عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #2
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


بني..» أو إذا رجع إلي البيت بعد منتصف الليل بعد منتصف الليل ثملاً مترنحًا استقبلته قلقة حزينة وتصيح به وهي تغالب دموعها «إن جرح قلبي لم يندمل.. فلا تفجعني فيك كما فجعت في والدك من قبل..».
فهو صورة صادقة لوالده في شكله وخلقه وطبعه وها هو ذا يرث عنه مرضه.. فلم لا تكون نهايته كنهايته؟
واأسفاه! إن هذه الأسرة مقضي عليها بالدمار فقد قضي جده شابًا، وقضي مثله والده، فليس إذًا هذا المرض من المصادفات المحزنة.. ولكنه بداية النهاية، وما هو إلا معيد تمثيل الدور القصير الذي قام به من قبل المرحوم والده، وقام به قبله جده، وما مرضه هذا إلا سبب تعتل به الطبيعة عليه لتنفذ قضاءها المحتوم من شجرة أسرته البائسة المقضي عليها بالذبول والجفاف في إبان ربيعها.
وجعل يردد فيما بينه وبين نفسه: «الشكل واحد والخلق واحد والسيرة واحدة والمرض واحد فالنهاية واحدة دون ريب»، وتشبث وجدانه بهذه الأفكار فقويت عقيدة الموت في نفسه وملأت شعوره فتمثلت له حقيقة لا تتزحزح، واستسلم لها استسلامًا تامًا حتي أشفي علي القنوط، وبات ينتظر القضاء المحتوم الذي يراه قريبًا.. بل أدني إليه من مخاوفه.
إننا جميعًا نعلم أننا سائرون إلي الموت ولكنا لا نذكر هذه الحقيقة إلا حين حوادث الوفاة أو لدي زيارة المقابر وفي الساعات النادرة التي نستسلم فيها للتأمل.. وفيما عدا ذلك فجلبة الحياة تغمر عادة سكون الموت، وحرارة الأمل تقصي عن أفكارنا برودة الفناء. أما الآن وقد ضرب له شعوره ومنطقه موعدًا قريبًا للموت فقد ولي وجهه هذا الأفق القريب لا يحول عنه، وجعل يديم إليه النظر في استسلام وحزن ويأس.
وعجب في أحزانه لمن يقول إن الموت راحة، ولم يفقه لها من معني إلا أن تكون تململاً وضيقًا بمتاعب الحياة، ولكن ما هذه المتاعب بجانب ظلمة الموت ووحشة القبر؟
الموت ياله من حقيقة مخيفة.. لم يشعر بهولها من قبل.. تري ما هو هذا اللغز الغامض؟ وما كنهه؟ وما حقيقة الروح التي ستفارقه بعد زمن يسير وتصعد إلي بارئها؟ وذكر عند ذاك الآية الكريمة «يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً» أما هو فلم يأت من العلم كثيرًا ولا قليلاً، وحسبه أن يعلم أن الروح ـ وهي منبع حياته ووجدانه وأفكاره ـ ستهجر جسده البائس آخذة معها كل جميل حي غير تاركة خلفها إلا أثرًا جامدًا.. أو جثة كما يقولون.. فواأسفاه!
ودلف إلي المرآة وألقي علي وجهه نظرة ملؤها الأسف والحزن.. وتأمل صورته طويلاً، وجعل يقبض كفيه ويبسطهما.. كم هو ممتلئ صحة وعافية وشبابًا! سينضب معين هذا كله.. ويجف غصنه الرطيب.. وتغيض معاني اليقظة في عينيه.. ويمسي جثة.. ممزقة.. نتنة.. قذرة.. ترعاها الديدان.. ما أفظع هذا!
والأدهي من ذلك أنه لم يشبع من الدنيا وأحس في تلك اللحظة كأنه لم يبدأ رحلة حياته بعد، وود من أعماقه لو تتاح له فرصة فيعيد الكرة، ليعيش حياة الطفولة السعيدة مرة أخري ويعيد عهد الصبا وينقلب إلي الشباب عمرًا مديدًا، ولا يترك الدنيا إلا وقد شبع من مسراتها وتزود من خيراتها.
كلا إنه لم يشبع من الدنيا ولم يتمتع بحياته كما ينبغي له.. وإنه ليسأل نفسه وسط حزنه وأسفه وبأسه: «ماذا صنعت بحياتي؟» فيعييه الجواب كأنه ولد بالأمس القريب، ثم يزول عنه الإعياء والعجز فتأتيه الذكريات

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03257 seconds with 11 queries