عرض مشاركة واحدة
قديم 01/08/2005   #5
شب و شيخ الشباب vtoroj-alexei
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ vtoroj-alexei
vtoroj-alexei is offline
 
نورنا ب:
Jul 2005
مشاركات:
536

افتراضي


الفصل التاسع

هل المسيح هو الله

فى العهدين القديم والجديد؟

بينّا فى الفصول السابقة كيف أن المسيح وصف بأوصاف الله ولُقب بألقابه وأتخذ أسم الله الوحيد الدال على كينونته وطبيعته وجوهره والذى لم يسم به أحد لأنه أسم الذات الألهية "يهوه هذا أسمى ومجدى لا أعطيه لآخر"(1)، "وأغار على أسمى القدوس(2)". وقد برهنا على أن كل ما جاء به الوحى فى العهد القديم عن الله، جاء به الوحى أيضاً فى العهد الجديد عن المسيح، أن يهوه فى العهد القديم هو يسوع فى العهد الجديد. وفى هذا الفصل نقدم الإجابة عن سؤالين محددين هما:

1- هل تنبأ العهد القديم عن كون المسيح هو الرب يهوه، والإله، الله؟

2- وهل أعلن الوحى فى العهد الجديد. صراحة، أنه إله، الإله، الله؟

والإجابة هى كالآتى:

1- العهد القديم يعلن لاهوت المسيح:

تنبأ أنبياء العهد القديم بالروح القدس وأعلنوا عن كل تفاصيل أيام حياة المسيح على الأرض تجسده، من الحبل به وميلاده من العذراء إلى صلبه وموته بالجسد وقيامته وصعوده إلى السماء، ومن أهم ما تنبأوا به أيضاً هو وجوده السابق للتجسد وكونه الرب "آدون" و "يهوه" والخالق والإله القدير "إيل" وحكمة الله الذى به خلق العالم، والقديم الأزلى الذى لا بداية له.

1- تنبأ العهد القديم عن يوحنا المعمدان سابق المسيح قائلاً:

C "صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب (يهوه)(3)".

C "هأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجىء يوم الرب (يهوه) اليوم العظيم والمخوف(4)".

وأكد الروح القدس فى العهد الجديد أن هاتين النبؤتين عن يوحنا المعمدان، فهو الصوت الصارخ فى البرية الذى جاء بروح إيليا وقوته ليعد طريق الرب، يهوه، ويهوه هذا هو يسوع المسيح، الرب يسوع المسيح. قال الملاك عنه لأبيه زكريا الكاهن وهو يبشره بالحبل به وميلاده "امرأتك اليصابات ستلد لك أبناً وتسميه يوحنا… يكون عظيماً أمام الرب… ويتقدم أمامه (أمام الرب) بروح إيليا وقوته… لكى يهيىء للرب شعباُ مستعداً(5)". وقد أكد الانجيل بأوجهه الأربعة، بالروح القدس، أن يوحنا المعمدان هو المقصود بالنبؤة الأولى(6). وأكد السيد المسيح أنه هو، المعمدان، المقصود بالنبؤة الثانية فقال "وأن أردتم أن تقبلوا فهذا هو (يوحنا المعمدان) إيليا المزمع أن يأتى(7)".

تنبأ العهد القديم أن المعمدان سيعد طريق، الرب، "يهوه"، وهو يقصد بالرب هنا، الرب يسوع المسيح، ويؤكد أنه هو "يهوه"، الله الواحد. أعلن أنه سيعد طريق الرب "يهوه"، وقد جاء يوحنا المعمدان ليعد طريق الرب "يسوع المسيح"، مؤكداً أنه هو "يهوه" الله. وما يبرهن على ذلك، أيضاً، هو أعلان المعمدان نفسه عن الرب الذى جاء بعد طريقه، الرب يسوع المسيح وقوله:

C "الذى يأتى بعدى هو أقوى منى الذى لست أهلاً أن أحمل حذاءه(".

C "الذى لست أهلاً أن أنحنى وأحل سيور حذائه(9)".

C "الذى يأتى بعدى الذى صار قدامى الذى لست بمستحق أن أحل سيور حذائه(10)".

C "الذى يأتى بعدى صار قدامى لأنه كان قبلى… هذا هو ابن الله(11)".

C "الذى يأتى من فوق هو فوق الجميع… الذى يأتى من السماء هو فوق الجميع… الآب يحب الابن وقد دفع كل شىء فى يديه(12)".

C فهو يعلن مؤكداً أن المسيح هو "الأقوى" وأنه هو شخصياً، المعمدان، ليس أهلاً ولا مستحقاً أن ينحنى ويحل سيور حذائه أو يحمل حذائه، لماذا؟ لأن المسيح، الرب يسوع المسيح، صار قدامه لأنه كان قبله، كيف كان قبله علماً بأن يوحنا مولود قبل المسيح بستة شهور؟ والأجابة هى أنه، المسيح، كان موجوداً بلاهوته قبل التجسد، كان فوق، فى السماء، فهو الآتى من فوق، النازل من السماء هو فوق الجميع، لماذا؟ لأنه رب الجميع، فهو ابن الله الذى من ذات الله وهو الذى فى يديه السلطان على كل شىء، فى السماء وعلى الأرض. أنه الرب "يهوه"فى العهد القديم، ويسوع المسيح فى العهد الجديد، "يهوه" متجسداً.

2- كما تنبأ ملاخى النبى نبؤة مزدوجة عن مجىء المعمدان ليعد الطريق أمام الرب "يهوه"، وعن كون المسيح هو "السيد" الرب "آدون" و "يهوه" و "ملاك العهد" الذى وصف فى أسفار العهد القديم، الأقدم (تكوين – قضاه) بصفات الله، "يهوه" وحمل أسم "يهوه" كما ستبين فى الفصل التالى:

C "هأنذا أرسل ملاكى فيهيىء الطريق أمامى ويأتى بغته إلى هيكله السيد (آدون – Ha Adon) الذى تطلبونه وملاك العهد الذى تسرون به، هوذا يأتى قال رب الجنود (يهوه صبؤوت)(13)".

المتكلم هنا، فى هذه النبؤة، هو "يهوه" والذى يعلن عن حقيقتين؛ الأولى؛ هى أنه سيرسل ملاكه هو "ملاكى" الذى يعد، يهيىء، طريقه هو، طريق "يهوه"، "أمامى"، يهيىء الطريق أمام العهد الجديد هذه الحقيقة "فأنه (يوحنا المعمدان) هذا هو الذى كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يهيىء طريقك قدامك(14)". وهنا تأكيد على أن الرب يسوع المسيح هو "يهوه".

والثانية: هى أن السيد، وفى العبرية "آدون" الذى هو "السيد الرب (آدون يهوه)(15)"، صاحب الهيكل، رب الهيكل، الذى سيأتى إلى "هيكله"، هيكل الرب "يهوه"، كالملك والإله، هو ملاك العهد، المعلن عن الله الآب، قوة الله وحكمته، صورة الله غير المنظور، الذى هو الرب يسوع المسيح، ابن الله الآب والواحد معه فى الجوهر، الآتى من فوق والخارج من ذات الله. وقد جاء السيد المسيح إلى الهيكل فى طفولته وعندما كان فتى وأثناء خدمته وأخيراً فى الأسبوع الأخير من أيام تجسده على الأرض، فى دخوله الأنتصارى لأورشليم كالملك الآتى، وتطهير للهيكل، وقوله الشهير "مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص(16)"، مشيراً إلى ما جاء فى سفر نبؤة ارميا النبى(17)، ومؤكداً أنه هو السيد "آدون" والرب "يهوه".

3- وتكلم داود النبى بالروح القدس متنبأ "قال الرب (يهوه) لربى (آدوناى) أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك(1".

وفى هذه النبؤة يتكلم عن الرب "يهوه" الذى يخاطب الرب "آدوناى" ويجلسه عن يمين العظمة. وآدوناى كما بينا هو "يهوه"، والمعنى هنا هو أن الله الآب يخاطب الله الابن الذى سبق داود النبى وتنبأ عنه قائلاً بالروح القدس "قال لى أنت ابنى. أنا اليوم ولدتك(19)". وقد أشار السيد المسيح نفسه إلى هذه النبؤة مؤكداً على حقيقتين؛ الأولى، هى أنه هو المقصود بالرب "آدوناى" فى هذه النبؤة؛ والثانية، هى أنه هو "رب داود"، الجالس على عرش الله، فى يمين العظمة فى السماء. يقول الكتاب:

C "وفيما كان الفريسسسون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً: ماذا تظنون فى المسيح، أبن من هو؟ قالوا له ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربى أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك. فأن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون أبنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة(20)".

أكد الرب يسوع المسيح أنه هو الرب "آدوناى" وآدوناى هو "يهوه"، وأنه هو الجالس فى يمين العظمه، على عرش الله فى السماء. كما قال أيضاً "من الآن تبصرون أبن الإنسان جالساً على يمين القوه"(21). وعن صعوده يقول الوحى الإلهى:

C "ثم أن الرب بعدما كلمهم (تلاميذه ورسله) أرتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله"(22).

C "أرتفع بيمين الله"(23).

C "الذى هو أيضاً عن يمين الله"(24).

C "المسيح جالس عن يمين الله"(25).

C "جلس عن يمين العظمه فى الأعالى"(26).

C "جلس فى يمين عرش العظمه فى السموات"(27).

C "جلس إلى الأبد عن يمين الله"(2.

C "جلس فى يمين عرش الله"(29).

C "وأجلسه عن يمينه فى السماويات"(30).

وعند أستشهاد أستيفانوس نظر إلى فوق "ورأى مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله"(31).

المسيح هو الرب "أدوناى، "يهوه"، رب داود الجالس فى يمين عرش العظمه، عرش الله فى السماء.

4- وتنبأ ميخا النبى بالروح القدس قائلاً: "أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيره أن تكونى بين الوف يهوذا فمنك يخرج لى الذى سيكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل"(32).

وقد أكد الإنجيل للقديس متى أن هذه النبؤه تخص المسيح الذى وُلد فعلاً فى بيت لحم، وكان علماء اليهود يعرفون جيداً أن هذه النبؤه تخص المسيح الآتى وأشاروا إلى هذه الحقيقة عندما سألهم هيرودس الملك "أين يولد المسيح؟ فقالوا له فى بيت لحم اليهودية. لأنه مكتوب هكذا بالنبى: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأن منك يخرج مُدبّر يرعى شعبى إسرائيل"(33).

