عرض مشاركة واحدة
قديم 15/06/2007   #2
شب و شيخ الشباب الهجان
شبه عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ الهجان
الهجان is offline
 
نورنا ب:
May 2007
مشاركات:
84

إرسال خطاب MSN إلى الهجان
Lightbulb في نقد العلمانية والديمقراطية أو مشكلتا الدين والدولة: ياسين الحاج صالح


فمفهوم الفصل بين الدين والدولة لا يقف في وجه تديين الدولة المحتمل، وهو الفهم المتداول، بل كذلك في وجه تدويل الدين أو تسييسه. وغياب مفهوم الفصل، وثقافة الفصل، يسهل للدولة استتباع الدين، ويسهل لنخب دينية أن تجاهد للسيطرة على الدولة، وجعلها دولة دينية.

أول عقلنة الدين، إذن، فرزه عن غيره وتمييز نصابه الذاتي. هذه عملية فكرية، يقوم بها مثقفون، وهي وجه أول لتكوّن ثقافة الفصل، أما الوجه الآخر فيعكس الانفصال الواقعي و"يروي قصته" ثبته ويجعله غير عكوس.

والخلاصة أنه يلزم تأسيس الدين كمفهوم مستقل، أي تحديد مجاله ونوعية الخبرات والأفكار والعلاقات التي تخصه وتنضوي تحته، كشرط للانفصال بين الدين والدولة. وهو ما عنيناه بالقول إنه يتعين إجراء الفصل في الذهن أولا، من أجل إجرائه في الواقع تاليا. والتتابع هذا منطقي وزمني في آن. وحتى لو افترضنا أن الفصل الواقعي بين المفهومين والمجالين تحقق بطريقة ما، فإن تحققه في الثقافة هو وحده ما يصونه ويجعله غير عكوس، فوق إضفاء الاتساق عليه ومنحه قيمة إيجابية كما ذكرنا.
***

وتعني عقلنة الدولة إعادة بناء مفهومها كمقر للسلطة العمومية، ما يقتضي بالضرورة فصلها عن كل من العصبيات الدينية والدموية، وعن الطبقات الاجتماعية، كما عن القوة العسكرية. وهو ما يقتضي أيضا فرزا في الذهن، أي في الثقافة، للدولة عن ما هو ليس هي، وتمييزا لها بقوام ذاتي مستقل. وقوام الدولة هو السلطة، والقيادة والسياسة، واللحظة الراهنة. فهي مزيج من القوة والحنكة، حساس للزمن، ولا يمكن تحديد نسبة كل منهما فيه سلفا.

الفرز والتمييز هذين، كبعدين لعقلنة الدولة، لا يواجهان استيلاء الدين المحتمل على الدولة، بل كذلك استيلاء الدولة على الدين أو استخدامها له. ومن شأن توفر ثقافتنا على مفهوم يضبط الفصل وينظمه أن يكون أساسا لسلوك وممارسات اجتماعية وسياسية وقانونية وأخلاقية وحتى دينية، تمنع الخلط بين الدائرتين، وتصون استقلالهما معا.

ونريد من الكلام على مفهوم الانفصال القول إن مدارا أساسيا للجهد اللازم في شأن العلاقة بين الدين والدولة هو الثقافة والفكر. أي إعادة تنظيم وهيكلة عتادنا العقلي بحيث ينتج من المعاني والقيم والدلالات والتيارات الفكرية ما يميز كلا من المفهومين، ويجعل استقلال الدولة والدين أمرا طبيعيا ومرغوبا، وترابطهما أمرا شاذا وغير مقبول. على أن ثقافة الانفصال، إن صح التعبير، لا تقتصر على مفهوم الانفصال ذاته، بل هي تكثيف لمجمل تجربة الانفصال (بأبعادها السياسية والاجتماعية والروحية، وبملابساتها التاريخية الخاصة وطابعها التراجيدي المحتمل)، وهي تملك عقلي وقيمي لوقائعها وعملياتها وتناقضاتها. بعبارة أخرى، ثقافة الانفصال هي ثقافتنا بقدر ما تنتظم حول انفصال مجالي الدين والدولة. وبهذا المعنى، لا تكتمل ثقافة انفصال الدين والدولة إلا مع إنجاز انفصالهما الواقعي. وإن كان لا ينبغي لذلك أن يلغي الوظيفة الاستباقية للثقافة، أعني الجهود الفكرية والروحية لتمييز مفهومي الدين والدولة بأوضح صورة ممكنة.
***

