الموضوع: فلسطينيات
عرض مشاركة واحدة
قديم 31/03/2005   #3
عاشق من فلسطين
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ عاشق من فلسطين
عاشق من فلسطين is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
المطرح:
حيث هناك ظلم ... هناك وطني..
مشاركات:
4,992

إرسال خطاب MSN إلى عاشق من فلسطين إرسال خطاب Yahoo إلى عاشق من فلسطين
افتراضي نزيف الكناري اللاجئ شعر : الشاعر الفلسطيني يحيى برزق


أتوقف في هذا الملف أولا عند مشهد شعري لفلسطين نعيشه عبر سيرة الشاعر يحيى برزق ومن ثم نذهب في إطلالة جميلة حزينة ، هناك حيث القوافي تطلق من بين جوانحها بيانات الحنين . وأغاريد المحبين ..كأجمل الأناشيد وأحلى الأغنيات على شفتي زهرة المدائن وأخواتها الحبيبات ...

إذا أردت الحديث عن نكبة فلسطين فحسبك أن تقف قرب زيتونة القوافي لتسمع شيئا من نحيب الكناري اللاجئ " يحيى برزق " ، بل إنك حين تتجول بين أشعاره فكأنك تعيش تلك الأحداث للتو بكل أبعادها ، وتعيشها بعد سنواتها الطوال بمرها الكثير والقليل من حلوها...

هي ليست دعوة للقنوط بالطبع ، لكنها في نفس الوقت ليست دعوة لتناسي الجراح ورسم الأمل على جبين الليل .

الكناري اللاجئ ...هو ذلك الشاعر الذي غلبه ال" حنين " الشعري ففاضت قصائده بالاشتياق واحترق عمره في ليالي الاغتراب ..



يرحلون بصمت !!

لا أدري لماذا تقفُ هذه العبارةُ على شَفَةِ القلم كُلّما هَمَمْتُ بالكتابة ؟

يرحلونَ بِِِِِصَمْتْ

وفي ذكرى أليمة على قلوبنا ، ذكرى تضييع فلسطين أَجدُ نفَسي محاطاّ بسؤالْ من أين أبدأ ؟ وكأنَّ الشاعرَ الفلسطيني المثقل بأحلامِِِِ ِ وطنه قد كُتبت عليه الحيرةُ حَيَّا ّ أو حتى بعد خروجه من دار الفناء , بل كأنّها تمتد إلى كُلّ من شرع بالكتابة عنه.

في نهاية الأمر خلْتُ أن تلك العبارة هي الأفضل لمن يريدُ أن يَكْتبَ عن شاعر غادرنا منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماّ ولَمَّا يرحَلْ بَعْدْ فما يزال يسكن في ضمير الوطن ولوعة الحكاية الفلسطينية .

لكنَّ السؤال عند البداية ينقلنا إلى حيرةٍ أخرى , هل نبدأ من الذين ينتَقون الشعراء للإعلام كيفما أرادت السياسة والقرارات الفوقية التي لا يُردُّ لها أمر ‍ّأم نبدأ من المؤسسات الثقافية المختلفة المتهمة بالعُقْم , والتي أدمنت الإبحار في الهوامش دون أن نرى فعلها الثقافي في حاضرنا ...

الحديث عن الشاعر يحيى برزق ربمّا تكون بوّابته من تلك الأسئلة التي تنزفُ هموماً تماما ّكما ظَلُّ قلبُ صاحبنا ينزف في قوافيهِ أحلام الوطن والأمة ...وربما تكون قصائده المثقلة بالأنين بوابة أخرى تصلح كي ندخل منها للعبور إلى ساحة الشعر وميدان الذكرى .

في عام 1963م أي منذ ما يقاربُ الأربعين عاماً صرّح شاعرُنا في مقابلة مع صحيفة أخبار فلسطين بأنه يقوم في تلك الأيّام بِجَمْعِ قصائده التي كتبها منذ عشرين عاماّ , أيّ أن نَتاجه الأدبي يقودُنا إلى منتصف الأربعينيات من القرن الماضي على وجه التّقريب .