ويؤكد الوحى الإلهى فى هذه النبؤه أن المسيح الذى وُلد فى زمن معين فى بيت لحم موجود منذ الأزل بلا بدايه وأن ميلاده من العذراء فى بيت لحم ليس هو بداية وجوده. أنه الموجود "منذ القديم منذ أيام الأزل". ويستخدم الوحى فى هذه النبؤه ثلاثة تعبيرات لها مغزاها الهام".

أ‌- "مخارجه"، وتعنى أصوله، أصل وجوده، ليس ميلاده فى بيت لحم.

ب‌- "منذ القديم"، وتعنى كلمة "القديم – qedem" هنا، القديم السحيق فى الأبدية، الأزل الذى لا بدايه له. وهى مستخدمه عن الله الأزلى الذى لا بدايه له "الإله القديم لنا ملجأ"(34)، "ألست أنت منذ الأزل (القديم) يا رب إلهى قدوسى"(35). ومستخدمه أيضاً عن قدم أعمال الله(36) وقدم أعلاناته "منذ البدء… منذ القدم"(37) وعن القدم الأزلى قبل الزمن وقبل الخليقة "من قبل أعماله منذ القدم"(3. وبالتالى فالنبؤه تؤكد لنا وجود المسيح القديم السابق لميلاده والسابق للخليقة والزمن، تؤكد لنا وجوده الأزلى بلا بدايه.

ج- كما تعنى عبارة "منذ أيام الأزل – Yeme Olam" فى العبريه القدم العظيم والأبدية، الأزل. والنبؤه بجملتها تؤكد لنا معنى واحد، وهو أن المسيح الأتى الذى سيولد فى زمن محدد ومكان محدد هو بيت لحم، هو الموجود منذ الأزل بلا بداية، القديم الموجود منذ القدم قبل الزمن وقبل الخليقة.

5- ونأتى إلى قمة إعلان العهد القديم عن لاهوت المسيح وكونه "إله"، "الإله"، "الله" فى سفرى المزامير وأشعياء النبى:

أ‌- يقول الوحى الإلهى فى مزمور 6:45،7 "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب أستقامه قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الأثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الأبتهاج أكثر من رفقائك".

ب‌- ويقول الوحى فى نبؤه أشعياء 6:9،7 لأنه يولد لنا ولد ونعطى أبناً وتكون الرياسه على كتفه ويدعى أسمه عجيباً مشيراً إلها قديراً أباً رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهايه على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد".

وفى هاتين النبؤتين يتحدث الوحى الإلهى عن نسل داود الذى سيجلس على عرشه(39)، هذا العرش الأبدى الذى يمتد فى حكمه وملكوته إلى ما لا نهايه "نسله إلى الدهر يكون وكرسيه (عرشه) كالشمس أمامى. مثل القمر يثبت إلى الدهر"(40)، "للسلام لا نهايه على كرسى داود وعلى مملكته". هذا الملك الآتى، النسل الآتى، المسيح المنتظر ابن داود، لن يكون مجرد بشر، فهو يلقب بخمسة ألقاب إلهية "عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام"، وهذه الألقاب لا يمكن أن يتصف بها بشر أو يلقب بها، فهو "الإله القدير" الذى خاطبه المرنم "كرسيك يا الله".

وقد جاء الرب يسوع المسيح من نسل داود بالجسد(41)، ولُقب بابن داود(42)، وقال عن نفسه انه "أصل وذرية داود"(43). وكان عجيباً فى الحبل به وميلاده من عذراء، وعجيباً فى أعماله وأقواله، وعجيباً فى قيامته وصعوده. وكان مشيراً فى ذاته لأنه لا يحتاج إلى مشوره أحد، فهو نفسه حكمة الله(44) والعالم بكل شئ، كلى العلم، الذى لا يحتاج إلى مشوره مخلوق(45). كما كان هو ملك السلام ورئيس السلام الذى ترنمت الملائكة عند ظهوره على الأرض بالجسد قائله "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسره"(46)، والذى قال لتلاميذه "ليكون لكم فى سلام"(47)، "سلاماً أترك لكم. سلامى أعطيكم"(4.

وأعظم ما فى النبؤتين هو أعلان الوحى أنه "الله" و"الاله القدير"، ويستخدم فى الأول لقب "إيلوهيم"، "كرسيك يا الله (إيلوهيم)" وفى الثانية لقب "إيل" وهو لقب الله الذاتى والمرادف ليهنه، و"جيبور – Gibbor" الجبار. و"إيل جيبور – El Gibbor" والمترجم "إلهاً قديراً وهو حرفياً "الإله الجبار" هو لقب الله وحده الذى لم يطلق على غيره أبداً، مطلقاً.

فـ "إيل" هولقب الله ويعنى "القدير"، "كلى القدره"، إلى جانب أنه يعنى "الله" و "اللاهوت" ويشير إلى الإلوهية، اللاهوت بمعناه الكامل والدقيق "إله"، "الله" ويعبر عن الله ذاته "أنا الله (إيل) وليس آخر، الإله (إيلوهيم) وليس مثلى"(49). واللقب "إيل جيبور – El Gibbor" يعنى الله الكلى القدره الجبار ولم يطلق إلا على الله وحده:

C "الإله العظيم الجبار يهوه صبؤوت أسمه(50)".

C "ترجع البقية. بقية يعقوب إلى الله القدير"(51).

C "يهوه إلهكم (إيلوهيم) هو إله الإلهة ورب الأرباب الإله (إيل) العظيم الجبار المهيب"(52).

C "يا إلهنا العظيم الجبار المخوف"(53).

الله وحده هو الإله الجدبار، القدير، المخوف، إله افلهة ورب الأرباب، إله القوات السمائية، "يهوه القدير الجبار"(54). والرب يسوع المسيح فى هذه النبؤة هو "الإله"، "القدير"، "كلى القدرة"، "الجبار" وهو أيضاً كما قال الوحى الألهى "ملك الملوك ورب الأرباب"(55) و"إيلوهيم"، الله العظيم، المهوب، المخوف.

ويطلق عليه الوحى أيضاً "أباً أبدياً" وحرفياً "الآب الأبدى" أبو الأبد، الذى لا بداية له ولا نهاية، الأزلى الأبدى، السرمدى، أو كما لاسبق وأعلن أنه الول والآخر، البداية والنهاية، اللف والياء "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد"(56)، "الرب الإله الكائن والذى كان والذى يأتى القادر على كل شىء"(57).

6- ونختم نبؤات العهد القديم بإعلان الوحى الإلهى أنه "المعبود" من كل الشعوب والأمم والألسنة "كنتا أرى فى رؤى الليل واذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أنى وجاء إلى القديم اليام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض"(5.

وابن الإنسان هو لقب المسيح بعد التجسد، وقديم الأيام، أى الأزلى، وهو الله الآب. وقد أخذ المسيح، الله الأبن، من الآب كل سلطان فى السماء وعلى الأرض، كما قال هو نفسه "دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض"(59)، وقال الرسل عنه أيضاً بالروح القدس:

C "لأنه أخضع كل شىء تحت قدميه"(60).

C "لكى يسود على الأحياء والأموات"(61).

C "الذى هو فوق كل رياسة وسلطان"(62).

C "وأجلسه عن يمينه فى السماويات فوق كل رسايه وسلكان وقوة وسيادة… وأخضع كل شىء تحت قدميه"(63).

C "لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكى تجثوا بأسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض"(64).

هو "المعبود" من كل الخلائق فى الكون كله، الملك الأبدى، ملك الملوك ورب الأرباب، الذى له السلطان الأبدى والملكوت الذى لا يزول ولا ينقرض، والذى تنبأ عنه داود النبى بالروح القدس قائلاً: "ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تتعبد له"(65)، وأيضاً دانيال النبى: "ملكوت ملكوت أبدى وجميع السلاطين ايه يعبدون ويطيعون"(66). وهذا ما قيل عن الله الآب "هو الإله الحى القيوم إلى الأبد وملكوته لن يزول وسلطانه إلى المنتهى"(67). وهذا ما تقوله الخليقة كلها فى الكون كله له الآب وللرب يسوع المسيح:

C "أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهى بإرادتك كائنة وخلقت"(6.

C "مستحق هو الحمل المذبوح (المسيح) أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة. وكل خليقة مما فى السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللحمل البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين"(69).

كل ما لله الآب هو لله الأبن، أسماء المسيح وألقاب الله هى ألقاب المسيح وصفات الله هى صفات المسيح وأعمال الله هى أعمال المسيح، وبالاجمال كل ما لله الآب هو لله الأبن، كما قال هو نفسه "كما قال هو نفسه "كل ما للآب هو لى"(70).

2- المسيح هو "إله" و "الإله" و "الله" فى العهد الجديد:

كان أسم "يهوه" فى العهد القديم هو الأسم الوحيد لله والدال على كينونته وجوهره كالإله الواحد، الخالق، الواجب الوجود، الدائم الوجود، سبب وعلة وأصل ومصدر كل وجود الكائن والذى كان والذى يأتى، الألف والياء، الأول والآخر، البداية بلا بداية والنهاية بلا نهاية، الأزلى الأبدى، السرمدى، الحى القيوم، الحى إلى أبد الآبدين، كلى الوجود، كلى القدرة، كلى العلم والمعرفة. وقد ترجم فى اليونانية سواء فى الترجمة اليونانية السبعينية أو العهد الجديد إلى "كيريوس – Kyrios " أى "رب"، "رب الكون وخالقه، كما ترجم أيضاً إلى "ثيؤس – Theos" الله، وإلى "أنا أكون – Egoeimi". وفى العهد الجديد حل "يسوع" محل "يهوه" وطبقت عليه جميع أسماء وألقاب وصفات، صار جسداً، أتخذ جسداً، وبأعتباره أنه هو نفسه "كلمة الله" الذى هو "الله" وصورة الله، وبهاء "آدوناى" إلى "رب" وطبق أيضاً على الرب يسوع المسيح بأعتباره أنه رب الجميع"، "رب العالمين" الذى فيه وبه وله خلق الكل والذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل.

