الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 26/03/2008   #102
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي فيرونيكا تقرر أن تموت




ما الذي يدفع بواحدنا إلى التفكير بالموت والتخطيط له رغم إدراكنا أنّنا بذلك نتحدّى إرادةَ الربّ وكلّ المفاهيم الاجتماعية والدينية، ونجلبُ الحزنَ والألم لأقرب الناس إلينا؟
قد تكون دوافع عدّة تدعو الواحد ليقرّر أن يضعَ حدّا لحياته. أحدها: الشعور بالوحدة والانقطاع عن الجميع. وثانيها: انحسار الأفق العقلي إلى درجة كبيرة وخطيرة. وثالثها: الهرب من مواجهة صعبة غير واثق من نتائجها، تكون النهاية بالنسبة له في علاقته بالحياة ومَن فيها. ورابعها: حبّ المغامرة والبطولة والتجربة بدخول العالم المجهول، عالم ما بعد الموت، الذي كثيرا ما يُثيره في ما يُخفي من أسرار.
يُعالج باولو كويلو في روايته "فرونيكا قرّرت أن تموت" العلاقة المتشعبة التي تربط الانسان بالحياة، ويقف عند لحظة الانكسار عندما يصل الواحد إلى قرار صارم ونهائي أنّه لن يستطيع الاستمرار أكثر. وهو يفعل ذلك من خلال تناوله لعدّة شخصيات مختلفة التقت في مكان واحد" مركز الأمراض العقلية" مما سمح لها بالتعارف والتحدّث والتأثّر.
وقصّته هذه لم تأته فكرتها عفو الخاطر، وإن كان موضوعها يُراوده ويشدّه ويستدعيه بين حين وآخر. فقد كانت بنت صدفة إذ كان يجلس وصديقة سلوفانية اسمها فرونيكا في مطعم جزائري في باريس عندما روت له هذه الصديقة ما سمعته من والدها الطبيب من قصة فتاة تدعى فارونيكا عالجها في مستشفى للأمراض العقلية كان يُديره. ويخبرنا باولو كويليو أنّ ما شدّه لقصة فرونيكا المريضة أنه هو أيضا كان والداه قد أدخلاه، رغما عنه، ثلاث مرات في سنوات عمره الأولى للمعالجة في مستشفى للأمراض العقلية لأنّ تصرفاته لم ترق لهما. ولهذا شدّته قصة فارونيكا ووجدها المتنفس الذي يبوح عبره بأسراره وهمومه، كما أنه أحسّ بالتعاطف الإنساني مع شخصيات روايته لأنهم ذكّروه بمُعاناته وأعادوه إلى أيام خوال كان مثلهم نزيل مستشفى للأمراض العقلية.

