عرض مشاركة واحدة
قديم 12/11/2007   #1
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي الادمان علـى المتعــة و انفصـال " الانــــا".!!


معضلة الادمان تقدم الكثير من الاسئلة الاخلاقية التي يصعب الاجابة عليها، فالمدمن يفقد القدرة على التحكم في تصرفاته، فهل يجوز تحميله مسؤولية هذه التصرفات التي تجري تحت ضغط الادمان؟
ان ظاهرة الادمان تكشف بوضوح عن كون " حرية الانسان" امر نسبي وتتحكم به الهرمونات والتفاعلات الكيميائية خارج "العقل" وقدرتنا على السيطرة والى حد بعيد بشكل اوتوماتيكي. ان الدماغ يقوم بتوجيه سلوكنا ويتحكم به ويفرض علينا ان نقوم بأفعال قد تكون مضرة. معرفة هذا الميكانزيزم يستخدم على نطاق واسع للتأثر على سلوك الانسان وتفكيره من قبل الكثيرين من المهتمين، مثل الصناعات الغذائية والدينية والسياسية. فهل الانسان حر حقا، وهل سلوكنا هو سلوكنا " نحن" الواعي فعلا؟
عندما يتلقى الاطفال استحسان الكبار لنجاحهم، يعايش الطفل نشوة من المتعة. دماغ الطفل يقوم ببناء رابط بين استحسان الكبار وبين شعور المتعة الذي يعقبه، والذي من القوة بحيث يجعل الطفل يسعى بإستمرار للوصول اليه مجددا مرات متكررة من خلال سعيه لحل المزيد من المعضلات . من الواضح افضلية هذا الميكانيوم البيوكيميائي لحث الانسان على التعلم واكتساب الخبرات التي ستساعده على الحياة. ولكن هذا الميكانيزم هو نفسه الذي يجعل الانسان يسقط في الادمان على المخدرات والكحول والسكائر والقهوة والادوية المهدئة وحتى السكر والطعام والجنس بأنواعه.
جميع المواد الباعثة على الادمان من القهوة والشوكولاته والنيكوتين الى الهيرويين والكوكايين لهم السمة ذاتها: التأثير على مركز منظومة المكافآت/ الحوافز في الدماغ لبعث المتعة. بغض النظر عن اسلوب المادة الباعثة على التفاعل فأنها تصل الى غايتها من خلال التأثير على مركز صغير في وسط الدماغ واجباره على فرز مادة الدوبامين dopamin, المسؤول عن خلق مشاعر السعادة والرضى. الدوبامين هو المكأفآة التي يقدمها ميكانيزم التطور لحث الكائن على تكرار الاعمال المفيدة لتعلم اصول البقاء. الدماغ يكافئنا بجرعة من الدوبامين عندما نروي عطشنا ونبعد جوعنا، وعندما نصبح محبوبين وحولنا المعجبين وعندما نمارس الجنس او نثير اعجاب الاخرين بمقدراتنا، وحتى عندما نثير اعجاب انفسنا لتعلمنا شئ جديد.
لكون الدوبامين يثير مشاعر طاغية من السعادة نسعى دائما لتكرار هذه المشاعر من خلال تكرار الاعمال التي تعلمنا انها تجلب هذه المشاعر. الرغبة الجارفة لاحياء هذه المشاعر لاتقف عند حدود الاكتفاء بالحصول عليها عندما نستحقها بالفعل بل نحاول استخدام كل الوسائل الممكنة من اجل اثارتها اصطناعيا، بما فيها بإستخدام المواد الكيميائية التي تخدع منظومتنا الدماغية. المواد المثيرة للمتعة تؤثر على مركز الحوافز في الدماغ بأشكال مختلفة، ولكنها في النتيجة تقوم بزيادة الدوبامين في الدماغ وهذا الامر هو العامل المباشر للادمان.