وإذا كانَ بعضُ نُقَّادِ الأدبِ يبتعدون قليلاً عن التاريخ لأسباب متعددة ليس هناك مجال لبسطها , فإنّنا ونحن أمام سيرة شاعر وضع حُبَّ فلسطين و جرحها معاً تجد أنه من الضروري أن التوقف عندها قليلاّ , خاصة أنها ستعكس لنا جوانب مختلفة من حياة الشاعر و تصب في جانب غاية في الأهمية دور الشعر في المعركة على أرض فلسطين.

"ميلاده في مدينة بئر السبع حاضرة النقب بفلسطين،و لد شاعرنا في إحدى المدارس هناك".

يقولُ شاًََعرنا في إحدى اللقاءات الصحفية "ما زلتُ أذكرُ أنني في الثانية عشرة من عمري شهدتُ حفلاًَََ عجيباً أقامه المستعمرون الإنجليز في بلدتي الصحراوية "بئر

السبع" وأعدوا له فرقة موسيقية أخذت تصدح لتجذب جموع الشباب العربي كي ينخرطوا في جيوش الحلفاء، بعدما استعر أوار الحرب العالمية الثانية، و وقف الحاكم اكسفورد- مقيم الحفل- يُشيد بالصداقة العربية البريطانية التي لم يكن في حاجة إلى الإشادة بها\،و لم أقو طويلاً على سماع عبارات الحاكم فَصحْتُ مرتجلاً:



جاءتْ جيوشُ البَرتش تشدو بِِلحنٍ مُنْعِشٍ

وخطيبها يدعو الشبابَ إلى الهلاك المدْهِشِ

فهتفتْ يا جيش العـدا ميعادنا في المشمشِ



يقول شاعرُنا: برغم سذاجة الأبيات هتف النَّاسُ مَعي: ميعادُنا في المِشمشِ!!

وتطايرتْ شظايا خطبة اللورد المفوّه و ألحان الجوقة الموسيقية!

لا شك أن ميلاداً شعرياً في مثل ذلك العمر يُعتبر أمراً طيباَ للغاية خاصّة ً إذا ما رُبط هذا الميلاد كما رأينا بالدفاع عن الهم الفلسطيني و توعية أبناء الشعب من الأخطار التي تحدّق به.

لقد أدرك شاعرنا مُنذ طفولته أنه يعيشُ قضيةً لابد أن يكون له دورٌ فيها كمنبر من منابر الأمة ينبهها من كل خطر و يحفزها على حفظ حقوقها و لذا تراه يقول عن تلك الفترة:

"لا أكتمك القول إن القلق الاجتماعي كان وراء "لا أكتمكَ القول إن القلق الاجتماعي كان وراء الكثير ممَّا كتبتْ، فإنَّ الإنسان المعاصرْ لم يَعدْ في قُدرتِهِ أنْ يُمَدِّدَ ساقيه و يحظى بنومٍ هادئ في زحمة الصراعات الدولية إلا إذا فقدَ عقله أو إحساسه على حد رأي الكاتب الثوري تر وتسكي، فكيف بابن فلسطين الذي أورثه اليهودي التائه ضياعه بَعْدَما سَلَبَ منْهُ استقراره؟".

و رغم تلكم المخاوفَ و المحاذير التي تدور من حوله نراه لا يستسلم للهواجس، فها هو ينشر في جريدة(أخبار فلسطين) عام 1963م قصيدة بعنوان "خَفْقَةُ أمل عنوانها يحكى عََّما فيها!!

أُحسُّ بأنَّ الشفاهَ اليبيسه سَتَبْتَسُم يوماً لفَجْرٍ جَديدْ أُحسُّ بِوَهجٍ انكسارِ القيودْ وَ هَمَسِ انعتاقِ الحروف الحبيسة

أُحسُّ بأنَّ القلوبَ الكبيرة ستَخْفِقَ يوماً لشعبي الشريدْ لآه الجريحِ وَ حُلْم الشَّهيدْ و تكْسِرُ أغلالَ قُدْسي الأسيرة في مسيرة حياته التي كانت تنبضُ مع كُلِّ خَفْقِة قَلْبٍ في فلسطين، و ما كادت أوائل

السبعينيات تطلُّ على شعبه حتى عاد النزف إلى قصائدْه وهو الذي لم يتركها أصلاً .