وإلى جانب "رب – Kyrios" فقد أستخدم العهد الجديد لقب "ثيؤس – Theos" والذى يعنى "إله" و "الإله" و "الله" فى اليونانية، كلقب لله الواحد وللتعبير عن الألوهية واللاهوت، ومنه إلى "ثيؤتيس – Theotes". اللاهوت. وقد ترجمت ألقاب الله العبرية "إيلوهيم وإيل وإلو وإلاه" إلى "ثيؤس – Theos". وأستخدم العهد الجديد هذا اللقب "ثيؤس – theos" بمعناه الكامل الدقيق "إله" و "الإله" و "الله" عن الرب يسوع بأعتبار أنه هو نفسه "إله" و "الإله" و "الله"و "الذى يحل فيه كل ملء اللأهوت (Theotes) جسدياً"(71).

1- جاء فى أفتتاحية الأنجيل للقديس يوحنا قول الوحى الألهى "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدء عند الله. كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان. فيه كانت الحياة"(72).

والكلمة هنا هو الرب يسوع المسيح "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوؤ نعمة وحقاً"(73)، ويدعى أسمه كلمة الله"(74).

ويتصف الكلمة هنا بأنه كان "فى البدء" أى الأزلى بلا بداية، وأنه كان "عند الله" فى ذات الله، ككلمة الله الذاتى وعقله الناطق، وأنه كان هو ذاته "الله" و "كان الكلمة الله" أو "هو الله"، إلى جانب أنه الله الخالق ومصدر الحياة. وهنا يدعو الوحى "كلمة الله" بأنه هو "الله ذاته"، "Theos" وهى حرفياً كما جاءت فى اليونانية "والله كان الكلمة – Theos e`n Logos".

2- بعد قيامة الرب يسوع المسيح من الموات وظهوره لتلاميذه، وبعد أن تأكد تلميذه توما حقيقة قيامته، أدرك بالروح القدس أن المسيح ليس مجرد إنسان، وفهم هاتفاً ومعترفاً بلاهوته قائلاً "ربى وإلهى"(75)، "ho Kyrios… ho Theos…". عرف أنه "الرب – Kyrios" و "الإله- Theos" واللقب الذى خاطب به توما السيد "ربى وإلهى" هو نفس لقب الله فى القديم "يهوه إيلوهيم – الرب الإله – كيريوس ثيؤس – Kyrios Theos".

وكما خاطب أنبياء العهد القديم الله بلقب "الرب الإله – يهوه إيلوهيم" والذى يحمل فى ذاته كل معانى اللاهوت، وأهم ألقاب الله كالخالق والحى القيوم وكلى القدرة، وأيضاً "السيد الرب آدوناى يهوه" الذى يضيف إلى الألقاب السابقة لقب "السيد"، الرب، رب الكون وسيده والذى له السياده عليه، هكذا خاطب توما الرب يسوع المسيح "ربى وإلهى" بالمعنى الكامل والذى للاهوت، الله، الخالق، الحى القيوم، كلى القدرة، ورب الكون وسيده.

وسجل الانجيل هذا القول كحقيقة ثابتة، بل ومدح السيد المسيح توما على إيمانه هذا مؤكداً هذه الحقيقة، إلى جانب حقيقة قيامته، لأنك رأيتنى يا توما آمنت طوبى للذين آمنوا ولم يروا"(76).

وقد تصور البعض، وزعموا بدون علم، أن ما قاله توما لم يكن إلا تعبيراً عن أندهاشه، مثلما نقول عندما نقف مندهشين أمام شىء مدهش "يا الله! يا الهى! – O my God"ز وقد فات هؤلاء ثلاث حقائق؛ هى أنه لم يكن اليهود سواء فى القرن الأول الميلادى أو القرون السابقة للميلاد يستخدمون مثل هذا التعبير كعلامه للتعجب، كما كان اليهود

يخشون أستخدام أسماء الله حتى لا يقعوا تحت عقوبة التجديف على الله وهى الموت(77)، ولا يجب أن نتصور أن ما نستخدمه من تعبيرات اليوم هو نفس ما كان يستخدمه الناس منذ ألفى سنة، برغم أختلاف الزمان والمكان والبيئة والحضارة والذين وأساليب كل عصر.

3- جاء فى خطاب القديس بولس لأساقفة كنيسة أفسس "أحترزوا اذاً لأنفسكم ولجميع الرعيه التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التى أقتناها بدمه"(7. أى التى أفتداها بدمه، والذى أفتدى الكنيسة بدمه هو الرب يسوع المسيح "عالمين أنكم أفتديتم لا بأشساء تفنى… بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر فى الأزمنة الأخيرة من أجلكم"(79).

الآية الولى تقول أن الذى أفتدى الكنيسة بدمه هو "الله" والذى أفتدى الكنيسة بدمه هو الرب يسوع المسيح، وهنا أعلان صريح أن المسيح هو "الله – Theos". ولكن "الله روح"(80) والروح ليس له لحم وعظام"(81) وهو نور وغير مرئى "ساكناً فى نور لا يدنى منه الذى لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه"(82)، وغير كدرك بالحواس، فكيف يفتدى الكنيسة بدمه؟ والإجابة هى أن كلمة الله الذى هو الله الذى ظهر فى الجسد(83)، أتخذ جسداً(84)، أخذ صورة عبد(85)، وجاء إلى العالم فى الجسد(86)، ومن ثم تألم بالجسد(87)، وسفك دم هذا الجسد الذى أتخذه(8، ولكنه فى حقيقته هو "الله" "رب المجد" وكما يقول الوحى الإلهى "لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد"(89).

4- وجاء فى الرسالة إلى رومية "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل الإله المبارك إلى الأبد(90). وعبارة "حسب الجسد تعنى أنه جاء من نسل إبراهيم واسحق ويعقوب وداود "من جهة الجسد"(91)، الذى اتخذه من مريم العذراء ابنه إبراهيم وابنه داود، وظهر فيه وجاء فيه إلى العالم. ولكنه فى حقيقة هو "الكائن على الكل"، "ho on"، أى الذى فوق الكل، رب الكل، الإله المبارك، أو الله المبارك إلى الأبد. هو "الله – Theos" ورب العالمين.

5- جاء فى الرسالة الأولى إلى تيموثاؤس "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح"(92). وهنا يقول الوحى أن المسيح بلاهوته هو "الإله الواحد"، ولكنه كإنسان، بناسوته هو الإنسان، فقد صار إنساناً بعد أن أتخذ جسداً وجاء إلى العالم فى صورة العبد، لأنه وحده الذى يجمع فى ذاته اللاهوت والناسوت.

6- جاء فى الرسالة إلى تيطس "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذى بضل نفسه لكى يفدينا من كل إثم ويظهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً فى أعمالٍ حسنةٍ"(93). وفى هذه الآية يصف الوحى الإلهى الرب يسوع المسيح بـ "إلهنا العظيم" أو "الله العظيم". وقد تصور البعض أن هناك انفصال بين "إلهنا العظيم" و "مخلصنا يسوع المسيح"! ولكن عند دراسة الآية والنظر إليها من جهتى اللغة وسياق الكلام (القرينه) يتضح للجميع أنه لا يوجد أنفصال بين العبارتين، إذ أن الوحى افلهى يستخدم اداة تعريف "ال – The" واحدة للأسمين "إلهنا العظيم" و "مخلصنا":

"tou megalou Theou Kai Soteros hemon Christou lesou"

"The great God and Saritour of us Christ Jesus"

"يسوع المسيح نا مخلص و الله عظيم ال"

وترجمتها الحرفية "إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح". وهى تتحدث عن يسوع المسيح بصفة واحدة "العظيم" ولقبين "إلهنا ومخلصنا"، تتحدث عن شخص واحد، وهذا ما يؤكد سياق الكلام فى الآية كاملة عن ظهور شخص واحد هو "إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح"، "الذى بذل نفسه" وحده، مفرد "لكى يفدينا" وحده، مفرد "ويطهر لنفسه" وحده، مفرد. ومن المعروف والمتوقع أن الظهور المنتظر هو لشخص المسيح وحده، وكما يقول الكتاب "ظهور ربنا يسوع المسيح"(94).

7- وجاء فى الرسالة إلى العبرانين "وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك"(95). وفى هذه الآية يخاطب الأبن الله "كرسيك يا الله"، Theos، وهو يعنى ملكوته الأبدى وأنه هو نفسه "الله – Theos" رب العرش وملك الملك، وملك الملوك ورب الأرباب.

8- وجاء فى رسالة بطرس الثانية "سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيماناً ثميناً مساوياً لنا ببر إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح"(96). وهنا يصف الرب يسوع المسيح بـ "إلهنا ومخلصنا". وتكرر مثل هذا التعبير فى هذه الرسالة مع أستخدام كلمة "ربنا" كمرادف لـ "إلهنا"؛ "ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح"(97)، "معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح(9، "وصية ربنا ومخلصنا"(99). وهكذا فالسيد المسيح هو "إلهنا – Theos" و "ربنا – Kyrios" ومخلصنا.

9- جاء فى رسالة يوحنا الأولى "ونحن فى الحق وفى أبنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية"(100). وفى هذه الآية يصف المسيح بـ "الإله الحق" و "الحياة الآبدية". فهو الذى قال عن نفسه أنه "القدوس الحق"(101)، كما وصف سفر الرؤيا الآب أيضاً بـ "السيد القدوس والحق"(102)، وقال المسيح عن نفسه أيضاً "أنا هو الطريق والحق والحياة(103)، وقد وصف بـ "كلمة الحياة"(104)، و "الحياة الأبدية"(105)، والتى كانت عند الآب.

ومن الناحية اللغوية تشير العبارة "هذا هو" بصورة طبيعية وفعلية إلى المسيح، الأبن، أبنه يسوع المسيح، الذى هو الإله الحق والحياة الأبدية.

والخلاصة: هى أن العهد الجديد يعلن لنا أن المسيح هو "إله" و "الإله" و "الله"، رب المجد، الإله العظيم، الله المبارك، الذى على الكل، والذى فيه وبه وله خلق الكل.









الفصل العاشر

المسيح هو الله أم أبن الله؟

برهنّا فى الفصول السابقة كيف أن الوحى الإلهى أعلن فى العهدين القديم والجديد، أن المسيح هو الله ذاته، إله الكون وربه وخالقه ومدبره ومقيمه وحافظه ومحركه وواضع نواميسه، وكيف أن المسيح نفسه سمى نفسه بأسماء الله ولقب نفسه بألقابه ونسب لنفسه صفاته وقام بكل أعماله وأكد أن الآب يعمل بالأبن ومن خلاله، وأن كل ما لله الآب هو الله الأبن، المسيح، وأن الآب يظهر فيه وبه ومن خلاله، معلناً بهذا أنه الله الذى أتى من السماء، نزل من السماء، وظهر على الأرض فى صورة إنسان "أخذاً صورة عبد"(1)، وجد فى الهيئة كإنسان، ولقب نفسه بقلب "ابن الإنسان" إلا أنه بلاهوته، هو الله، الموجود فى كل مكان فى الكون كله، فى السماء وعلى الأرض، فى آن واحد، سواء عندما ظهر على الأرض فى الجسد، أو عندما صعد إلى السماء، بالجسد، جسدياً، فهو الموجود، بلاهوته، فى كل مكان، كلى الوجود. وقد أعلن هو نفسه هذه الحقيقة بقوله:

C "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء(2). وهنا يعبر عن كونه الموجود فى السماء وعلى الأرض فى آن واحد.

