عرض مشاركة واحدة
قديم 25/08/2006   #21
شب و شيخ الشباب HashtNasht
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ HashtNasht
HashtNasht is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
قدامك ...مانك شايفني !
مشاركات:
3,438

افتراضي الناي السحري لموتسارت


الناي السحري لموتسارت

لمناسبة مرور 250 عاماً على ميلاده



بقلم الشاعر : سعود الأسدي

لعل فن الأوبرا من أرقى ما وصلت إليه الفنون في الغرب ، وهو جماع لفنون ثلاثة من موسيقى وغناء وتمثيل تتداخل جميعها في عمل واحد يُسمّى " أوبرا " وهي مسرحية ملحّنة مغنّاة تمتاز بمقدمة موسيقية (( Overture ، قد تطول وقد تقصر بمقتضى بناء الأوبرا الفني ، وبحبكة قصصية لموضوع تراجيدي أو كوميدي أوتراجيكومي ، وأدوار متعددة متداخلة لشخصيات كثيرة على رأسها بطل القصّة ، وينظمها على خشبة المسرح عمل مـركب منسجـم متناسـق بتعدد أصــوات غنائيـة في مقاماتهـا وطبقاتهـا وأدوارها ، و( Airs ) آريات ( أغان مفردة مميّزة ) وليتموتيفات ( ألحان رائدة معبّرة عن شخصيات الأوبرا أو عن مواقف أو انفعالات معيّنة) ،وكورس ( فرقة منشدين )، وأبطال ثانويين ، وأداء موسيقى ملازم يوزّع أدواره قائد أوركسترا إلى جانب ديكور مسرحي وتزيينات بمناظر وتأثيث مناسب وألبسة ملائمة للفترة الزمنية ، وهندسة صوتية وتحكم بالإنارة والأضواء ، كل ذلك من الأعمال الهامة التي تتكاتف وتتآلف لخلق المتعة الكبيرة والفائدة العظيمة للمشاهد ، وهو المستهلك الأول والأخير لهذا الفن الراقي والسامي النبيل .
لقد تفوّقت إيطاليا منذ القرن السادس عشر بأعمال أوبرا ضخمة ، فكانت النموذج المحتذى لكل دول أوروبا ذات الاهتمام بهذا النوع من الفنون. ولكن ألمانيا وفرنسا وروسيا لم تلبث أن رسّخت فن الأوبرا في نتاجها الموسيقى المسرحي الغنائي . وهناك مئات الأعمال الأوبراتية التي تعدّ بالمئات ، وتعتبر مفخرة تراثية وإنسانية كبرى ، منها حلاّق إشبيلية لروسيني ، والبوهيمية لبوتشيني ، وعايدة لفيردي ، وكارمن لبيزية ، ويفجيني أونييجن لتشايكوفسكي .
وأما بيتهوفن فبالرغم من عظمته وكونه في المرتبة الأولى من الموسيقيين العالميين فلم يترك سوى عمل واحد في فن الأوبرا هو فيديللو ، وأما موتسارت فقد ترك أعمالا كثيرة بارزة لاتفني جدّتها مع الأيام ، منها الهروب من السراي ودون جيوفاني وزواج فيجارو وكل النساء سواء والناي السحري .
إن للناي السحري في قلبي مكانة خاصة فقد حظيت برؤيتها في أحد مسارح بطرسبرج عام 1993، ولم أتمالك عن البكاء لدقة العمل وسحره وتأثيره وروعته المذهلة وفخامته والجمهور الغفير المهذب ، حتى كدت أن أهمّ بالنهوض من مقعدي لتقبيل يد المهرج الذي كان يمثل " صياد الطيور" عندما نزل عن خشبة المسرح ، ومشي يغني بين صفوف المقاعد لولا الحياء والخوف من أن يفسر نهوضي لغير ما أضمره مما قد يثير استهجاناً وهمهمة ولغطاَ في جمهور لا يهمس همسة فضلاً عن أن ينبس بكلمة . ولكن للأمانة والصدق فقد تذكّرت بعد انتهاء العرض سيد درويش وجهوده الجبارة في إصلاح موسيقانا الشرقية والنهوض بها وتطويرها من خلال المسرح الغنائي ، وقد كان سيّده ، ورثيت موته المبكر وجهوده التي دفنت معه وهو الموسيقى العبقري والمبدع العظيم .
