجد وحماسهم، وتنافسهم على مركز الصدارة في عدد الحجاج من بلاد العالم الإسلامي كله، واحتفائهم بالأعياد الدينية، بل وتحول شهر رمضان إلى عيد ديني قومي لا يمكن تبرير الشغف به، والاحتفاء بحلوله، والحسرة على انتهائه إلا بأصالة وعمق الشعور الديني، وانتهاء بما ساهمت مصر في مجال العقيدة والاجتهاد، بدءاً بالليث بن سعد، وفقه الشافعي في مصر، وانتهاء بالأزهر الشريف ودوره كمنارة للفكر الإسلامي.


ثانياً: إن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس هدفاً في حد ذاته، بل إنه وسيلة لغاية لا ينكرها أحد من دعاة التطبيق وأقصد بها إقامة الدولة الإسلامية، وهنا مربط الفرس ومحور النقاش، ودعاة تطبيق الشريعة الإسلامية كما سبق وذكرنا يرفعون شعار أن الإسلام دين ودولة، والشريعة الإسلامية في مفهومهم تمثل حلقة الربط بين مفهوم الإسلام الدين ومفهوم الإسلام الدولة، ليس ربطاً بين مفهومين مختلفين، بل تأكيداً على أنهما وجهان لعملة واحدة – في رأيهم – وهي صحيح الإسلام.

هنا ينتقل النقاش إلى ساحة جديدة، هي ساحته الحقيقة، وهي ساحة السياسة، وهنا يطفو على سطح النقاش سؤال بسيط وبديهي، ومضمونه أنهم ما داموا قد رفعوا شعار الدولة الإسلامية وانتشر أنصارهم بين الأحزاب السياسية يدعون لدولة دينية يحكمها الإسلام، فلماذا لا يقدمون إلينا – نحن الرعية – برنامجاً سياسياً للحكم، يتعرضون فيه لقضايا نظام الحكم وأسلوبه، سياسته واقتصاده، مشاكله بدءاً من التعليم وانتهاء بالإسكان، وحلول هذه المشاكل من منظور إسلامي.
أليست هذه نقطة ضعف جوهرية يواجههم بها من يختلفون معهم سواء بحسن نية، وهو ما نظن، أو بسوء نية، وهو ما يعتقدون وما يتعين عليهم سد ذرائعه حتى لا يتركوا لأحد مجالاً لنقد أو رفض.


هنا يبدو الأمر منطقياً لا تناقض فيه، وهنا يصبح رفعهم شعار الدين والدولة معاً أمراً مقبولاً، وهنا يصبح رفضهم لفصل الدين عن السياسة وأمور الحكم رفضاً له من الوجاهة حظ كبير، وله من المنطق سند قوي، بل وأكثر من ذلك تصبح قضية تطبيق الشريعة الإسلامية جزءاً من كل، وهي جزء لا يتناقض مع الكل بحال بل يتناسق معه، ففي مجتمع الكفاية والعدل، حيث يجد الخائف مأمناً، والجائع طعاماً، والمشرد سكناً، والإنسان كرامة، والمفكر حرية، والذمي حقاً كاملاً للمواطنة، يصعب الاعتراض على تطبيق الحدود بحجة القسوة، أو المطالبة بتأجيل تطبيقها بحجة المواءمة، أو عن قبول بارتكاب المعصية اتقاء لفتنة، أو تشبها بعمر في تعطيله لحد السرقة في عام المجاعة، أو لجوءاً للتعزير في مجتمع يعز فيه الشهود العدول

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04770 seconds with 11 queries