عرض مشاركة واحدة
قديم 12/06/2008   #43
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


وقد كان الرجل من القوة بحيث لم يـُقبـِل يد أحد، وأورث ولده المهدي رعية مطيعة، وثغوراً منيعة، وأورثها المهدي إلى ولديه الهادي ثم هارون الرشيد وأورثها هارون الرشيد لأولاده الثلاثة الأمين فالمأمون فالمعتصم وأورثها المعتصم لولده الواثق، وبحكم الواثق انتهى ما يعرف بالعصر العباسي الأول .

أكثر عصور الدولة الإسلامية نهضة وحضارة، وإذا توخينا الصدق لزدنا (وفقها وطهارة) وإذا أردنا استكمال الصورة لأضفنا وفسقاً ومجوناً، وليس فيما ذكرناه مبالغة أو سعي وراء سجع الكلمات أو طنطنة الروي، وإنما هي الحقيقة لا أقل ولا أكثر، فقد اجتمع كل ذلك معاً، ففي النهضة والحضارة يزهو عصر المأمون ويتألق فكر المعتزلة، وتزدهر الترجمات ويكفي أن نذكر في العصر العباسي الأول من أسماء اللغويين: سيبويه والكسائي ومن أسماء الأدباء والمؤرخين والشعراء:

حماد الراوية والخليل بن أحمد، والعباس بن الاحنف، وبشار بن برد، وأبو نواس، وأبو العتاهية، وأبو تمام، والواقدي والأصمعي، والفراء وغيرهم.

أما في الفقه والطهارة فهناك: أبو حنيفة ومالك، والشافعي، وابن حنبل، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وعمرو بن عبيد، وأبو يوسف (الحنفي) وأسد الكوفي (الحنفي)، والزهري، وإبراهيم بن أدهم الزاهد، ونافع القارئ، وورش القارئ، وأبو معاوية الضرير، وسفيان بن عيينة، ومعروف الكرخي الزاهد، وعلي الرضي بن موسى الكاظم، وأحمد بن نصر الخزاعي، وغيرهم، أما الفسق والمجون فأبوابهما كثيرة، وفنونهما شتى، وهناك في البداية ما يمكن أن نسميه بالمناخ العام، وهو الإطار الذي يسمح بالفسق، ولا يستنكف المجون أو ما هو أكثر، فقد أمتلأت عاصمة الخلافة بالحانات، وانتشر شرب الخمور والغناء في مجالس الرعية، ووجد الجميع مخرجاً طريفاً لما يفعلون، فقد اشتهر عن فقهاء الحجاز إباحة الغناء، واشتهر عن فقهاء العراق من أتباع أبي حنيفة إباحة الشراب، فجمعوا بين فتوى الفريقين، ولخصوا مذهبهم في قول الشاعر:


رأيه في السماع رأي حجازي وفي الشراب رأي أهل العراق

أو في قول ابن الرومي:

أباح العراقي النبيذ وشربه وقال حرامان المدامة والسكر

وقال الحجازي:

الشرابان واحد فحل لنا من بين قوليهما الخمر


سآخذ من قوليهما طرفيهما وأشربها لا فارق الوازر الوزر

ولعل بعض القراء يندهشون، وربما يسمعون للمرة الأولى أن أبا حنيفة قد أباح أنواعاً من الخمور، بل ولعلي أصارحهم بأن فتوى أبي حنيفة قد أجابت على سؤال حائر كان يدور في داخلي وأنا أقرأ عن الشراب والمنادمة في مجالس الخلفاء: هل وصل بهم التحلل من قيود الدين، والخروج على قواعد الإسلام، أن يجاهروا بشرب الخمر في مجالسهم، دون أدنى قدر من الحفاظ على المظاهر أمام الرعية؟


ولعل فيما عرضه الأستاذ أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام عن خلاف الفقهاء حول الخمر ورأي أبي حنيفة فيها ما يوضح الأمر للقارئ:

(ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إلى سد الباب بتاتاً، ففسروا الخمر في الآية السابقة بما يشمل جميع الأنبذة المسكرة من نبيذ التمر والزبيب والشعير والذرة والعسل وغيرها وقالوا كلها تسمى خمراً وكلها محرمة، أما الإمام أبو حنيفة ففسر الخمر في الآية بعصير العنب مستنداً إلى المعنى اللغوي لكلمة الخمر وأحاديث أخرى، وأدى به اجتهاده إلى تحليل بعض أنواع من الأنبذة كنبيذ التمر والزبيب إن طبخ أدنى طبخ وشرب منه قدر لا يسكر، وكنوع يسمى"الخليطين"وهو أن يأخذ قدراً من تمر ومثله من زبيب فيضعهما في إناء ثم يصب عليهما الماء ويتركهما زمناً، وكذلك نبيذ العسل والتين، والبر والعسل. ويظهر الإمام أبا حنيفة في هذا كان يتبع الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، فقد علمت من قبل أن ابن مسعود كان إمام مدرسة العراق، وعلمت مقدار الارتباط بين فقه ابي حنيفة وابن مسعود، ودليلنا على ذلك ما رواه صاحب العقد عن ابن مسعود من أنه:

كان يرى حل النبيذ، حتى كثرت الروايات عنه، وشهرت وأذيعت واتبعه عامة التابعين من الكوفيين وجعلوه أعظم حججهم، وقال في ذلك شاعرهم:
من ذا يحرم ماء المزن خالطه في جوف خابية ماء العناقيد؟


إني لأكره تشديد الرواة لنافيه، ويعجبني قول ابن مسعود)

كان ما سبق هو المناخ العام أو الأرضية الممهدة للغناء والشراب وما يرتبط بينهما من لهو وقيان وغلمان، أما اللهو فسمة العصر، وأما القيان ففارسهم المهدي وولده الرشيد، وأما الغلمان ففتاهم الواثق، وسوف يأتي حديث كل منهم في موضعه، غير إنا نتوقف قليلاً أمام فتاوى الخمر السابقة متأملين، متعجبين من تشدد المعاصرين.

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04808 seconds with 11 queries