الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 21/06/2008   #178
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


أبو الشعب:

لا نكاد نرى في تاريخ الأدب العالمي فعلة غير محسوبة العواقب كتلك التي فعلها ليو تولستوي عبقري الرواية الطويلة، والذي عاش اثنين وثمانين سنة في الرفاهية والثراء، وفي ظل شهرة عريضة لم يحظ بها أحدٌ في تاريخ الأدب العالمي، غير قلة قليلة من الكتّاب والشعراء والأدباء..

لم تحرمه الحياة من شيء، وكانت كل مقومات الحياة السعيدة عند أطراف أصابعه، فإلى جانب الثراء كانت هناك الزوجة المحبة والأبناء العطوفون، والشهرة المدوية المصحوبة بحب كل من عاصره على أرض روسيا، حتى الذين هاجمهم في رواياته وانتقد سلوكهم، أحبوه وعبّروا عن احترامهم لـه، وحصل عن جدارة، على لقب (أبو الشعب)،

وأبو الشعب ـ في ذلك الزمن على أرض روسيا ـ لم يكن غير القيصر نيقولا الثاني، الذي كتب إلى تولستوي تحت ضغط أدبي من زوجته الإمبراطورة ومن أبنائه، خاصة من ولي عهده المريض الأمير أليكسيس، كتب قائلاً:
«يسعدني أن أهنئكم بعيد ميلادكم الثمانين، وآمل أن يساعدني الله على تحقيق الكثير من مشروعاتكم البنّاءة لخير الشعب الروسي الذي يعتبركم أباً (ثانياً) له..».

تهنئة القيصر هذه تتضمن معاني كثيرة.. اعترافاً بمشروعات تولستوي التي اتخذها بشأن الأراضي الزراعية، وحق من يعمل فيها في شيء من خيراتها، وامتناناً لما ذكره تولستوي في روايته (الحرب والسلام) عن دور القيصر الكسندر الأول، جدّ القيصر نيقولا الثاني في تحقيق النصر على جيوش نابليون بونابرت، وتتضمن رسالة القيصر قبل كل هذا وذاك، على غيرة قاتلة من اللقب الذي منحه الشعب لكاتبه المفكر الجريء ليو تولستوي، فكلمة: (إنك الأب الثاني).. تحمل معنى ضمنياً، بأنني أنا الأب الأول للشعب الروسي. ويمرّ عامان على هذا التكريم العالمي للكاتب العظيم، ويبلغ العام الثاني والثمانين من عمره، وإذا به يسأم كل شيء، ويضيق ذرعاً بكل شيء، فقد سئم الشيخوخة وأمراضها، سئم الثراء العريض وتكاليفه، وسئم خرافات وثوابت الكنيسة التي يلح بها الأساقفة على الناس، وسئم التجسس اللصيق، وهذه الرقابة الخانقة على ساعات حياته، على أوراقه، وعلى أحاديثه مع أصدقائه وأنصاره.. تجسسٌ مشين.. وممن؟! من المرأة الوحيدة التي أحبته وأحبها منذ خطبها، من صوفيا أندريفنا زوجته التي لم يشرك سواها في قلبه على مدى أربعة وأربعين عاماً.

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06849 seconds with 11 queries