C "لأنه حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون فى وسطهم"(3).

C "وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر"(4).

C "أنا فى أبى وأنتم فى وأنا فيكم"(5).

وفى هذه الآيات الأربع يعلن أنه الموجود، بلاهوته، فى كل مكان فى آن واحد، فهو الموجود فى كل مكان، كلى الوجود.

ويعلن لنا الوحى فى العهد الجديد أكثر من 100 مرة أن المسيح، أيضاً، هو "ابن الله" فلقب نفسه بـ "أبن الله"(6). و "ابن الله الوحيد"(7). و "الابن"(، وقال عن نفسه فى مناجاته للآب "مجد ابنك"(9)، وناداه التلاميذ بهذا اللقب "ابن الله"(10). و "ابن الله الحى الله الحى"(11) وخاطبه الآب من السماء "أنت ابنى الحبيب الذى به سررت"(12)، هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت"(13)، وكان هذا اللقب "ابن الله" وأعتراف المسيح به، أمام السنهدرين، هو سبب الحكم بموته صلباً(14)، بالجسد، كان هو السبب الأول والرئيسى فى الحكم بصلبه.

والسؤال الآن: هل المسيح الله أم ابن الله؟

للإجابة على هذا السؤال الجوهرى الذى هو محور الإيمان المسيحى والعقيده المسيحية، نرجع إلى أهم الألقاب الإلهية التى لُقب بها الرب يسوع المسيح فى الكتاب المقدس بعهديه:

1. سُمى الرب يسوع المسيح باسم الله ولُقب بألقابه ووصُف بصفاته وبرهن على أقواله بأعماله التى هى أعمال الله، وأكد على حقيقة وحدة الذات الإلهية، وحدته مع الآب وفى الآب فى الطبيعة والجوهر.

2. ظهر الرب يسوع المسيح، قبل التجسد، فى العهد القديم للآباء البطاركه والأنبياء، مرات عديده، فى ظهورات إلهية (ثيؤفانى – Theophany) فى أشكال ماديه مؤقته، ودعى بملاك(15) العهد وملاك يهوه، مؤكداً أن الله ذاته، يهوه، موجوداً وعاملاً فى العالم، ومعلناً عن ربوبيته السمائية وحضوره الشخصى فى العالم. وكان ملاك يهوه يحمل أسم يهوه ويتكلم بأعتباره الله، يهوه، ويحمل صفاته، ويؤكد على أنه يهوه، ومن أمثله هذه الظهورات ما يلى:

أ – ظهر لإبراهيم على أنه الرب، يهوه "وظهر له يهوه عند بلوطات ممراً وهو جالس فى باب الخيمه"(16)، وخاطبه على أنه الرب، يهوه ذاته، الله(17). وعند تقديم اسحق ذبيحة ظهر له ملاك يهوه وخاطبه على أنه ملاك يهوه وأنه هو يهوه ذاته "فناداه ملاك يهوه من السماء وقال… الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك أبنك وحيدك عنى". ثم "دعا ابراهيم أسم ذلك المكان يهوه يرأه"(1، أى رأيت يهوه. وفى الحالتين المذكورتين، ظهر الله يهوه لإبراهيم كملاك يهوه وتكلم على أنه هو يهوه ذاته، وعرف ابراهيم أن الذى ظهر له وكلمه هو يهوه ذاته، وسجل موسى النبى الموقف على أنه ظهور الله ذاته يهوه "وظهر له يهوه".

ت‌- وظهر ملاك يهوه لهاجر وكلمها على أنه هو الله، يهوه، وسجل موسى النبى بالروح أن الذى ظهر لها هو الله، يهوه: "وقال لها ملاك يهوه: تكثيراً أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة" وأعلمها بمستقبل أبنها الذى فى بطنها، إسماعيل، ثم الوحى الإلهى "فدعت أسم يهوه الذى تكلم معها أنت "إيل رئى – El Roi"ز لأنها قالت. هنا أيضاً رأيت بعد رؤيه"(19)، أى أنت الإله الذى رأنى" أو لقد رأيت الآن الواحد الذى رأنى"(20).

جـ- وظهر ليعقوب فى حلم "واذا سلم منصوبه على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا يهوه واقف عليها فقال: أنا يهوه إله إبراهيم أبيك وإله إسحق…". ولما قام يعقوب قال "حقاً أن يهوه فى هذا المكان وأنا لم أعلم. وخاف وقال ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء"(21).

ثم ظهر له فى هيئة إنسان وصارعه حتى طلوع الفجر، وسأله يعقوب عن أسمه "فقال لماذا تسأل عن أسمى. وباركه هناك. فدعى يعقوب أسم المكان فنيئيل. قائلاً لأنى نظرت الله وجهاً لوجه ونجّيت نفسى"(22).

وفى الرؤيتين يؤكد الوخى أنه رأى الله الذى ظهر له فى السماء وظهر له فى هيئة إنسان وسأله عن أسمه، وقال "لأنى نظرت الله وجهاً لوجه". ثم يقول بعد ذلك "الله الذى سار أمامه أبواى إبراهيم وإسحق. الله الذى رعانى منذ وجودى إلى اليوم. الملاك الذى خلصنى من كل شر يبارك الغلامين"(23)، مؤكداً أن الذى ظهر للآباء وساروا أمامه والذى رعاه هو، هو نفسه الملاك الذى خلصه، ملاك يهوه الذى هو الله نفسه، يهوه، فى ظهوره العادى المؤقت.

د- وظهر لموسى فى سيناء أكثر من مرة معلناً أنه الله يهوه، وأنه أيضاً ملاك الله يهوه، ملاك يهوه:

1- فقد ظهر له وأول مرة فى العليقة "وظهر له ملاك يهوه بلهيب نار من وسط العليقة" ثم عرف موسى أن ملاك يهوه، هو يهنوه ذاته، وتكلم ملاك يهوه بأعتباره هو يهوه ذاته "فلما رأى يهوه أنه مال لينظر ناداه الله من وسك العليقة وقال: موسى موسى… أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله"(24).

2- وقال الله لموسى عن هذا الملاك، الذى هو الله، يهوه ذاته "ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك فى الطريق ويجيىء بك إلى المكان الذى أعددته: أحترز منه وأسمع لصوته ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن أسمى فيه"(25). وهنا يعلن الوحى أن ملاك يهوه، الذى هو الظهور افلهى فى شكل مرئى Theo Phany يمثل الله ذاته ويقوم ويحمل أسمه "لأنى أسمى فيه".

3- كما رأى موسى مجد الله "ويكون متى أجتاز مجدى أنى أضعك فى نقرة الصخرة وأسترك بيدى حتى أجتاز. ثم أرفع يدى فتنظر ورائى وأما وجهى فلا يرى"(26).

ر- وظهر ملاك يهوه ليشوع بين نون وقال له "أخلع نملك من رجليك لأن المكان الذى أنت وقف عليه هو مقدس"(27).

س- وظهر لجدعون (القاضى) على أنه ملاك يهوه وكلمة على أعتبار أنه يهوه ذاته "فظهر له ملاك يهوه… فقال يهوه أنى أكون معك… فقال جدعوت آه يا سيدى يهوه لأنى قد رأيت ملاك يهوه وجهاً لوجه. فقال له يهوه السلام لك. لا تخف. لا تموت"(2.

ص- وظهر لمنوح والد شمشون، كما ظهر أيضاً لأم شمشون كملاك يهوه وبشرهما بميلاد شمشون، وقال له منوح "ما أسمك حتى اذا جاء كلامك تكرمك. فقال له ملاك يهوه لماذا تسأل عن أسمى وهو عجيب؟" وبعد الصعوج إلى السماء، قال عنه منوح لزوجته "نموت موتأً لأننا رأينا الله"(29).

ط- وظهر الله لأشعياء النبى فى بداية خدمته "فى سنة وفاه عزيا الملك رأيت السيد (آدون) جالساً على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. بأثنين يغطى وجهه وبأثنين يغطى رجليه وبأثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض. فأهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وأمتلأ البيت دخاناً. فقلت ويل لى لأنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينى قد رأتا الملك يهوه صبوؤت"(30).

كما ظهر فى سفر دانيال فى شبه ابن إنسان، كما بينا فى الفصل السابق(31)، وظهر فى سفر زكريا الذى يحمى أورشليم(32) ويقيس أورشليم(33) والذى يطهر أورشليم(34) والذى يبنى أورشليم(35).

والسؤال الآن: ما الذى يؤكد أن ملاك يهوه، الذى هو يهوه، هو الرب يسوع المسيح قبل التجسد؟ وما الذى يؤكد أن الظهورات التى لله فى العهد القديم هى للرب يسوع المسيح؟ والأجابة يقدمها الوحى ذاته:

أولاً: يقول القديس يوحنا بالروح "الله لم يره أحد قط الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر"(36). المسيح وحده هو الذى يظهر الله ويعلن عنه لأنه فيه ومنه. هو "صورة الله غير المنظور"(37)، "بهاء مجده ورسم جوهره"(3.

ثانياً: يؤكد القديس يوحنا بالروح القدس أن السيد الرب، يهوه صبوؤت الذى رآه أشعياء النبى هو الرب يسوع المسيح بقوله "قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه"(39).

ثالثاً: عندما سأل منوح ملاك يهوه عن أسمه قال له "لماذا تسأل عن أسمى وهو عجيب". وهذه الكلمة "عجيب" تشير إلى الرب يسوع المسيح فى نبؤه أشعياء النبى "ويدعى أسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً"(40).