حكاية من حكايات الجن
وحكاية أوبرا الناي السحري أشبه بحكاية من حكايات الجن في ألف ليلة وليلة . وهي فائقة في الرقة والعذوبة والجمال تتأرجح بك أنغامها وألحان أغانيها وكلماتها بين مملكتي النعيم والجحيم بصورها الزاهية وألوانها المتألّقة ، وبتناقضها الإنساني الواقف على مفترق نجدين : إمّا السعي الدؤوب وصولا إلى ما يقره الحظ من قناعة بسعادة دنيوية ، وإمّا النفاذ بالبصيرة إلى عالم الحكمة السامية والحقيقة المثالية المطلقة .
صراع بين النور والظلمة
تتنازع ضمن إطار هذه الأوبرا قوتان : قوة شيطانية شريرة متمثلة في" ملكة الليل" تعاونها نسوة ثلاث غرغونات (مكسوات الرؤوس بالأفاعي) حيزبونات تخططن للانتقام ، وقوة ملائكية نورانية متمثلة في " ساراسترو" الباسط نفوذه على هيكل الحكمة حيث تحفّ به كهنة المعرفة وأساطين الحكمة دعاة القوانين الأخلاقية التي سيقف في أعلى درجات سلم رقيها الإنساني ونضوجها العقلاني في النهاية الأمير" تامينو" . وهوالذي سلك السبيل الأمثل إلى الكمال ، وحمى نفسه من التردّي والسقوط . والفتاة " بامينا " الحسناء الرقيقة ابنة ملكة الليل التي نشأت وترعرعت في كنف أمّها بمملكة الظلام حتى تطهّرت أخيراً في هيكل الحكمة بنار الحب المقدّسة ، وأصبحت لا تليق إلا بأمير كريم وندب هميم هو تامينو .
مرح فطري وخفّة دم
موتسارت في أوبرا الناي السحري يلعب لعبة البساطة والعمق ، والفرح والحزن وسائر التناقضات بموسيقاه المهذبة والمصقولة كالألماس ، فهو مثلا يجسّم في شخصية " باباجينو " صياد الطيور وبائعها المرح الإنساني الفطري وخفّة الدم ، وقد كتب على هذا أن يمرّ بتجارب قاسية برفقة تامينو لتحرير بامينا من أسر مملكة الليل . وباباجينو هذا ظلّ يسعى بخفة دمه إلى متع الحياة البريئة من طعام وشراب مقايضة بطيوره ، ولكن بنية بذيئة مع النسوة اللواتي كنّ يتحرشن به ، وما أكثرهن يعترضن سبيله ويمازحنه ويساومنه على طيوره الجميلة ، يحملها في قفص على كتفه ويرقص بها وينفخ في صفّارات من قصب الغاب مترنّما في الساحات والأزقة وتحت الشبابيك ويغني بصوته الجهير :
أنا صيّــاد الطيـورْ دايماً فرحان ومسرورْ
وانا معروف ومشهور بعرفوني كبيـر زْغيرْ
أنا صيـاد الطيور
بلبس الريش الكذّابْ وبعزف عا قصب الغابْ
وبغري الطير وما بيهاب مني وبكمشـو بْيَـدِّي
وبصبح في القفص مأسورْ وأنا صيـاد الطيـور
بدي شبك شو ما كانْ أتصيّد فيـه النسوان
بالدزينه شكال لْوانْ ويصيرو كلهن عندي
وأنا صيـاد الطيورْ
ويصيرو كلهن عنـدي وأقعد مثل الأفنـدي
والحلوه اللي تبوس خدي هِيِّ من دون النسوان
بالفرشـِـه تنام بْحدّي وتحت راسا أوضع يدي
وأهزّلها حتى تنـــام مثل الطفل لزغيــور
وأنا صيـاد الطيور
***
يتبع ...
الصور المرفقة
نوع الملف : jpg MagicFlute_web_lg.jpg‏ (48.2 كيلو بايت, 73 قراءة)

J.S: Death is the solution to all problems. No man = No problem.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04389 seconds with 12 queries