المروءات أشاحتْ واختفتْ خَجْلةً بين بُطونِ الكُتُبِ

والفتوحاتُ وراياتُ الوغى غُيَّبتْ تحت ثرى قَبْرِ النَّبي

وبدا أمْسُكِ في مَغْرِبِهِ حائراً منْ يَوْمِكِ المغْتَرِبِ

يا بلادي الرَّزايا في جمةً ورذاذُ الوَحْلِ فوقَ الكتُبِ

لِمَنْ السَّيفُ الذي أَعْدَدْتِهِ لامعاً يُزْهَىَ بِحدِّ ذَرب ؟

لِمَنْ السَّيفُ وما جَدَّدْتِهِ للقاءِ الواغلِ المُغتَصِبِ ؟



من هنا، لم يكن شاعرنا ليترك الأوهام تُسيطر على الشارع الفلسطيني ، يرها تصول وتجول في دروب القضية دون أن يطلق باستمرار صرخاته الشعرية ، ويرتفع صوته رغم أنين وزهرة المدائن التي تبحث عن أنشودة الانتصار :



يا قُدسُ يا غُنوةَ الأحرار يُنْشِدها يومَ الوغى كَلُّ مغَّوارٍ وَمُقْتحمِ

عذراَ إذا جَرد الثُوارُ بيضَهُمُ وجئتُ أَحْمِلُ في يَوم الفدا قلمي



هذه القصيدة التي لا نبالغ إذا قلنا بأنها من عيون قصائد الشاعر يحيى برزق حيث تتجلى بها الصور البيانية الممزوجة بالعاطفة الجيَّاشة الصادقة والمفردات الرصينة ، إضافة إلى معاني تتأرجح بين الحُلْمِ والوجَعْ !!



ماذا أقول لكم والنَّصلُ ملءُ فَمي ماذا أقول لكُم والشَّوكُ في قدمي

وكلُّ جرحٍ لشعبي في مرابعِهِ وفي مهاجره مِنْهُ يَسَيلُ دَمي



ويمضي ويحكي لنا عن عشقه وهيامه يوطنه حتى يصل إلى صورة غايةٍ في الجرأة يصرَّح بها ويُعلنها على مسمع من الدنيا ومرأى :



وكلُّ حَبَّةِ رَمْلِ مِنْ ثرى وَطني لَيسَتْ تَُعادِلها بطحاء ذي سَلَمِ

أنَّى تَلَفَّتُ أستجدى العزاء بَدَتْ ربا فلسطين في صحوي وفي حُلمي

يافا مُجَرَّحَةُ الخدَّينِ راكعةُ والقدسْ دامعَةٌ في أسرِ مُنْتَقِمِ



وتواصل القصيدةُ نزفها ، تتعالى الصرخات وتنسكب العبرات ، وشاعرنا مذهول فيما يرى من حولهِ ، يُجَرَّحُهُ السكوت ويعييه الكلام ْ!!



ماذا أقول لكُمْ والخطْبُ يَجْمعُنا فَشَمْلُنا فيه أضحى جدُّ ملْتَئِمِ

خوفو بنى هرماً بالصَّخرِ يُخَلدُهُ ومنْ جماجمنا كم شيد مِنْ هَرَمِ



النزفُ لا يأتي إلا تغيب المحبوبة مغمور بالحب ، وحين لا تغيب المحبوبة عن خيال من يحب لا عجب بعد ذلك إن سمعناه يصرّح باسمها عَلَناً ، يرد على الذين يسألونه عن نتاجه الغزلي وقصائد الحب !!

" إنني اعتبر فلسطين حبيبتي حتى النفس الأخير قبل أن تكون وطني "، وإذا كان كلامه كذلك فإن قصيدة "حنين" وأخواتها تصدَّق ما يقول :



يا قلب مالَكَ في الحوادثِ كُلَّما

ذُكرَ الحمى خلْتَ الوجودَ جهنَّما

فمضيتَ تَخْفَقُ في الأضالعِ لاهثاً

متهدماً تشكو مُصابك للسَّما

فأنا ابنُ أرض بالربيعِ تَدَثَّرتْ

وَغَدَتْ الأطيارِ الخمائِلِ مَوْسِمَا



ويُعَرِّج في حديث الحنين على ميزَةٍ قُدْسيَّه تُطرَّز ثياب بلاده بالمجد وتباهي بطهرها النّبوي .



