عرض مشاركة واحدة
قديم 20/08/2008   #66
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الدب والسكين والبندقية



»ان النفسيات المتعلقة بالقوة وبالضعف سهلة الفهم. فالرجل المسلح بسكين واحدة يستطيع ان يقرر ان الدب الذي يهيم في الغابة هو خطر قابل للاحتمال ما دام البديل اصطياد الدب بهذه السكين أكثر خطراً من الترقب وتمني ان الحيوان لن يهاجم. غير ان الرجل نفسه، لو كان يحمل بندقية، لكان فكّر بشكل مختلف في ما يمكنه ان يكون خطراً قابلاً للاحتمال. لماذا يجازف بأن يتعرض للافتراس اذا كان في وسعه تجنب ذلك؟ ان رد الفعل النفسي هذا، وهو رد فعل سائد، هو الذي جعل أوروبا وأميركا تتواجهان«.
»القوة والضعف« هو عنوان الكتاب الأخير لأحد أبرز منظري المحافظين الجدد في الولايات المتحدة روبرت كاغان. أحدث ضجة كبرى عندما كان مقالاً واستمر يفعل ذلك عند صدوره قبل أسابيع. يدافع الكتاب عن فكرة بسيطة. يقول ان الفرق بين السلوك الأوروبي (باستثناء بريطانيا) والسلوك الأميركي نابع، حصراً، من ضعف الطرف الأول وقوة الثاني. فالضعف يقود الى تحديد للمخاطر وسبل حلها لا علاقة له بالدرجة المتدنية من قدرة الاحتمال لدى القوي وميله الى العلاج العنيف.
يحاول الكتاب ان يفسر، انطلاقاً من هذا المنظور، الرغبة الأوروبية في اعتماد الوسائل الدبلوماسية، واللجوء الى مجلس الأمن، وتمديد المهلة للمفتشين في العراق... فهذا كله نابع من وهن برز حديثاً في القارة خلال القرن العشرين وتعزز بعد انتهاء الحرب الباردة. وبالمقابل فإن الولايات المتحدة سارت في اتجاه معاكس وتعزز ذلك بعد انتهاء الحرب الباردة. ففي حين مال الأوروبيون الى الرغبة في التنعم ب»ثمرات السلام« و»تناسوا الاستراتيجيا« ذهب الأميركيون نحو ضرورة التوسع، ونقل المعارك الى العالم، وتأمين المصالح على مدى بعيد، وتعيين التهديدات، والحزم في حسمها. وأما احداث 11 أيلول فإنها لم »تغيّر أميركا وإنما جعلتها أكثر أميركية«.
يعتبر كاغان، والحالة هذه، ان العقيدة الدفاعية الجديدة لجورج بوش هي الابنة الشرعية لشعور أميركا بقوتها. ويجعل هذا الشعور مضحكاً بعض الشيء تحديد المخاطر بصفتها المجاعة، والاوبئة والفقر، وسلبيات العولمة، وانتشار الجريمة... لا يليق هذا التحديد بالولايات المتحدة. لذا فإنها، أولاً، تكثر الحديث عن الدول المارقة، والدول المتعثرة، والارهاب ذي البعد العالمي، وتنتدب نفسها ثانياً، للتوجه الى حيث الداء من أجل استئصاله قبل ان يهددها.
والعدوان على العراق هو النموذج الاول للحرب الاستباقية التي يراد لها إجهاض خطر داهم. فالعراق دولة مارقة، تمتلك أسلحة دمار شامل، ويمكنها ان تستخدمها مباشرة أو بواسطة
ارهابيين ضد الأرض الأميركية أو المصالح الأميركية. لذا وجب التحرك الذي هو، في نهاية المطاف، تحرك أقرب ما يكون الى الدفاع المستقبلي عن النفس.
