العارف 2
مختارات
21
قديما قبل تربية الأفاعي تحت سقف القلبْ
وقبل ( الناسُ منفى الناسِ ، والدنيا غنيمةُ حربْ )
أتى ولدٌ إلى الدنيا ، تظلِّلُهُ غمامةُ حبْ !!
22
تهجأ كِلْمةَ الدنيا ، بمعتمها ، بمُشْرِقَها
بمبهجها ، بِمُحْزِنها ، بملهمها ، بِمُقْلِقَها
فلا تتكونُ الساعاتُ إلا من دقائِقها
23
أنا هو ذلكَ الولدُ المصابُ بكبرياءِ الريحْ
كثيرًا ما يُرى خَشِنًا ، وممتلئاً أسًى وجموحْ
فإنْ أبحرتِ داخِلَهُ ، تَكَشَّفَ عن حنانِ مسيحْ
24
أكادُ أضئُ ، يقتلني ، ويُحييني بك العرفانْ
يصافحني الذي سيكونُ ، ما هو كائنٌ ، وما كانْ
سَكِرْتُ بما .. ، سَكِرْتُ وما .. ، سَكِرْتُ ؛ فقبِّليني الآنْ
25
قرأتُ فضاءَ أيامي ، كما قرأ السما عصفورْ
كلانا ، يجتلي قمر الحقيقةِ من وراءِ السورْ
نخافُ الليلَ أحيانا ، وأحيانًا تخافُ النورْ !!
26
رأيت الكائنات هناكَ تكتبُ شِعْرهَا العالي
وترفعُ وجهها للهِ ، في صمتٍ ، وإجلالِ
وكنتُ على ضفافِ الناي أشربُ دمعَ موَّالي
27
تقول شجيرة للريح
: جرِّب مهنةَ الأشجارْ
أنا آثرتُ أن أرضَى ، وأنت اخترتْ أن تختارْ
إذا أوغلتْ في الأعماقِ ، تعرفُ لذةَ الإثمارْ
28
يقولُ الريحُ للأشجارِ
: ذوقي لذةَ الإبحارْ
رأيتُ ابنَ الترابِ يقيمُ حَوْلَ ثماركِ الأسوارْ
ضربتُ شراعَهُ ، فمضَىا ، وجرَّبَ ، واصطفَىا وأنارْ
29
وتهمسُ وردةٌ للشوكِ
: ما أقسَاك ! .. ما أقساك !!
أقابلُ زائري بالعِطْرِ ، تجرحُ أنتَ مَنْ يلقاكْ
لماذا يصبحُ الوخز الأليمُ هوايةَ الأشواكْ ؟ !
30
يقولُ الشوك
: يا أختاهُ لم تتفهمي لُغْزِي
فليستْ حِرفةُ الآلامِ شرَّاً فاشْكُرِي وخْزِي
فالقبحِ الجميلِ حرستُ عجزَ الحسنِ ، لا عَجْزِي !!
31
رأيتٌ الشمعةَ الخرساءَ ترفعُ قلبَها المشبوبْ
وتهمسُ في سبيل النورِ هذا القلبُ حين يذوبْ
فأنت اخترت لِيْ يا حبُّ ، أن أُهْدِي السنا ، وأغيبْ
32
رأيتُ زواجَ عصفور الصباحِ ، بطلقةِ الصيادْ
وناياً صادقاً كالموت ، يعزفُ كِذبةَ الميلادْ
وحقلاً بامتدادِ العُمْرِ ، يشكُرُ منجلَ الحصَّادْ
!!
33
رأيتُ الصمتَ ، والنسيانَ ، يجتهدانِ دونَ ضجيجْ
وأبواباً بلا معنى ، دخولٌ مرةً وخروجْ
فقلتُ
: أخلِّدُ البستانَ يا ليلى ببعضِ أريجْ
وقلتُ
: أعلِّمُ الفخار شيئاً من ذكاءِ الماءْ
وأوقظ غفلةَ الأشياءِ كي تتكلمَ الأشياءْ
لعلَ زجاجةَ المصباحِ تحفظ حكمةَ الأضواءْ
35
ذهبتُ لرفِّ مكتبتي ، تهاوتْ كلُّ أصنامي
كبرتُ بداخلي ، كبرتْ على كتفيَّ أحلامي
فهل صارَ الزحامُ
( أنا ) أم الأوراق أيامي ؟
36
دخلت ُمقاهيًا ، ومنافياً ، وخنادقاً ، وسجونْ
وجاء لغرفتي قَتْلَيا ، وعشاقٌ ، وصوفيونْ
وثوارٌ ، وأزلامٌ ، وأبطالٌ ، ومهزومونْ
37
وجاؤ الشِّعْرُ ، كالضيفِ الغريب يدقُّ في استحياءْ
فتحت له فأطفأْ شمعتي ، وأضاءني ، وأضاءْ
ومنذ لبستُ خِرْقَتَهُ ، عرفتُ الرقصَ فوق الماءْ
38
وفيه عرفت أنَّ
( يكونَ) ، تعني أنه قد كانْ
وأنَّ الآنَ لا معنى لها في لعبةِ الأزمانْ
وأنيِّ في غدٍ سأكونُ شخصاً لا أراه الآنْ
39
إذا قبضت يدي الأمواجَ ، تخسر كبرياءَ الماءْ
إذا عبرت خطايَ الرملَ ، تهتك عفةَ الصحراءْ
هل العرفانُ ، قتلٌ ما ، نمارسه بغير دماءْ
!!
40
جرعتُ الكأسَ يا أختاهُ ، ثَمَّ خُطًى ، وثَمَّ صراطْ
ويا أختاهُ يحتاطُ الظلامُ ، النورُ لا يحتاطْ
بهذي الكأسِ يعرفُهُم ، ويعرِفُ نَفْسَهُ سقراطْ
شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
|