من الناحية التاريخية نعلم ان الانسان منذ اقدم العصور حاول خداع الطبيعة والوصول الى المتعة الاصطناعية. التحليل الكيميائي لبقايا اوعية فخارية، لها من العمر 7000 عاما وعثر عليها في الشرق الاوسط تشير الى انها كانت تحتوي على النبيذ الاحمر. في مويمياء لها من العمر 4000 سنة وجدت اثار كوكايين متحلل. الاثار الصينية تشير الى ان الانسان قبل 4000 سنة كان يثمن اوراق نباتات القنبذ ووروده لاحتوائهم على مخدر وخصائص طبية.



نظرية العالمين الانثربولوجيين Roger Sullivan and Edward Hagen تقول بأن اجدادنا الاوائل لم يستخدموا هذه الوسائل من اجل اثارة المتعة فقط وانما من اجل مساعدتهم على تحمل الجوع والصعاب والتعب في الرحلات الطويلة. الابحاث التي جرت على الهنود الحمر والذين لازالوا حتى اليوم يمضغون اوراق الكوكاكا، تشير الى ان استخدامهم لها كان من اجل تحمل العمل والحياة في اعالي الجبال المرتفعة. اليمنيين لازالوا يمضغون اوراق القات حتى اليوم لتساعدهم على تحمل الحياة وروتينها الصعب. مقاهي الافيون كانت منتشرة في ايران والصين حتى العقد الماضي. المتعة المنبعثة اعطت افضلية لمن يملكها على تحمل الحياة وصعابها ولذلك تمكن من نقل جيناتها الى الاجيال لتسود في مورثات الانسان الحديث.
المخدرات ليست مادية فقط، بل ان هناك مجموعة كاملة من المخدرات المعنوية. لقد تمكن العلماء من اثبات ان اللعب بالالعاب الالكترونية والمقامرة والمتاجرة بالاسهم في البورصة لها نفس تأثير المخدرات، إذ تكون باعث على خلق الدوبامين وعلى اطفاء الجوع والعطش والشعور بالمتعة عندما يربح المرء.
اجريت دراسة على شبان وشابات كانوا يربحون عشرة دورات كل مرة يصلون فيه الى مستوى جديد في احد الالعاب الالكترونية. وفي كل مرة يربح احدهم يظهر لديه ضعف الكمية من الدوبامين. هذه الكمية تعادل قرص من الامفيتامين . بمعنى اخر فأن اللعبة تتمكن من بعث " إستحسان" وتحصل على مكأفآته بحيث ان المرء المعني سيسعى للحصول على هذه المعايشة من جديد، حتى ولو كان سيعني ذلك ارتفاع المخاطرة.
المشيئة والارادة والعقل ينفصلان: هل يجري الادمان بتأثير تجربة واحدة؟ بمعنى اخر متى يمكن وصف المرء بأنه مدمن؟ في الحقيقة ان هذا التعريف معقد للغاية. حسب نظرية قديمة لازالت راسخة في الممارسة الطبية ، يعتبر المرء مدمن عندما يكون في حالة تجبره على تعاطي جرعة مخدرة من اجل تفادي المشاعر الغير طيبة التي تجتاحه اذا امتنع عن التعاطي. اليوم نعلم ان هذه المظاهر ليست الا جزء من مجموعة اجزاء من العوامل النفسية والفيزيائية التي تجتاح المصاب والتي بمجموعها تخلق الادمان.
يمكن ان يكون الانسان مدمن بالرغم من انه عندما يترك لايصاب بمشاعر غير طيبة، الكوكايين نموذج مثالي على هذا، وهو احد اكثر المواد الشائعة لبعث المتعة اصطناعيا. المشاعر من القوة واللذة بحيث ان الذي يجرب لاول مرة يشعر بعطش قوي لمرة ثانية ، وبعد ثلاث الى اربع مرات يتهدد الانسان الوقوع تحت عبودية الادمان.
في تلك اللحظة لايزال الجسم غير واقع تحت الادمان الفيزيائي، إذ لاتظهر مشاعر المعاناة عندما يتوقف المرء عن تعاطي الكوكايين، لذلك فالادمان في هذه الحالة يبقى نفساني. الدماغ يتذكر المشاعر القوية التي عايشها ويستمر بتذكيرنا بما يجب علينا ان نقوم به للوصول الى تلك الحالة من جديد، ليظهر الامر وكأن الانسان خاضع لمشيئة خارجة عن ارادة العقل السليم (بالمنظور الحديث).