3- كون الرب يسوع المسيح هو "كلمة الله – ho logos tou Theou"، "ويدعى أسمه كلمة الله"(41)، "فى البدء كان الكلمه والكلمه كان عند الله وكان الكلمه الله"(42). "وكلمة الله" كما جاء فى سفر الرؤيا هو الصادق، الأمين، الحاكم العادل الذى سيحكم بالعدل، الذى "عيناه كلهيب نار"، الذى يرعى "الأمم بعصا من حديد" والذى يدعى أسمه "ملك الملوك ورب الأرباب"(43)، هو الله. فهو كلمة الله الذى كان فى البدء بلا بدايه والذى كان عند الله "وكان الكلمه عند الله"، مع الله، فى ذات الله، والكلمه مميز فى ذات الله لأنه نطق الله الذاتى وعقله الناطق، المولود من الآب بلا بدايه ولا نهايه ولا أنفصال فى الذات الإلهيه، كولاده الشعاع من النور والكلمه من العقل. يقول القديس يوحنا بالروح القدس "الحياة الأبدية التى كانت عند الآب"(44). أى أن الكلمه الإلهى، كلمة الله، الذى كان عند الله، فى ذات الله بلا بدايه ولا نهايه، كان الكلمه الحياه الفعاله فى ذات الله وهو الله، الله الكلمه.

4- وهو "صورة الله غير المنظور"(45) و "صورة الله" كما بينا(46) – eikon tou The ou""، تعنى صوره طبق الأصل لله الآب، الصورة التى تعطى لنا صورة دقيقة لله الآب فى جوهره مثل صورة الملك على العمله أو الصورة الفوتوغرافيه للشخص ومثل صورة الإنسان وإنعكاسه فى المرآه، فهو الصورة الحقيقية والدقيقة لله، كما تعنى ظهر الله، بمعنى أن طبيعة الله وكيانه كُشفوا وأعلنوا وظهروا بدقه فيه ومن خلاله، فهو أشعاع، بهاء، مجد الله وصورة جوهره، وكما يقول القديس بولس بالروح القدس "لأنارة معرفة مجد الله فى وجه يسوع المسيح"(47).

5- وهو أيضاً "الذى إذ كان فى صورة (شكل – morphe) الله"(4، والصورة هنا تشير إلى الظهور الخارجى الذى يؤدى إلى الجوهر، هو فى شكل الله الآب ذاته، فى طبيعته وجوهره كما يؤكد فى الآيه التاليه أنه كان "مساوياً لله"، وكان مستمراً فى الوجود من الأزل بلا بدايه. أنه فى شكل الله الآب والمساوى له فى الطبيعه والجوهر والوجود السرمدى والمسجود له من جميع الخلائق فى الكون كله.

6- وهو أيضاً "قوة الله وحكمة الله"(49)، أى القدير، كلى القدرة، وحكمة الله، كلى الحكمه وكلى العلم، كما يقول الوحى "المذخر فيه جميع كنوز الحكمه والعلم"(50). فهو حكمة الله الخالق الوجود فى ذات الله من الأزل بلا بدايه "من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مُسحت… لما ثبت السموات كنت هناك أنا… كنت عنده صانعا"(51)، فقد خلق الله العالم بكلمته وحكمته، وكلمته هو المسيح، وحكمته هو المسيح.

الرب يسوع المسيح هو كلمه الله وصوره الله غير المنظور، صورة جوهره المساوى لله، وهو أيضاً حكمة الله وقوة الله. هو الله الكلمه الذى هو صورة غير المنظور، صورة جوهره، قوته وحكمته. الله متجلياً، الله ناطقاً، الله خالقاً، الله معلناً. ابن الله الذى من ذات الله الذى هو الله.

7- ابن الله "huios tou Theou"

ونصل إلى هنا لقب أبن الله "huios tou Theou" وعلاقته بالله الآب. يقول لنا الرب يسوع نفسه أن ابن الله هو الله لأنه من ذات الله وفى ذات الله، هو فى الله والله فيه ومن رأه فقد رأى الآب لأنه الله معلناً، الله متجلياً، صورة الله غير المنظور، كلمة الله ونطقه الذاتى، أنه ابن الله المساوى لله الذى هو الله، كلمة الله الذى كان عند الله وكان هو الله، صورة الله المساوى لله، وهو الله الظاهر، المعلن، بهاء مجده ورسم جوهره. وفيما يلى أهم ما قاله الرب يسوع المسيح عن كونه "ابن الله":

C "كل شئ قد دُفع إلى من أبى. وليس أحد يعرف الأبن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الأبن ومن أراد الأبن أن يعُلن له"(52).

C "أنا هو الطريق والحق والحياه. ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى. لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضاً. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس يا يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زماناً هذا مدته ولم تعرفنى يا فيلبس. الذى رأنى فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أنى أنا فى الآب والآب فى … صدقونى أنى فى الآب والآب فىّ. والا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها"(53).

C "أنا أعرفه لأنى منه وهو أرسلنى"(54).

C "لأنى خرجت من قبل الله وأتيت إلى العالم"(55).

C "كما أن الآب يعرفنى وأنا أعرف الآب"(56).

C "دُفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض"(57).

C "الآب يحب الأبن وقد دفع كل شىء فى يده"(5.

C "أيها الآب قد أتت الساعة. مجد أبنك ليمجدك أبنك أيضاً إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطى حياة حياة أبدية لكل من أعطيته"(59).

وقال القديس يوحنا بالروح القدس:

C "الله لم يره أحد قط. الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر"(60).

وهذه الآية فى أدق ترجماتها التى تعتمد على أقدم المخطوطات تقول:

"monogenes Theos ho on eis ton kolpon tou patro`s."

"الإله الوحيد (God The Only) الذى (الكائن – ho on) فى حضن الآب هو أخبر عنه"(61).

C "يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شىء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضى"(62).

ويقول القديس فى الرسالة إلى العبرانين بالروح القدس:

"الله بعدما كلم الأباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة. كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى أبنه الذى جعله وأرثاً لكل شىء الذى به أيضاً عمل العالمين. الذى وهون بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم. لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضاً وأنا أكون له أباً وهو يكون لى أبناً. وأيضاً متى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الأبن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور… ثم لمن من الملائكة قال قط أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك"(63).

مما سبق يتضح لنا الآتى:

أ- أن ابن الله هو الأبن الوحيد، الإله، الذى فى حضن الآب، الكائن فى حضن الآب، كلمة الله "والكلمة كان عند الله"، الذى فى ذات الله، الذى من الله ذاته "أنا عرفه" أى الآب "لأنى منه"، خرجت من قبل الله"، "من عند الله خرج وإلى الله يمضى". أنه ابن الله الذى من ذات الله وفى ذات الله "أنا فى الآب والآب فى"، "الذى رآنى فقد رأى الآب"، صورة الله غير المنظور، كلمة الله الذى كان عند الله وهوالله.

ت‌- أبن الله، هو المعلن لذات الله، صورة الله، الله ظاهراً، الله متجلياً "الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر"، هو الملن لذات الله لأنه من ذات الله "أنا أعرفه لأنى منه"، وهو وحده الذى يعرف الآب، كما أنه هو نفسه لا يعرفه أحد، فى جوهره، سوى الآب "وليس يعلن له". أنه ابن الله ، كلمة الله، الذى كلمنا الله من خلاله وفيه "كلمنا… فى أبنه".

جـ-أبن الله هو الوارث لأبيه "الذى جعله وارثاً لكل شىء"، ويصف الرب يسوع المسيح نفسه فى مثل الكرامين الأردياء بـ "الوارث"، "هذا هو الوارث"(64). وهو وارث كما يرث الأبن أبيه. ولأن المسيح هو الخالق، الذى خلق الله به الدهور، العالمين، الكون وما فيه فهو وارث لما خلقه، لذا يكرر الرب يسوع نفسه قوله "الآب يحب الأبن وقد دفع كل شىء فى يده"، "كل شىء قد دفع إلى من أبى".

د- ابن الله هو خالق الكون ومقيمه ومدبره ومحركه وواضع نواميسه "الذى به أيضاً عمل العالمين"، الذى من أجله الكل وبه الكل"(65)، "الكل به وله قد خلق. الذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل"(66). "وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" وكل شىء هنا "ta panta" تعنى الكون وكل ما فيه وما به، كمدبره "حامل كل الأشياء"، ومحركه ومقيمه وواضع نواميسه. ومن ثم فهو وارث كل شىء، وارث ما يدبره ويقيمه.

ر- أبن الله هو الجالس عن يمين الله "أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك"، الجالس فى عرش الله، عن يمين العظمة "جلس فى يمين العظمة فى الأعالى". وهو أعظم من جميع الملائكة والبشر وكل المخلوقات لأنه خالق الكل ومدبره والذى يخضع له الكل.

س- ابن الله، هو بكر الله، المدعو هنا بـ "البكر"، بكر الله بصورة مطلقة. وهذا اللقب يعنى أنه كأبن الله، بكر الله، له مكانة أبيه، وهو مثل لقب "مونوجينيس – monogene`s" وحيد الجنس، يصف العلاقة الفريدة فى ذات الله، بين الله الآب، والله الأبن، الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب الذى أخبر عنه، صورة الله غير المنظور.

ص- أبن الله، بهاء مجد الله، أشعاع مجد الله، سطوع مجد الله؛ "الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره". وعبارة "الذى وهو" فى أصلها اليونانى "الذى كونه – hos on – Being"، "بهاء" فى اليونانية "aPaugasma" وتعنى؛ سطوع، تألق، الأشعاع الخارجى. ومعنى هذا أن أبن الله هو الأشعاع الخارجى، الخارج من ذات الله، سطوع المجد الإلهى الذى يظهر فى ذاته مجد وعظمة الكيان الإلهى، الجوهر الإلهى، الطبيعة الإلهية "الله يدع مجده يصدر من ذاته فيظهر للوجود كيان نورانى مثل ذاته"(67)، أو كما قال أحد علماء الكتاب المقدس "أبن الله فى عظمته الجوهرية هذه هو التعبير والتعبير المطلق للنور الإلهى فى أنعكاسه"(6، وقال أباء الكنيسة الأولى أن الله هو أنعكاس المجد الإلهى مثل أشعة الشمس من الشمس أو النور من النور(69).