في حالنا الراهن "الدين" ليس دينا، و"الدولة" ليست دولة. ونتحدث عن مشكلة دينية لأن الدين، مفهوما وممارسة وعلاقات، بلا شكل ولا نظام، مشتبه، مختلط، تدخل فيه أشياء ليست من نصابه، ويدخل في أشياء ليست من مجاله. وعبارة "الإسلام دين ودولة" وجه من وجوه هذا الاختلاط وفقدان الشكل. وهي في الواقع عبارة متناقضة منطقيا، تخرج الإسلام من مقولة الدين، وتفرده عن أي شيء آخر نعرفه، فتجعله غير مفهوم. فالإسلام ليس دينا مثل المسيحية واليهودية والبوذية .. إنه "أوسع وأكبر من كلمة دين" حسب السيد يوسف القرضاوي. ما هو؟ إنه "دين ودولة، ومصحف وسيف، وسلطان وقرآن.." في عبارة حسن البنا. أي مفهوم يوحد هذه الثنائيات؟ لا نعرف. ولا يقترح علينا من يعرِّفون الإسلام بهذه الأزواج أي مفهوم موحد ينتظمها. بدل المفهوم يقررون لها اسما: "الإسلام"! وإيديولوجيتهم لا تتهيب من القول صراحة إنه ليس للإسلام نظائر، وأنه مختلف عن كل ما عداه، ومتفوق على كل ما عداه.

بيد أن هذا إما حشو لا يفيد شيئا، أو هو تعنت يرفض المفهومية ويفتح الباب للقوة. وهو بالفعل يضع القارئ المتجرد في مناخ من التقريرات المرسلة التي لا تقنع إلا من هو مقتنع بها أصلا. وهو ما يعني أنها قضايا إيمانية، أي تعني المؤمنين بها دون غيرهم. لكن القائلين بها يتطلعون إلى السلطة العليا ليجعلوا منها "دستورا" مفروضا حتى على غير المؤمنين، ممن ولدوا لأبوين مسلمين، وعلى غير المسلمين.

والحال، إن الإسلام الذي هو "أوسع وأكبر من كلمة دين" هو شيء غير مفهوم نظريا ونازع نحو القسر والإكراه عمليا. أما الإسلام الذي يمكن أن يقوم على إيمان حي فهو ذاك الذي يجمع بين مخاطبة العقل العام نظريا، و"المفاصلة" جوهريا ونهائيا مع أي إكراه عمليا؛ هو الإسلام كدين، ودين فقط.

الإسلام دين، وفي الدين "لا إكراه". أما ما هو "دين ودولة" فإن الإكراه مكون أساسي له، الأمر الذي لا يبذل الإسلاميون المعاصرين جهدا جديا لإنكاره. بل إن اقتران الإسلام بالإكراه والعنف هو سمة العقود الثلاثة الأخيرة في منطقتنا ثم في العالم. حتى ليبدو الإسلام اليوم قوة تمزيق لا قوة توحيد، وطاقة نزاع لا طاقة وئام، ومنبع خوف وقسوة لا مصدر أمن ورفق.

وحضور الإكراه في "دين ودولة" هو ما يمهد لرجحان وزن "الدولة" وضمور الدين. أي أن جعل الإسلام دينا ودولة هو باب اضمحلال الدين وتغول الدولة. وهو ما يفتح أبواب حياتنا العامة على التحكم والتربص والعنف. فإذا كنت تتهيأ لفرض نظامك السياسي والحياتي بالقوة، فأية غرابة في أن يجتهد خصومك لمنعك بالقوة، وأين العجيب في أن تغدو القوة والاستبداد بها الحكم بين المتنازعين؟! كما لن تتأخر دولة هي أيضا دين عن إثارة عداء رعاياها، وستسقط سقوطا مستحقا، لكن مكلف وأليم، قبل أن تنتصب مكانها دولة تلعب بالدين مثلها. ولن تكون الدول المتتابعة في مثل هذه الحالة غير "دول" بالمعنى العربي القديم، أي أدوار أو نوبات، تعرف بمن يتولاها، فنقول الدولة الأموية والدولة العباسية ودولة الأيوبيين.. وصولا إلى سورية الأسد وعراق صدام.. ويتولى تصريفَ الدول أو "تداولها" الدهرُ. ومعلوم أن أدوات هذا في التصريف هي الكوارث والحروب والاحتلالات .. من هولاكو إلى بوش.

جون دارننك _سابقا_ **********
--------------------------------
dont ever kick sleep lion
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03413 seconds with 11 queries