الذاكرة وسيلة الادمان: الكوكايين يؤثر مباشرة على مركز المكافآة والتحفيز في الدماغ من خلال منعه إزالة الدوبامين الفائض. مراكز الدماغ الاتوماتيكية تفهم تنشقنا للكوكاكيين على انه حدث مفيد يعطينا "قدر" افضل، لذلك تكافئ هذا العمل ليصبح السعي لتنشق الكوكايين مثل السعي للحصول على الطعام والشراب.
الادمان النفسي مرتبط الى اقصى الدرجات بالذاكرة. إذا وضعنا المدمن السابق في بيئة او حالة تذكره بالمخدر نجازف بخلق عوامل ايقاظ مشاعره للسعي الى العودة الى الادمان. هذه الحالة يمكن ان تكون مكان مرتبط بذاكرة المصاب بالمخدر او اصدقاء سابقين او تحفيز خيالي بقصة او وضع المخدر بمتناول اليد، هذا الامر تمت اثباته مختبريا وحقليا عند الحيوان كما عند الانسان على السواء.
المخدرات تغير الدماغ: بعد فترة من استخدام المدمن للكوكايين يبدأ المخدر بتسبيب تحولات فيزيائية على الدماغ. الوجود الدائم للمخدر في الدماغ يؤثر على طريقة الخلايا العصبية في التواصل مع بعضها من خلال العديد من التغييرات من بينها تغيير عدد المركبات الاشعارية المرسلة من قبل الخلايا العصبية او عدد المستقبلات لها. إذا ابعدنا المخدر فجأة يختل التوازن في المنظومة الى درجة ان الدماغ لن يستطيع العودة الى التفاعل الصحيح. بهذا يكون المرء قد تحول الى الادمان الفيزيائي.
الحاجة للمخدر مرتبطة بالمركز الاجتماعي: بالرغم من المواد الباعثة للمتعة والادمان تثير مشاعر الرضى عند الحيوان والانسان ، ليس الجميع يشعر بنفس الدرجة من الحاجة اليهم. في تجربة جرت على القرود ظهر ان هناك ارتباط مباشر مابين مركز القرد في الهرم الاجتماعي وبين حاجته الى المخدر الباعث للرضى لتحمل ثقل الحياة اليومية. في التجربة كان قطيع من قرود المكاكا لديها الخيار في الحصول على جرعة مخدرة في متناول ايديها ، وبالرغم من ان الجميع كانوا مستهلكين جيدين للمخدر ألا ان الافراد في اسفل الهرم الاجتماعي كانوا الاكثر استخداما للمخدر بالمقارنة مع الذكور في اعلى الهرم الاجتماعي.
بمساعدة التصوير الدماغي اكتشف العلماء ان ذكور القرود القابعين في اعلى الهرم الاجتماعي لديهم عدد اكبر من مستقبلات الدوبامين وبالتالي فهم مزودين بمنظومة مكافآت تحفيزية اكثر حساسية وبالتالي لديهم القدرة الطبيعية على شعور افضل بالمتعة والشعادة، مما يجعل حاجتهم لتعاطي المخدرات اقل. الفرق بين اعداد المستقبلات بين ذكور القرود لم يكن وراثي، ولكنه ظهر في فترة الثلاث اشهر الذي عاشتها القرود مع بعض.
كل الدلائل تشير الى الفشل او النجاح الاجتماعي لدى القرود يمكنه ان يخلق التحولات في الدماغ التي بدورها تقرر درجة اعتماد الفرد على المخدرات. وبالرغم من اننا لانستطيع بدون دراسة مقارنة، اطلاق هذه الاستنتاجات على الانسان، الا انه هناك مايشير الى ان الناس ذو المركز الاجتماعي السئ ايضا هم المعرضين اكثر للوقوع في فخ الادمان. اضافة الى ذلك يوجد مايكفي للشك بأن ليس البيئة وحدها يمكن ان تقدم الاساس المناسب للسقوط في الادمان، بل ان بعض الناس لديهم قابلية جينية وراثية لذلك.