الشخصيّة الأولى والمركزية في القصة
هي فرونيكا الفتاة التي عانت من العلاقات السيئة بين والديها منذ الصغر. ورغم الحبّ الذي أحاطاها به إلا أن خلافاتهما طغت وقرّرا الافتراق مما دفع بفرونيكا لمواجهتهما بكل عواطفها الجيّاشة واستطاعت أن تقنع والدها بالبقاء في البيت رغم ما يعنيه ذلك من عذاب لكلا الوالدين. عملت في مكتبة عامة واستأجرت لها غرفة في أحد الأديرة، وحلمت أن تعطيها الحياة زوجا قنوعا تعيش معه بطمأنينة في بيت بسيط. وألزمت نفسها في علاقاتها مع الرجال أن تمنح الواحد قليلا من السعادة لا أكثر ولا أقلّ ممّا هو اللازم فقط. لم تغضب على انسان لأن الغضب كما اعتقدت يحتاج إلى ردّ الفعل لمحاربة العدو ولتحمّل نتائج لا نتوقعها مُسبقا. وبعد أن حققت معظمَ ما أرادت من الحياة وصلت إلى قناعة أنّه لم تعُد لحياتها أيّةُ قيمة لأنّ كلّ أيامها أصبحت متشابهة مكرّرة لا جديد فيها، وإذا تابعت حياتها ستأخذ بعد أيام الشباب بالتدهور إلى حالة العَجز والأمراض واختفاء الأصدقاء وزيادة الأمراض والعُزلة والعذاب. وسبب ثان لقرارها أنّها قرأت الصحف وشاهدت البرامج التلفزيونية وتابعت كلّ ما يجري في العالم واقتنعت أنّ كلّ ما في العالم معطوب ولا تستطيع أن تُغيّر الموجود أو تُصلحه. ولهذا قرّرت أن تضع حدّا لحياتها وتموت لتخوضَ تجربة الموت، التجربة الأخيرة في حياتها. لقد حاولت أن تتخيّل مغامرات الموت ولم تصل لنتيجة. كثيرا ما كانت تتساءَل عن حقيقة وجود الربّ، خاصّة وأنّ أمّها كانت تُكرّر على مسامعها أنّ الرب يعرف ماضي الانسان وحاضرَه ومستقبله، وإذا كان كذلك فالله هو الذي أوجدها في هذا العالم بمَعرفة سابقة أنّها ستضع حدّا لحياتها ولن يُفاجَأ بذلك، وكان بإمكانه أن يتجاوزَها ولا يوجِدُها. اختارت فرونيكا الموت بتناول حبوب النوم. لكنها بعد ساعات وجدت نفسَها في مستشفى للأمراض النفسية تخضعُ للعلاج وللقيود الصارمة التي تفرضُها إدارةُ المستشفى.
تعرّفت فرونيكا خلال الفُسحات الممنوحة للمرضى، وما بين جَلسة علاج وأخرى، على بعض النُزلاء وأقامت معهم علاقات مُتمايزة.
كانت زدكا في أوّل حياتها شابة جميلة وقعت في غرام شاب لم يُبادلها الحب، لكنها أصرّت على أن تجعله يُحبّها ويتزوجها فتتبّعتْ أخبارَه ولحقت به للضفة الثانية من المحيط وبذّرت أموالها عبثا حتى يئست وعادت إلى بلادها سلوفانيا وعملت على استعادة حياتها الطبيعية . وبالفعل نجحت في إيجاد عمل ومقابلة شاب أحبّها وتزوجته وأنجبا أولادا. الحرب التي انفجرت بسبب قرار سلوفانيا الانفصال عن يوغسلافيا استدعته للقتال، ولكنه بعد انتهاء القتال عاد إلى بيته وأسرته. عادت الحرب وانفجرت بين كرواتيا وصربيا وانتشرت أخبار أعمال الصرب الوحشية فتضايقت زدكا، كصربيّة، من تشويه سمعة شعبها وكتبت المقالات التي تُدافع فيها وترفض الاتهامات. لكن حدث أن مرّت يوما أمام تمثال شاعر سلوفانيا العظيم واستعادت قصة حبّه ليوليا التي رآها صدفة في الكنيسة وسَبته من النظرة الأولى، لكنه لم يستطع الاقتراب منها، فخصّص لها أجمل أشعاره التي يُرددها الناس حتى اليوم. وتساءلت زدكا : وماذا كان حدث لو أن هذا الشاعر غامر بكل قوته من أجل الفوز بمحبوبته؟ وشعرت زدكا بخفقة قويّة في قلبها، وعادت إلى البيت لتستغرق في حالة نفسية صعبة وسؤال واحد يعذبها : هل هي أيضا صمدت وغامرت بما فيه الكفاية للفوز بحبيبها؟ هكذا تحوّلت حياة زدكا وأفراد بيتها إلى حياة لا تُطاق. وبدأت في عملية بحث مرهقة وراء محبوبها البعيد. فصرفت الأموال وهاتفت العشرات، وفكّرت بالسفر للبحث عنه عبر المحيط في أمريكا. كل هذا يحدث وزوجها لا يدري بما يجري في بيته. وبعد فشلها استولت عليها حالة نفسية صعبة جعلت الطبيب يقرّر نقلها إلى مستشفى الأمراض العقلية حيث التقت بفرونيكا.


