عرض مشاركة واحدة
قديم 07/09/2008   #15
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


الزلزال

سمعت سعاد جرس الباب الخارجى يدق .. ومع أنها كانت جالسة قريبة من الباب .. لكنها لم تنهض إذ كانت تشعر بتراخ وكسل ونادت خادمتها وداد بصوت عال ففتحت هذه باب المطبخ وظهر صوت الوابور .. يغطى كل الأصوات ..
ـ مش سامعة الجرس ..؟
ـ أبدا ياستى .. ودخلت هدى .. فاستقبلتها سعاد مرحبة .. وقالت هدى وهى تقبل سعاد في وجنتيها :
ـ الف مبروك ..
ـ مرسى خالص ..
ـ قد إيه فرحت .. لما سمعت من فاطمة هانم ..
لازم كده .. منقدرش نستغنى عن الراجل .. مهما كانت الظروف ..
ـ رأيك كده ..؟
ـ طبعا ومن الأول .. قلت لك لازم تجوزى يا سعاد .. حرام .. تضيعى شبابك .. وجمالك .. وترفضى عثمان بيه لأنه كويس
قوى ..
ـ آدينى ياستى قبلت ..
ـ وامتى حنفرح ..
ـ لما تفوت سنة على المرحوم .. قربنا .. ـ
نازلة معايا مصر .. أنا رايحه الصالون الأخضر .. حاشوفلى حتتين .. ـ متأسفة خالص يا هدى .. النهاردة أول
يوم في المدرسة .. ولازم أستنى حلمى لما يرجع .. ـ إحنا راجعين حالا .. ـ ما أقدرش .. الصبح وديته المدرسة بنفسى .. وفضلت معاه في الحوش .. أكتر من سـاعة .. وبعد كده وقفت بره السور .. مدة كبيرة
.. ولما دخل الفصل عيطت .. ولما جيت هنا قعدت جنب التليفون .. وكل ساعة أضرب للناظرة حاجة تكسف .. ؟ ـ معلهش علشان النهاردة أول يوم يخرج فيه من البيت .. وبعدين تعتادى على كده .. ـ والعياط ..
شىء يكسف .. !؟ ـ عينيك حلوة بالدموع .. وضحكتا .. وأخذت الصديقتان تتجاذبان الحديث حتى جاوزت الساعة العاشرة من الصباح فانصرفت هدى .. وبقيت سعاد وحــدها تنظر إلى الســـاعة وهى رائحة وذاهبة في البيت وداخلة
من حجرة إلى حجرة دون غرض ولأول مرة في حياتها شعرت بالفراغ .. بالفراغ المعذب .. وبوحدة المرأة الحزينة التى فقدت زوجها .. وهى في أول شبابها .. فقد كان ابنها ينسيها هذا وينسيها بألاعيبه وبكائه وجريه في البيت أنها
أرملة وأنها وحيدة وأنها فقدت زوجها .. فقدت الرجل الذى كان يحيطها بذراعيه القويتين وقلبه الحنون .. أحست بالفراغ الكبير وانقبض صدرها وتألم وتحركت في حجرات البيت ترتب بعض الأشياء الصغيرة .. ثم سمعت جرس الباب
الخارجى يدق مرة أخرى .. وتناولت الثلج من البائع ووضعته في الثلاجة .. ودخلت على خادمتها المطبخ .. وكانت سعاد تعد من الصباح الباكر لطفلها طعاما شهيا .. وبعض الحلوى .. كانت تود أن تحتفل باليوم الأول لدخوله
المدرسة .. وفرغت من كل شىء وهى لاتزال تشـعر بالوحشة وانقباض النفس .. وتحركت إلى التليفون .. وأدارت القرص .. فوجدت نمرة المدرسة مشغولة .. فعاودت الدق .. فسمعت انشـغال الخط مرة أخرى ..
فجلست مكتئبة على كنبة .. وفى يديها خيوط من الصوف تنسج بها " بلوفر " لابنها .. وأخذت تعمل وكانت يداها تتحركان حركة آلية دون وعى ودون حس .. وبعد قليل ألقت خيوط الصوف وعادت تدق للمدرسة .. وشعرت
بالخجل يصعد إلى وجنتيها وهى تحادث النــاظرة .. وتسـأل عـن ميعــاد الانصراف للمرة الرابعة .. وقبل الميعاد بسـاعة ارتدت فستانها الأسود وخرجت مسرعة إلى المدرسة .. وزاغت عيناها في مئات الأطفال متناثرين كالزهور في حوش
المدرسة ولكن باصرتها تركزت في دائرة زرقاء رسمت بها اسم حلمى على صدره ووجدته أخيرا .. فجرت إليه واستقبلته بين ذراعيها .. وكان الغلام مسرورا بلقاء أمه .. وقد انفرجت أسارير نفسه عندما وجدها على الباب .. وعاد
يشعر بعطف الأمومة يغمره ويشيع البهجة في عالمه الصغير ..
***

وكان عثمان خطيب سعاد يشغل وظيفة رئيسية في إحدى الشركات بالقاهرة ويعمل في الشركة في الصباح والمساء .. ومـع ذلك .. ومع أن سعاد تسكن بعيدة عنه فقد كان يزورها في بيتها يوميا منذ أعلنت خطوبتهما .. فقد بهره جمالها
وسحره فتعلق بها وأصبح لايغيب عنها .. وكان يقضى معظم الوقت معها في البيت لأنها كانت ترفض دعواته إلى السينما أو إلى أى نزهة في الخارج .. فلا تزال تلبس السواد ولم ينصرم عام على وفاة زوجها .. كما أنها لاتحب أن تخرج
وتترك الغلام وحده في البيت .. وكان عثمان يستاء لرفضها الخروج معه .. ولكنه كان يلتمس لها العذر .. ويضـطر إلى مـلازمتها في البـيت والسـهر معهـا .. وكان يراها أمامه جميلة رقيقة المشاعر عذبة الحديث .. تجمع كل مفاتن الأنثى .. ولكنه كان يستاء في أعماقه لأن ظهوره في جو حياتها لم يدخل السرور على قلبها .. ولم يعد إليها اشراق وجهها .. وكان يراها مشغولة باطعامه .. وراحته والذهاب به إلى الفراش .. وإذا ارتفعت حرارته نصف درجة .. شغلت بتمريضه والعناية به وتستدعى له أكثر من طبيب .. ولكن عثمان كان يحتمل هذا بصبر ويعرف أن الحياة ستغيرها بالتدريج .. وأنها ستصبح له وحده بعد أن يتملكها ..
***

وكان يجلس معها بعد العشاء في الشرفة ويتمتعان بجو الخريف المنعش وبالهدوء في هذه المنطقة وبالمنازل الجميلة الحديثة التى حول البيت .. وبالاضاءة الخافتة في الشارع .. فإذا طلع عليهما القمر وغمرهما بضوئه وسحره تفتحت مشاعره للغزل .. فيناغيها .. ويناجيها ويمسك راحتها البضة بيده الملتهبة .. ويضغط عليها ويمسح على ذراعيها .. فإذا راح في سكرة الحب .. واقترب منها ليمسح على شفتيها بشفتيه ويبرد النار التى تشتعل في قلبه .. دفعته عنها
برفق وهى تهمس :
ـ حلمى صاحى .. وكان يتألم لهذا الرفض ويتعذب .. وصرخ من أعماقه وهى تمضى عنه إلى فراش الغلام ..
ـ جته موته .. ولكنها لم تسمعه ..

يتبع..

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات

آخر تعديل achelious يوم 07/09/2008 في 23:43.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04556 seconds with 11 queries