التجربة للمرة الاولى تثير الخوف: في النقاشات الحادة حول السماح او منع المواد المخدرة يقوم المتحاورين غالباً بمقارنة انواع المخدرات مع بعضها. المؤيدين "لتحليل" الخشيشة او الهيرويين يقارنون ضرر هذه المخدرات مع الاضرار التي يسببها الكحول او النيكوتين. بالرغم انه من الصعب مقارنة اضرار المخدرات، لكون العلاقات الفيزيائية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا. مثلا يمكن الحكم على درجة خطورة المخدر من خلال سهولة ان يصبح المجرب لاول مرة مدمن. في هذه الحالة تحتل القهوة والنيكوتين والكحول المركز الاخير. عادة بسبب ان طعم هذا النوع من المخدرات للمرة الاولى يكون غير طيب، كما ان المشاعر التي يبعثوها لاتكون معروفة بل غريبة الطعم، لذلك يجب على المرء ان يجرب عدة مرات قبل ان تنبعث المشاعر الطيبة لديه، لتقوم الذاكرة بحثه على إعادة التجربة والسعي لها.
مع الكوكاكين يكون الامر على العكس تماما. منذ المرة الاولى يحصل المرء على مشاعر الشخص الذي لايعرف المستحيل. لذلك فهذا النوع من المخدرات يؤثر بقوة على نشوء الهلوسة النفسية. من جهة ثانية تأثيره الادماني اقل للغاية بالمقارنة مع تأثير النيكوتين، الذي يعتبره اغلب الباحثين على انه اكثر المواد الباعث على الادمان الفيزيائي. حسب الدراسات فأن نصف المدخنين يقومون بإشعال سيكارتهم اليومية الاولى مباشرة بعد الاستيقاظ. المدخنين الذين يحاولون التخلص من هذه العادة بدون مساعدة شئ اخر ينجح 3% منهم فقط.
النيكوتين اخطر المخدرات: يمكن ايضا الحكم على درجة خطورة المخدرات من خلال مقارنة مبلغ الضرر الذي يسببوه للجسم. في هذه الحالة يحتل الكحول الدرجة الاولى، في حين يحتل النيكوتين النقي يسبب تسمم قليل للجسم، هذا الامر نفسه يتعلق بالهيرووين، إذا حكمنا من خلال الجرعات النقية والصحيحة وبأدوات نظيفة. غير ان التبغ يحتوي على الكثير من المواد الاخرى غير النيكوتين، وعند حساب التأثير الضار لهذه المواد ، مثلا تسبيبها للسرطان وامراض الدورة الدموية، يصبح النيكوتين هو المادة التي تحقق اكبر قدر من الضحايا، في حين يأتي الكحول في المكان الثاني.
لقاح ضد المخدرات: محاولات المجتمعات والانظمة المختلفة لمكافحة المخدرات فشلت عبر العصور والازمنة وحتى اليوم. اليوم يسعى العلماء للوصول الى لقاح ضد المخدرات. خلق لقاح يحث جهاز المناعة على افراز انتيكروب ضد الكوكايين تمت تجربته في الفترة الاخيرة بنجاح. فور دخول مركبات الكوكايين الى الدم تقوم انتي كروب بالتعلق بها وتمنعها من الوصول الى الدماغ. لذلك ، وعند التطعيم لايعايش المرء لحظة السعادة بسبب المخدر، وبالتالي يفقد المحفز الذي يدفعه لاعادة التجربة. الدواء المعروف بإسم Topimax اثبت فعاليته على القضاء على ادمان الكحول، بالرغم من انه منذ البداية كان دواء لمعالجة مرض epilepsi. العلماء الامريكيون اكتشفوا عام 2007، ان نجاحه بسبب عرقلته لانتاج الدوبامين. يسعى العلماء اليوم بنشاط للوصول الى لقاح ضد الحشيشة والنيكوتين وبقية المخدرات الصناعية.


المصادر:
Olika Droger
Opium As Surrogate Medicine
Narcotic Analgesic Drugs
Nya vägar till läkemedel mot missbruk

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06499 seconds with 11 queries