كما تعنى عبارة "ورسم جوهره" الصورة المعبرة للذات الإلهية، الصورة الحقيقية لجوهر وطبيعة الذات الإلهية. وكلمة "رسم" هى "كاريكاتير – Character" وتعنى قالب محفور لسك العملة أو فورمة الميداليات أو قالب، ختم دمغ الورق، أى رسم محفور، وتعنى فى هذه الآية صورة الختم، علامة الختم، كالصورة على العملة النقدية التى تشرح قيمتها وطبيعتها، الرسم المطبوع على الختم، أى تعنى أن كيان الله وجوهره مدرك فى شخص المسيح، ابن الله، الذى هو الصورة الفعلية الدقيقة لله الآب، لأنه يحمل فى ذاته الأنطباع الدقيق للطبيعة الإلهية والكيان الإلهى، الذات الإلهية، الله. ولذا فسر القديس أغريغوريوس أسقف نيصص هذه الآية هكذا "بهاء مجده والصورة المعبرة لشخصه"(70).

أذاً ابن الله هو كلمة الله الذى فى ذات الله ومن ذات الله وهو الله. هو الظهور الإلهى لله الذى هو الله، الله معلناً، الله متجلياً، الله ظاهراً. هو صورة الله غير المنظور، الله ظاهراً، الصورة الذاتية لله الذى هو الله منظوراً. هو الذى فى شكل الله، صورة الله، المساوى لله الآب ومن نفس جوهره، الواحد معه فى الجوهر، كما قال هو نفسه "أنا والآب واحد"(71)، "أنا أعرفه لأنى منه"(72)، "أنا فى الآب والآب فى"(73)، "الذى رآنى فقد رأى الآب"(74)، "كل ما للآب هو لى"(75). أين الله هو بهاء مجد الله، أشعاع مجد الله، والصورة المعبرة لجوهره، هو نور الله، نور من نور، أشعاع مجد الله الصادر من ذاته بلا بداية وبلا نهاية وبلا أنفصال.

C قال القديس أكليمندس الرومانى (95م) "خلاله (به) نرى أنعكاس وجه الله السامى… لكونه بهاء مجده"(76).

C وقال القديس أريناؤس أسقف ليون (120 – 202م) "أعلن الآب" أبو ربنا يسوع المسيح فى كلمته الذى هو أبنه، فيه كشف الله وصار ظاهراً لكل من أعلن لهم. لأن أولئك الذين عرفوه أعطاهم الأبن أعلاناً. فقد كان الأبن دائماً مع الآب، موجوداً من القدم ومن البدء. وهو دائماً يعلن الآب للملائكة ورؤساء الملائكة والقوات والأطهار وكل من يريد الله أن يعطى له أعلان".

C وقال العلامة ديديموس الضرير (توفى سنة 396م) "اذا كان الأبن الوحيد، كما يكتب بولس للعبرانيين، هو اشراق المجد والختم الدقيق للجوهر وصورة الله غير المرئى ولا شكل له ولا بداية، واذ كان يقول الحق عندما يقول "من رآنى فقد رأى الآب" و "أنا والآب واحد"، فهو اذاً من نفس جوهر الله الآب بلا بدية ومساوى له وغير متغير. لأن النور مولود من النور وليس من طبيعة أخرى. "ويبين القول أنه الختم الدقيق للجوهر، التماثل المطلق والثبات (عدم التغير) فى الطبيعة والمجد والقدرة الكلية"(77).

C ويقول القديس كيرلس الأسكندرى (توفى سنة 444م) "نؤمن بإله واحد، آب قدير، خالق كل شىء ما يرى وما لا يرى؛ وبرب واحد يسوع المسيح، أبنه، مولود منه بحسب الطبيعة قبل كل الدهور والزمن، فبحسب الزمن هو بلا بداية وأبدى مع الآب فى كرامة متساوية، اذ يتساوى مع الآب فى كل وجه لأنه ختم وأشراق جوهره"(7.

هو ابن الله وكلمته وصورته وأشعاع مجده وصورة جوهره، عقله الناطق ونطقه العاقل، الله متكلماً، الله ناطقاً، الله خالقاً، الله ظاهراًن الله معلناً، الله منظوراً، الله الأبن، أبن الله، الإله الوحيد الذى فى حضن الآب، الأبن الوحيد الذذى فى حضن الآب، الذى من ذاته وفى ذاته، الذى معه بلا بداية ومنه بلا أنفصال ومساوى له فى كل شىء فى البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله". أبن الله من ذات الله وفى ذات الله وصورة الله فهو الله.











الفصل الحادى عشر

هل المسيح "أبن الله"

حقيقة أم مجازاً؟

تكلم السيد المسيح عن الله الآب بأعتباره آب الجميع وعلم تلاميذه أن يخاطبوه فى الصلاة قائلين "أبانا الذى فى السموات"(1) ودعاه بـ "أباكم"(2) و "أبيكم"(3) و "أبوكم"(4) و "أبوك"(5) و "صل إلى أبيك"(6) و "أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم"(7). وقد زعم أحدهم أن المسيح قال هذه العبارات فى أنجيل متى وحده ثلاث عشرة مرة وذلك قبل المرة الأولى التى قال فيها "أبى". ويكرر قائلاً فى مغالطة واضحة "أنها ثلاث عشرة مرة مقابل مرة واحدة. أى الكفتين أرجح؟". ولكن المسيح كرر عبارت "أبى" و "الآب" عن علاقته هو بالآب فى أنجيل متى عشرين مرة"(، وليست مرة واحدة فقط كما يزعم، كما تكررت فى الأناجيل الثلاثة الأخرى 96 مرة(9)، أى أنها تكررت فى الأناجيل الأربعة حوالى مئة وست عشرة مرة!!

كما تحدث الكتاب المقدس بعهديه عن ملائكة وبشر دعوا أبناء الله فما حقيقة ذلك؟ وهل بنوة المسيح لله بنوة حقيقية أم بنوة مجازية؟ وهل هى مثل بنوة البشر والمخلوقات أم هى بنوة جوهرية حقيقية؟

أ- أبناء الله فى العهد القديم:

أستخدم العهد القديم تعبيرات "أبناء الله" و "بنو الله" و "بنى الله" عن الكائنات الروحية فى العالم السمائى، الملائكة. وفى جميعها أستخدم التعبيرات العبرية "بنى ها إيلوهيم" و "بنى إيلوهيم" و "بنى إيلوهيم" والتى تعنى "بنى الآلهة" و "بنو الآلهة" و "المقتدرون"، أى الكائنات السمائية.فإيلوهيم أسم جمع؛ خاصة عندما يتبعه فعل جمع أو ضمير جمع، كما فى هذه التعبيرات، وإيليم هو جمع إيل، والترجمة الحرفية لجميعها هى أبناء الآلهة المقتدرون، الكائنات الروحية السمائية القديرة.

C "وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله (بنى ها إيلوهيم) ليمثلوا أمام يهوه"(10).

C "وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله (بنى إيلوهيم) ليمثلوا أمام يهوه"(11).

C "وعندما ترنمت كواكب الصبح معاً وهتف جميع بنى الله (بنى إيلوهيم)"(12).

والفكرة العامة فى العهد القديم هى أن هذه الكائنات الروحية السمائية تكون مجمع عظماء تحت سلطان الله وحكمه وسيادته، بأعتباره القاضى الأعظم فى المجلس السمائى "الله قائم فى المجمع العظيم بين الآلهة (إيلوهيم) يقضى"(13).

ولم يدعوا أبداً أبناء يهوه، كما لم يدعى أحدهم أبداً أبن يهوه، أنما هو كائنات سمائية روحية خاضعة لإرادة الله وسيادته "قدموا للرب (يهوه) يا أبناء الله (بنى إيليم – المقتدرون – mighty ones) قدموا للرب (يهوه) مجداً وعزاً"(14).

ب- وخاطب الله داود الملك والنبى وأبنه سليمان الحكيم على أساس سلطتهما الملوكية الممنوحة لهما من الله لحكم شعبه كأبناء الله "أنت أبنى أنا اليوم ولدتك"(15) داود، هو يكون لى أبناً وأنا أكون له أباً"(16) سليمان. وذلك بمعنى مجازى على أساس شرعية الحكم المعطى لهما من الله مباشرة، وعلى أساس الملك الآتى النازل من السماء أبن داود الذى سيجلس على كرسيه إلى الأبد. فقد تم قول الله لداود وسليمان فى الآيتين السابقتين جزئياً، ولكن المقصود بهما فعلاً كان هو النسل الآتى الذى قال عنه الله لداود "مرة حلفت بقدسى أنى لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامى. مثل القمر يثبت إلى الدهر"(17) والذى تنبأ عنه أشعياء النبى قائلاً "لنمو رياسته وللسلام لا نهاسة على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد"(1.

هذا الملك الآتى من نسل داود هو، كما تنبأ أشعياء "الإله القدير الآب الأبدى رئيس السلام"(19)، والذى قال عنه الملاك للعذراء مريم "هذا يكون عظيماً وأبن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية… القدوس المولود (ملك) يدعى أبن الله"(20).

ومن ثم فقد أكد السيد المسيح أنه هو نفسه أبن داود وربه(21) "أصل وذرية داود"(22)، وأكد الرسل بالروح القدس أن البنوة المقصودة فى الآيتين، أعلاه، هى بنوة المسيح لله، يقول الرسول بالروح فى مقارنة بين المسيح، أبن الله، وبين الملائكة "لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضاً أنا أكون له أباً وهو يكون لى أبناً"(23).

جـ- ودعى إسرائيل بـ "أبنى البكر"(24) و "أفرايم أبن عزيز لدىّ"(25)، كما دعى بنو إسرائيل بـ "أولاد الرب"(26)، ووصفت إسرائيل بزرجة الرب(27)، وكذلك وصفت أورشليم"(2، التى ولدتهم؛ وهكذا كان بإمكانهم دعوة الله "أبونا"(29).

وفى كل الأحوال فقد دعى اسرائيل "ابنى"(30) على اساس أنه الشعب الوحيد فى ذلك الوقت الذى كان يعبد الله الواحد، والذى كان يقوده الله بنفسه "لما كان اسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابنى". ونظراً لعلاقة هذا العشب الله وعبادته له وحده فقد وصفه الله مجازاً بالزوجة المخلصة لزوجها، وعندما كان ينحرف الشعب ويعبد الأوثان كان الله يصفهم بصورة أدبيه مجازيه رمزية، بالزوجة الخائنة(31). وكان الله يؤدبهم كما يؤدب الآب أبنه "فأعلم فى قلبك أنه كما يؤدب الإنسان أبنه قد أدبك الرب إلهك"(32)، "الأبن يكرم أباه والعبد يكرم سيده. فإن كنت أباً فأين كرامتة وإن كنت سيداً فأين هيبتى قال لكم رب الجنود أيها الكهنة المحتقرون أسمى"(33). وكانت هذه الصلة بالله، العلاقة الروحية، تستمر بأستمرار الشعب فى طاعة الله وعبادته وأتباعه وتنتهى بعصيانه وعبادة الأوثان. فالعلاقة التى دعى على أساسها الشعب بأبناء الله، أولاد الرب، ودعى على أساسها أسرائيل بالزوجة والأبن، هى علاقة روحية بين الله وشعبه الذى أحبه ورأفُه والذى كان له عليه حق الطاعة والأستجابة لعنايته الإلهية وعبادته، هذه العلاقة صورت بصورة أدبية مجازية رمزية.