وإذا أفاضَ الطُّهْرُ ضَمَّ حَديثَه

طيف المسيحِ على الحروف ومَرْيمَا

أرضٌ سرى فيها النَّبيُ مُحَمَّدٌ

لَّما غَدَتْ نحو الكواكــبِ سـُلَّما



جاء على لسان شاعرنا رحمه الله في حديث لأحد الصحفيين في مسودة الدواوين التي جمعها ابنه الكاتب مخلص برزق .

"لدي مجموعات من القصائد ضاقت بها الأدراج والكويت ، إلا أنني لم أكن يوماً في وضع مادي يساعد على طبع واحدة من هذه المجموعات ، ولكنَّ أملي كبير من طبع كرَّاسة شعر هذا العام ، فادع معي !!."

وقال مرةً :" أبياتُ الشعر لا تقي حراً ولا برداً ، وإنما تبحث عن مأوى ولو فقد صاحبها المأوى!!" .

وعلى الرغم من ذلك فلم تجد أبياتُه ذلك المأوى ، وبقيت تعاني من التشرد والضياع وخطر الاندثار ، وكنها قد عاشت مرارة تجربة صاحبها وعرفت ما فيها فظلت متشردة هائمة علـى وجهها تحدث عن شاعرنا الذي صيغت حياته على منوالها .

قصتهُ ذلك الكناري الذي حطَّ على إحدى نوافذ منزله ذات يوم ، وبمجرد أن قام أحد أبناؤه بفتح النافذة إذا بالعصفور يدخلُ إلى البيت بدلاً من الهرب !!.

يدخلُ إلى فضاء قلب شاعرنا ن ينكأ جرح اللجوء والرحيل الصعب عن الوطن :



جاءني دامي الجراحِ شجيناً

راعش الذَّيلٍ مكفهرَّ المحيَّا

مثقلاً بالهمومِ كم عانق القيد

وأمضى أيامه منفيَّا

وهوَ الشَّاعر الذي أطربَ الرَّوَضَ

وأعطى الحياةَ معنى شذيـَّا

آه يا طائري ونحنُ غريبانِ

كلانا في التيه مَلَّ المُضيَّا

أوَ مازِلْتَ تَذْكُرُ الأَهْلَ مِثلي

يوماَ فارقتهم ضحى أوْ عَشيَّا



الحديث الوجداني المنسكب شعراً بسلاسة وعذوبة من وجدان القافية غريبة عجيبة ، إنها صورة الشاعر إذن يراها في رحلة ذلك الطائر في تشردٍ ونأي عن الأحبة والوطنْ . لكنَّ القصيدة وهي تقترب من نهايتها تصل بنا على وميض الروح التي لا يقتلها اليأس ، إلى ذلك الأمل الذي أخذنا إليه الشاعر منذ البداية فيتغنى بأقمار الدّيار ، وتلك القمار التي حفتهما ضمائرُ الآباء والأبناء حين قدَّمتْ الروح رخيصة في سبيل الله من أجل الوطن .



لم أَجِدْ لي غَيْرَ الإله نصيراً

في دروب الأسى ودرعاً قويَّا

وأريجاً أعاد لي نفخةَ القدسِ

وبتَّ الحيــاةَ في عِطفيَّـا

الشهيدُ القسَّامُ خضَّبِ مِنْـهُ

مَفْرقاً كانَ في الظلامِ سَنيَّـا

واصطفاه (البنَّاء) يوم تعالى

صوتَهُ الحرُّ بالجهادِ قَويَّـا



الشاعر يحيى برزق هو وذلك الكناريُ اللاجئ توأمان شُردْا عن ديارهما ، لا ندري أعاد العصفورُ إلى ربوعه وأهله وعشـه بعد ذلك أو لا ، لكن الذي نعرفه بكل أسى أن أمل العناق بالأرض الحبيبة لم يتحقق لشاعرنا ، وقضى غريباً عن دياره حتى ولو كان ذلك في بلادٍ عربية !

..غنــــي قلــــــيلا يـــا عصـــافير فأنــي... كلمـــا فكــــرت في أمــــــر بكـــيت ..
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05229 seconds with 11 queries