الشخصية الثانية
كانت ميري محامية ناجحة تعمل في مكتب محامين مشهور، متزوجة ولها أولاد. كانت تحضر فيلما سينمائيا حول حالة الفقر في بلاد السلفادور عندما داهمتها أفكار غريبة: لماذا لا تترك عملها الروتيني وتكرّس سنوات عمرها الباقية للخدمة في جمعية خيرية تمدّ يدَ المساعدة للمحتاجين؟. الحروب كانت منتشرة في الكثير من مناطق العالم مثل سلفادور حيث الأولاد يعانون من الفقر والجوع وتضطر الفتيات للعمل في الدعارة لكسب لقمة العيش. قررت ميري أن تُفاتح زوجَها بما تفكّر حالَ عودتهما للبيت. لكنها فجأة شعرت برعشة في قلبها وثم بألم أخذ يزداد ويشتد، فقررت ترك القاعة بهدوء. خرجت وزوجها وشعرت للحظات أنّها ستفقد الحياة، فسارع زوجها بإيقاف سيارة أجرة نقلتهما إلى البيت بعد رفض ميري التوجه للمستشفى. في الغد ذهبت للعمل، وفي جلسة لها مع زميل لها صارحته برغبتها في ترك العمل والتفرّغ للأعمال الخيرية. وعاد قلبها ليفزعها وهي وحيدة في مكتبها. وفي البيت صارحت زوجَها بما حدثَ لها واتّفقا على إجراء الفُحوصات الطبية. غابت شهرا عن العمل عاوَدتها دقاتُ القلب والأوجاعُ والمخاوفُ حتى انتهى بها الأمر ودخلت مستشفى الأمراض العقلية لتلتقي بفرونيكا وزدكا والآخرين.
الشخصية الثالثة
أدوارد كان هو الشخصية المهمة المهمة، وهو ابن سفير يوغسلافيا في البرازيل . لم يجد سعادته في عاصمة البرازيل، فكان وهو في السابعة عشرة من عمره يومها يقضي وقته في الدراسة، لا أصدقاء له ولا اهتمامات، مما أقلق أمّه وجعلها تخاف على مستقبل ابنها الذي كانت تريده أن يتابعَ خطى والده في سلك الخارجية. ثم كان وأحضر ادوارد معه للبيت فتاة برازيلية مما أفرح والديه وطمأنهما على ابنهما، لكن جلساته مع الفتاة وتعاطيهما الأرجيلة أثار شكوك والدته في تصرفاته وخافت أن يكون ابنها متورطا في إدمان المخدرات. ثم صارح أدوار والديه برغبته في شراء دراجة ولما شعر بعدم استجابة والديه ومحاولة والده توجيهه في الطريق الأمثل التي يعتقدها غضب أدوارد ودخل غرفتَه وقضى الساعات مع الأرجيلة حتى أرغمَ والديه على شراء الدّراجَة. وبينما كان في طريقه إلى فتاته فقدَ السيطرة على مقود القيادة وسقط مما سبب له عُطلا قويّا أقعده في المستشفى فترة طويلة فيها قرأ كتابا يروي حياة أشخاص كانت لهم أحلامهم ورؤاهم التي تحقّقت أمثال السيّد المسيح وداروين وفرويد وكولومبوس وماركس . وحياة قديسين وكثيرين من الذين انطلقوا وراء أحلامهم كي يحققوها. هؤلاء لم يدعوا الحياة تمرّ هباء. لقد تصدوا لكل المُعَوّقات وتمرّدوا على كل المفاهيم الاجتماعية وانطلقوا ليُجسّدوا أحلامَهم في الواقع. ومثلهم أراد أدوارد أن يكون، واختار طريقَه، وانطلق ليُحققَ الحلمَ بأن يكون قدّيسا، واختار تعليمَ فنّ الرّسم، فصادق الرسّامين والفنانين الذين باتوا يزورونه ويُسامرونه كل ليلة، وتحولت غرفته إلى استوديو كبيرة. فشلت كل محاولات والديه لثنيه عن طريقه هذه، ودافع أدوارد عن تعلقه بالرسم والفن. لكنه ضعف أخيرا أمام إلحاح والده وتوسلاته ووعده بالعمل برغبته والانصياع لنصائحه. فرح والداه بهذا التحوّل الكبير وظنّا أنهما استعادا ابنهما من ضياعه الذي كان مؤكدا. لكن ادوار كان قد فقد السيطرة على نفسه، فلا هو نجح في أن يكون الابن الذي أراده والداه، ولم ينجح في أن يستعيد حلمه الذي قرّر التنازل عنه. ولم تمض خمسة شهور حتى كان يُعاني من انفصام في شخصيته ممّا دفع بوالده، الذي عاد إلى سلوفانيا بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في يوغوسلافيا، إلى إدخاله لمستشفى الأمراض العقلية حيث تعرّف هناك على ميري وفرونيكا ونزلاء المستشفى كلهم.

مستشفى الأمراض العقلية (فيليت)
هو المكان الذي جمع بين شخصيات الرواية وكان مسرح الكثير من الأحداث. وكويلو يثبت لنا أن لا مكان مقطوع عن المحيط والعالم الذي يحيط به، ولا إنسان، حتى المقيم في مستشفى الأمراض العقلية، يكون معزولا عن عالمه الخارجي والناس الذين يُعايشونه في الداخل وهؤلاء الذين في الخارج. فالتفاعل المتبادل قائم، ومهما علت الجدران وعُزلت الأمكنة تظلّ الأفكارُ المُحلّقة والأحلامُ الكبيرة أقوى، وإرادةُ الإنسان قادرة على تجاوز كلّ الحواجز ومُواصلة سَعيها لتحقيق الهدف الذي تُريد. فقد كان حضور فرونيكا للمستشفى هو العامل الذي أخرج نزلاءَ المستشفى وعامليه من روتين نظام يومهم الذي اعتادوه، وكسَرَ نمطَ التفكير الذي سَيطر على عقولهم.



يتبع .......

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05464 seconds with 11 queries