د- كما دعى القضاه فى العهد القديم بالآلهه "إيلوهيم" بأعتبار أنهم كانوا يمثلون الله، القاضى والديان الأعظم، على الأرض، كانوا يمثلون الله القاضى العادل. لذا قال لهم "أنا قلت أنكم الهه (إيلوهيم) وبنو العلى كلكم"(34).

وفى كل الأحوال السابقة تختلف بنوة هذه المخلوقات ويختلف تلقيبهم بالآلهة عن بنوة المسيح ولاهوته على أساس أن المسيح هو أبن الله الوحيد والواحد مع الآب فى الجوهر وفى كل الكمالات اللاهوتية، فله كل ما للآب من أسماء وألقاب وصفات ويعمل كل أعمال الله وعلى رأسها الخلق وتدبير الكون وحمله. لذا فهو الأعظم، الأعظم من الملائكة بأعتبارهم خليقته التى تسجد له، والأعظم من البسر باعتبارهم أيضاً خلائقه الذين يقدمون له العبادة والسجود.

C "صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم… وأيضاً متى أدخل الكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الأبن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور"(35).

C "لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكى تجثوا بإسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض"(36).

وقد برهن السيد المسيح نفسه على هذا الفارق الذى بينه وبين المخلوقات بقوله "أنا والآب واحد… أجابهم يسوع أليس مكتوباً فى ناموسكم أنا قلت أنكم إلهه. أن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذى قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف لأنىقلت أنى أين الله. أن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى. ولكن أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه"(37).

البشر دعوا آلهه لأن كلمة الله قد صارت إليهم أما هو عمن ذات الله ويعمل نفس أعمال الله التى هى برهان لاهوته وهو الواحد مع الآب فلى الجوهر والمساوى له الذى له كل ما للآب من أسماء وألقاب وصفات.

ب- أبناء الله فى العهد الجديد:

يدعى كل البشر فى العهد الجديد أبناء الله على أساس أن الكل خليقته "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد… لأننا أيضاً ذرية الله"(3، "أليس آب واحد لكلنا. إله واحد خلقنا"(39)، وعلى هذا الأساس دعى "آدم أبن الله"(40). ويدعى الأبرار بصفة خاصة "أبناء الله"، "أحبوا أعدائكم" وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بنى العلى"(41)، "طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون"(42).

ويدعى المؤمنون بالمسيح أولاد الله "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أى المؤمنون بأسمه"(43). المسيح نفسه هو الذى منحهم هذا اللقب، فهو الذى جاء بهم إلى الله الآب وقدسهم بدمه ودعاهم أخوه له "الذى من أجله الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام.؟ لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد فلهذا لا يستحى أن يدعوهم أخوه"(44)، فهو المقدس الذى قدسهم وهم المقدسين بدمه، ومن ثم دعاهم أخوه، أصبحوا أبناء الله لأن المسيح ابن الله دعاهم أخوه له، فقد نزل من السماء وأقتداهم ووهبهم هبة التبنى "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى. ثم بما أنكم أبناء الله روح أبنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب. اذ لست بعد عبداً بل أبناً ووارث مع المسيح"(45). نال المؤمنون روح التبنى بالمسيح "روح التبنى الذى نصرخ به يا اب الآب. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فأن كنا أولاداً فأننا ورثة أيضاً الله ووارثون مع المسيح"(46).

ويدعى المؤمنون أيضاً بأبناء الله الحى لأنهم خلقوا على صورة ابن الله، المسيح، هو صورة الله الذاتية، صورة جوهره، وهم خلقوا على شبه صورته "لأن الذى سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة أبنه ليكون هو بكر بين أخوة كثيرين"(47). صاروا على شبه صورة ابن الله بالخليقة الجديدة. وعلى هذا الأساس يخاطبون الله فى الصلاة "أبانا" ويقول لهم المسيح عن الله "أبوكم"، "أباكم"، "أبيكم" و "أبى وأبيكم"، "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع"(4.

وهذه البنوة التى لأبناء الله بالمسيح تتم بصورة أخروية بالمجىء الثانى والقيامة من الأموات "لأن أنتظار الخليقة يتوقع أستعلان أبناء الله"(49)، حيث يصير أبناء الله بالقيامة، كما يقول المسيح، كائنات روحية مثل الملائكة لن ترى الموت والفساد "الذين حسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يُزوجون ولا يتزوجون. اذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضاً لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة"(50).

دعى المؤمنون أبناء الله بالتبنى بدم المسيح ولأن المسيح نفسه هو الذى قدسهم ومنحهم السلطان أن يصيروا أولاد الله. أما المسيح قهو الواحد مع الآب فى الجوهر والذى فى الآب والآب فيه. وقد ميز القديس يوحنا، لغوياً بين المسيح كالأبن الوحيد الذى من ذات الله وفى ذات الله وأحتفظ له بلقب "الأبن – huios" لكونه الأبن الحقيقى والوحيد، وبين "أولاد الله"، "tekna Theou"(51)، مستخدماً كلمة "tekna" بمعنى "أطفال" جمع "tekenon" أى طفل.

جـ- بنوة المسيح لله – لاهوته:

دعى الرب يسوع المسيح، كلمة الله الذى كان عند الله وهو الله، بـ "أبن الله"، "huios Theou" بالمعنى الحقيقى والكامل للإلوهية، اللاهوت، كأبن الله الذى هو كلمة الله وهو الله، اللله ناطقاً، الله معلناً، صورة الله غير المنظور. فهو الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر والذى من نفس طبيعته وجوهره. وقد لقب نفسه ولقبه القديس يوحنا بالروح القدس بـ "وحيد من الآب"، "الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب"، "أبنه الوحيد"، "أبن الله الوحيد":

C هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوجيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله أبنه ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذى يؤمن له لا يدان والذى لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن بأسم ابن الله الوحيد"(52).

C "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله… والكلمة صار جسداً وجل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً… الله لم يره أحد قط الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب هو أخبر عنه"(53).

C "بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل أبنه الوحيد إلى العالم لكى نحيا به"(54).

وكلمة "وحيد" فى هذه الآيات هى فى اليونانية "مونوجينيس – monogene’s"، وتعنى حرفياً؛ واحد فى النوع، واحد فقط، فريد(55)، وتركز على حقيقة أن المسيح، كلمة الله، هو الإبن الوحيد لله، والذى لا يوجد ابن الله غيره أو سواه أو مثله، لا يوجد أبن لله فى نوعه ونفرده كالأبن من الآب ومن طبيعته وجوهره. هو وحده الذى من ذات الله الآب ومن طبيعته وجوهره والمساوى له فى كل ماله. هو وحده صورة الله، صورة طبق الأصل، والملن له، كلمة الله، الله ناطقاً.

كما تركز هذه الكلمة "الوحيد" على الكيان الشخصى لكلمة الله، المسيح، بأعتباره كلمة الله وصورته وأشعاع مجده ورسم جوهره، فهو أبن الله الوحيد، الفريد والمتفرد، الذى هنو الله ناطقاً الله ذاته معلناً.

ويعبر لنا الوحى الإلهى عن اللاقة الذابنة الفريدة بين الآب والأبن فى آيتين "كما لوحيد من الآب" و "الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب":

1- تعبر الأولى "وحيد من الآب – monoenous Para Patros" عن وحدة الأبن مع الآب فى الجوهر، اذ أن قوله "من الآب" يميز الابن الوحيد تمييزاً مطلقاً عن الخلائق لأنه "مع الآب"، من ذات جوهره وطبيعته وفى ذاته. أنه أبن الله الوحيد الذى من ذاته وفى ذاته، الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر. هو الأبن الوحيد الذى كان – en" فى البدء مع الله الآب بلا بداية، والذى كان هو الله.

2- والآية الثانية "الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب"، والعبارة الأخيرة حرفياً "الكائن فى حضن الآب – ho on eis ton Kolpon Tou Theou"، وتعنى الموجود مع الآب، "وكان الكلمة عند الله"، بلا زمن، بلا بداية ولا نهاية، كما تعبر عن العلاقة الأبدية بين الآب والأبن فى الذات الإلهية، ويعبر حرف الجر "فى – eis" عن حقيقة الوجود الأزلى الأبدى للأبن مع الآب وعودته لمجد الله الآب بعد التجسد، فهو يعطى فى قوله "فى حضن الآب" معنى "الذى دخل فى وهو هناك".

وهذه الآية تقدم الوصف المطلق لطبيعة الأبن الإلهية والوجود الأبدى مع الآب بلا بداية ولا نهاية. وقد جاءت عبارة "الأبن الوحيد" فى هذه الآية فى أقدم المخطوطات وأدقها(56) "monogenes Theos – الإله الوحيد – God the One and Only" وترجمت هكذا فى أحدث الترجمات العالمية(57). مؤكدة أن الأبن الوحيد هو "الإله الوحيد الكائن فى حضن الآب".، فهو إله من إله، نور من نور، كلمة الله، صورة الله، بهاء مجد الله والصورة الدقيقة لجوهره، ابن الله، الله ناطقاً، الله معلناً.

وقد أكد المسيح، ابن الله، على حقيقة مساواته لله الآب وكونه إله، الإله، بأقوال كثيرة مقدماً الدليل والبرهان على صحة أقواله:

C "فأجابهم يسوع أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أن الله أبوه مساوياً نفسه بالله"(5 وكانت أجابته لهم أنه كإبن الله يعمل جميع أعمال أبيه، الله "لأنه مهما عمل ذلك فهذا يعمله الأبن كذلك لأن الآب يحل الأبن ويريهجميع ما هو يعمله… لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحى كذلك الآبن أيضاً يحى من يشاء. لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن. لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب.

من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذى أرسله… لأنه كما أن الآب له حياه فى ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياه فى ذاته… فأنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحساة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة"(59).