***
يمكن القول، بعد سقوط تكريت، إن الولايات المتحدة استكملت بسط احتلالها على العراق. ولا يكاد يمر مؤتمر صحافي لمسؤول أميركي، سياسياً كان أو عسكرياً، من دون ان يقف سائل ليسأل: ولكن ما أخبار أسلحة الدمار الشامل؟ ويتردد الجواب نفسه: نحن واثقون من أنها موجودة، ولكن النظام أحسن إخفاءها، وسيأتي يوم نكتشفها.
نحن أمام واحد من احتمالين.
هذه الأسلحة غير موجودة. يعني ذلك ان واشنطن المدركة سلفاً لفراغ الملف قامت بهذه الحرب لأسباب لا علاقة لها بالادعاءات التي قدمتها وغيّرت فيها غير مرة.
هذه الأسلحة موجودة فعلاً. ومع ذلك فإن بغداد لم تستخدمها حتى ان النظام سقط تماماً من دون ان يدافع بها عن نفسه. نضع جانباً »تفسير« ريتشارد بيرل من ان سرعة التقدم حالت دون الاستعمال. نضع ذلك جانباً لنستنتج ان من لم يلجأ الى هذه الترسانة في »حشرة« من هذا النوع لم يكن ليلجأ إليها من أجل »الاعتداء« على الولايات المتحدة. وإذا كان هذا الاستنتاج صحيحاً، وهو، على الأرجح، صحيح فإنه يقود ببساطة الى نسف التطبيق الأميركي على العراق لنظرية الضربة الاستباقية. فنحن، ببساطة، أمام ضربة لا تستبق شيئاً. أي نحن أمام حرب ذات أهداف عدوانية أصلية استخدمت الذرائع الممكنة كلها من أجل احتلال العراق في سياق مشروع جذري يطال المنطقة أساساً والعالم استطراداً.
يقود ذلك الى القول ان التبريرات التي يقدمها المتطرفون الأميركيون للتمايز بينهم وبين بعض الأوروبيين كاذبة من أساسها. لم نكن أمام موقفين من استشعار الخطر والرد عليه. كنا أمام حملة نيوكولونيالية رفض البعض المشاركة فيها. ويسمح ذلك بالعودة الى »القصة« التي يرويها روبرت كاغان.
كلا، ليست الولايات المتحدة رجلاً يمتلك بندقية ويسمح لنفسه حيال الدب بما لا يسمح لنفسه به رجل يمتلك سكيناً. ان الولايات المتحدة هي الدب الذي يهدد الاثنين معاً. ومن الأفضل، لردعه، امتلاك بندقية. ويتأكد ذلك من ان هذا »الدب« ارتدع نسبياً حيال كوريا وبالضبط لأنها تمتلك أسلحة دمار شامل.
***
لا تقوم واشنطن، في العراق، بدفاع استباقي عن النفس. تقوم بعدوان هجومي يريد أخذ العراق وتحويله الى منصة لتطويع الأمة العربية بمعتدليها و»متطرفيها«. إنها تسعى الى بناء شرق أوسط جديد لا وجود فيه لأي نوع من الممانعة أو التحفظ.
يفسر لنا ما تقدم، سبب التبكير في شن هذه الحملة السياسية على سوريا. ان لها أسبابها العراقية المؤكدة من وجهة نظر أميركية. ولكن التدقيق فيها بعض الشيء يحسم في ان لها صلة بقضايا الصراع العربي الاسرائيلي وبموازين القوى الخاصة به التي لا يلوح فيها أي تهديد، ولو استباقي، للأرض الوطنية الأميركية.
ان في هذه الحملة ما يشي بالطبيعة العدوانية الأصلية لهذه الحرب على المنطقة ولترابط الحلقات بين ما يخص المصالح الخاصة بواشنطن وتلك الخاصة بإسرائيل والدرجة العالية من التماهي بين استهدافات الدولتين.
لسنا، اذاً، أمام دب واحد بل اثنين. واللافت انهما وجدا درجة من التنسيق يفتقر إليها ضحاياها. فالضحايا ليسوا دببة إلا بقدر ما ان الأسود أكل يوم أكل الأبيض.

15/4/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04934 seconds with 11 queries