وفى هذه الآيات يؤكد المساواة الكاملة بين الآب والأبن، فهو يعمل جميع أعمال الله مهما كانت اذ يقيم الموتى ويحيى من يشاء، ويحيى الموتى الذين فى القبور يوم الدينونة ويدين كل البشرية كل واحد بحسب أعماله(60)، وهو الذى له الحياة فى ذاته، والذى له كرامة متساوية مع الله الآب وهو يؤكد على أنه الخالق المستمر فى عمله الخلاق الذى هو عمل الآب، اذ أنه هو كلمة الله الخالق والمنفذ للارادة الإلهية، والمعلن للذات الإلهية والطبيعة الإلهية. أنه الخالق خلق الكون وما يزال مستمر فى تجديد الخليقة، هو الحى، الذى فيه الحياة ومعطى الحياة الأبدية. ابن الله الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر، والواحد معه فى الارادة والمساوى له فى الكرامة.

C "أنا والآب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه… قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً… أن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى. ولكن أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه"(61).

وقوله "أنا والآب واحد" هنا يعبر عن وحدة الآب والأبن الجوهرية بأستخدام الذات الإلهية، وحدة ومساواة فى الجوهر والطبيعة. ويعبر عن هذه الوحدة الجوهرية بأستخدام كلمة "واحد – hen" وهى ضمير حيادى (neuter)، ليس مذكر ولا مؤنث، ليؤكد على الوحدة فى الجوهر والطبيعة، وليس مجرد وحدة فى الأرادة والقوة، وبالتالى يؤكد المساواة الكاملة والتامة فى الذات الإلهية. وقد أدرك اليهود على الفور أنه يقصد المساواة الكاملة مع الله، كما أدركوا ذلك فى قوله السابق وقالوا "قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله"، وقالوا هنا "لأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً". فلا يساوى الله إلا الله وبالتالى بكون هو إلهاً، الإله المساوى للآله والحد معه فى الجوهر. لذلك طلبوا فى المرة الأولى "أن يقتلوه" وفى الثانية تناولوا "حجارة لكى يرجموه" بتهمة التجديف. ولكن المسيح، أبن الله، برهن لهم على حقيقة كونه ابن الله المساوى لله والواحد مع الآب فى الجوهر بأعمخاله الإلهية التى هى أعمال الله "أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه"(62).

يقول المسيح، كلمة الله، ابن الله، تأكيداً للوحدة والمساواة فى الذت الإلهية بين الآب والأبن "كل ما للآب هو لى"(63)، "أنا أعرفه لأنى منه"(64)، "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب"(65)، ويخاطب الآب بقوله "أنى خرجت من عندك… كل ما هو لى فهو لك. وما هو لك فهو لى… أنت أيها الآب فى وأنا فيك… أننا نحن واحد"(66). وهذه المساواة أكدها القديس بولس بالروح القدس، كما بينا، فى قوله "الذى اذ كان فى صورة اله لم يحسب ماساواته لله أختلاساً"(67). أنه الذى من الآب وفى الآب والواحد معه فى الجوهر والمساوى له فى الجوهر والطبيعة، فهو كلمة الله الذى كان عند الله وكان هو الله، صورة الله غير المنظور، بهاء مجده، إشعاع مجده، ورسم جوهره، الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو أخبر عنه، ابن الله، صورة الله، اشعاع مجده، صورة جوهره، الله ناطقاً، الله معلناً.

د- المسيح ابن الله فى الإنجيل بأوجهه الأربعة:

يتصور البعض أن المسيح لم يتكلم عن نفسه كإبن الله المساوى لله الآب والواحد معه فى الجوهر، بصورة كافية، وأن كتاب الانجيل الأربعة لم يذكروا ذلك بما يكفى. ولكن الواقع غير ذلك تماماً، فقج ركز كل واحد من الإنجيلين الأربعة على جانب معين من جوانب السيد المسيح دون أن يغفل أبداً حقيقة لاهوته وكونه ابن الله المساوى للآب والواحد معه فى الجوهر.

أولاً: الأناجيل الثلاثة الأولى:

نقل القديس متى الأقوال التالية للمسيح وشاركه القديس لوقا فى القولين الثانى والثالث:

C "دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بأسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر"(6.

C "كل شىء قد دفع إلى من أبى. وليس أحد يعرف الأبن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن. ومن أراد الابن أن يعلن له"(69).

C "فأجاب رئيس الكهنة وقال له أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح أبن الله. قال له يسوع أنت قلت. وأيضاً أقول لكم: من الأن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة "عن يمين قوة الله"(70) "وآتياً على سحاب السماء"(71)، "فمزق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً قد جدف… ها قد سمعتم تجديفه"(72).

وأبتدأ القديس مرقس الانجيل الثالث بقوله "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله"(73)، وختمه بجلوس الابن عن يمين أبيه ووجوده فى نفس الوقت مع تلاميذه يعمل معهم وبهم ومن خلالهم "ثم أن الرب بعدما كلمهم أرتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله. وأما هم فخرجوا وكرزوا فى كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة"(74).

وفى هذه الآيات، أعلاه، يؤكد المسيح، ابن الله، على مساواته المطلقة مع الآب والروح القدس، ووحدة الذات الإلهية فى قوله "وعمدوهم بأسم" وليس "بأسماء"، كما يؤكد وحدته مع الآب ومساواته له وتميزه عن المخلوقات بإعلانه أنه لا أحد يعرق حقيقة الابن فى جوهره، إلا الآب، "ليس أحد يعرق الابن إلا الآب" لأنه من جوهره، وهو وحده الذى يعرف الآب ويعلنه كقوله "أنا أعرفه لأنى منه". وكلمة "يعرف – epiginoskei" هنا، هى فعل مركب ويمكن أن يترجم حرفياً "يعرف معرفة كاملة – Fully Knows"، ويشرح المعرفة الكاملة التى لا يمكن أن تكون لغير الله، كما يعنى المعرفة الكلية التى لأبن الله، كل المعرفة الإلهية. هو وحده الذى يعرف الآب، والآب فقط هو الذى يعرف الابن، وبالتالى فمعرفة الآب تؤدى لمعرفة الابن، ومعرفة الابن تؤدى لمعرفة الآب، وهذا ما عبر عنه بقوله "لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضاً"(75).

ولأنه ابن الله الذى هو الله متكلماً، الله معلناً، الواحد مع الآب، فهو الذى له السلطان على كل الخليقة فى السماء والأرض، له السلطان والسيادة وله المعرفة الكلية. وهو أبن الله الموجود فى السماء والجالس على عرش الله، عن يمين الله، والموجود مع تلاميذه ورسله على الأرض فى آن واحد. هو ابن الله الجالس عن يمين القوة والذى سيأتى على السحاب.

وقد مزق رئيس الكهنة ثيابه عند سماعه أعلان ابن الله هذا معتقداص أنه يجدف لأنه يعلن أنه الله الجالس عن يمين الله والمساوى له.

وتنقل الأناجيل الثلاثة إعلان الآب من السماء عن كون المسيح هو "ابن الله الحبيب" وذلك فى حادثتى العماد والتجلى؛ فلما أعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. واذ السموات قد أنفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه وصوت من السماء قائلاً "هذا هو أبنى الحبيب الذى به سررت"(76)، أو كما نقلها القديسان مرقس ولوقا "أنت أبنى الحبيب الذى به سررت"(77). وفى حادثة التجلى تكرر نفس الأعلان السمائى "هذا هو أبنى الحبيب الذى به سررت"(7.

وأرتبط هذا الأعلان السمائى فى الحادثة الأولى بأنفتاح السماء ونزول الروح القدس بهيئة جسمية عليه، وإعلان يوحنا المعمدان أنه غير مستحق أن يحل سيور حذاء المسيح أو يحمل حذاءه(79). وفى الثانية، التجلى، يعلن السيد المسيح عن شىء من مجده ولاهوته فقد "تغيرت هيئته قدامهم (تلاميذه) وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور"(80)، "صارت هيئة وجهه متغيرة"(81)، "وصارت ثيابه بيضاء كالثلج"(82). هذه الظاهر الإلهية جعلت يوحنا المعمدان يقول عنه "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله"(83)، وجعلت التلاميذ الثلاثة الذين هذا التجلى الإلهى يسقطون على وجوههم وخافوا جداً"(84) و "كانوا مرتعبين"(85)، صاروا فى غيبوبة روحية لما شاهدوه.

وينقل القديس متى أعتراف بطرس الرسول "أنت المسيح أبن الله الحى"(86)، هذا الأعتراف السمائى عن الأبن من خلال القديس بطرس "طوبى لك يا سمعان بن يونا. أن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبى الذى فى السموات"(87)، وهذا تأكيد لما سبق أن قاله الرب "ليس أحد يعرف الأبن إلا الآب". أعلنت بنوة المسيح لله من الآب مباشرة لأنه لا أحد يعرف حقيقة الابن فى جوهره كإبن الله، سوى الآب ذاته، لأن الآب والأبن واحد.

وهناك الكثير من الآيات فى الأناجيل الثلاثة التى تعلن أن المسيح هو أبن الله(8.

ثانياً: الانجيل للقديس يوحنا:

ركز الانجيل للقديس يوحنا بدرجة كبيرة على تأكيد لاهوت المسيح وكونه الابن الوحيد الذى هو الإله الوحيد الذى فى حصن الآب والواحد معه والمساوى له فى الجوهر. وقد بدأ الإنجيل بإعلان أزلية الأبن، كلمة الله، ووحدته مع الآب وكونه الخالق لكل شىء وكونه مصدر الحياة ونبعها "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدء عند الله كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان فيه كانت الحياة"(89)، ثم يعلن عن تجسد الكلمة، أبن الله، وينقل الكثير من أقوال المسيح عن كونه الأبن المساوى للآب والواحد معه فى الجوهر والذى من ذات الآب، والذى له كل ما للآب. كما ينقل أعترافات التلاميذ كنثنائيل ومرثا وغيرهم عن كون المسيح "ابن الله"(90)، ويؤكد على حقيقة التهمة التى صلب بسببها المسيح وهو قوله وإعلانه أنه "ابن الله"(91). ويختم انجيله بقوله بالروح القدس "وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكى تكون لكم اذا آمنتم حياة بأسمه"(92).

سيخرجونكم من المجامع, بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله
[url]www.christpal.com[/url]
 
 
Page generated in 0.18956 seconds with 10 queries