الشاعر في وادي الموتى " / 1934
من الطارق الساري خلال المقابر
................. كخفقة روح في الدجنات عابر ؟
من الوجل المذعور في وحشة الدجى
.................. تقلبهُ الأوهام في كل خاطر ؟
يُنقّل في تلك الدياجير خطوهُ
................. ويخطر في همس كهمس المحاذر؟
وقد سكنت من حوله كل نأمة *
............... سوى قلبهُ الخفاق بين الدياجرِ
وغشاه روع الموت ، والموت روعة
................... تغشى فيعنو كل نِكس وقادر؟
***
هو الشاعر الملهوف للحق والهدى
.................. وللسر لم يكشفهُ ضوء لناظر
تحير في سر الحياة وما اهتدى
............... إليه ، ولم يقنع بتلك الظواهر
وساءل عنه الكون والكون حائر
................ يسير كمعصوب بأيدي المقادر
وساءل عنه الموت ، والموت سادر
............... وساءل عنه الشعر في حنق ثائر
وساءل عنه كل شيء ، فلم يفز
............... بشيء ولم يرجع بصفقة ظافر !
***
أفي هذه الأجداث طلسم سرّه
........... لعل فمن يدري بسر المقابر ؟
ألم يخلع الموتى الأحابيل كلها ؟
.............. أحابيل أوهام الحياة الجوائر ؟
ألم يتركوا الدنيا الغَرور لأهلها
............... ويستوثقوا مما وراء المصائر ؟
ألا تهمس الأرواح بالسر إذ سرى
................... إليها ؟ ألا تهدي اليقين لحائر ؟
أجل ! ربما تعطي الجواب لسائل
................ وربما تجلو المصير لشـاعر !
***
وفيما يناجي في حمى الصمت نفسهُ
................ تسمّع همساً من خلال الحفائر
" من الطارق الساري خلال المقابر
........... فأقلق منّا كل غاف وساهرِ "
" أما يقنع الأحياءُ بالرحب كله ؟
............... أيا ويح للأحياء صرعى المظاهر "
" تركنا لهم دنياهمو وديارهم
.................. ولم يدعونا في حمى غير عامرِ "
***
وقال فتى منهم حديث قدومه
............. بنغمة إشفاق ونبرةَ ساخر !
" لعل الذي قد دب في ذلك الحمى
............... وأيقظ في أحشائه كل سادر"
" أخو صبوة ، يهفو إلى قبر ميتة
.............. له عنده وجد وتحنان ذاكر "
يقرّبهُ منه التذكر والهوى
.................. وتبعدهُ عنها غلاظ الستائر "
" وما أخدع الحب الذي في ديارهم
.................. يغشى على أبصارهم والبصائر "
وقالت لهم أم وفي صوتها أسى
............... ونبرة تحنان ، وكتمان صابر
" ألا ربما كانت ثكولاً حزينةً
............. على فلذة من قلبها المتناثر "
" وربتما كانت عجوزاً تأيمت
................ وضاقت بدهر ناضب العون غادر
***
وقد ذهبوا في حدسهم كل مذهب
.............. وفيما حوته نفسهُ من مشـاعر !
***
وجلجل صوت الشيخ يدوي كأنما
............. هو الدهرُ في صوت من الروع ظاهر
" من الطارق الساري خلال المقابر
.............. فأقلق منا كل غاف وساهر " !
***
فقال أخو الأحياء والقلبُ خافق
............. من الوجل الأخاذ ، في صوت حاسر
" أنا الحي لما يدر أسباب خلقه
.................. أنا المدلج الحيران بين الخواطر "
" دلفت إلى وادي المنايا لعلني
................... أفوز بسر في حناياه غائر "
" أما تعلمون السر في خلق عالم
.................. يموت ويحيا بين حين وآخر "
" وتكنفهُ الأحداث من كل جانب
................. ويركب للغايات شتى المخاطر "
" وليس له غاية غير أنه
.................... مسوق إلى تحقيق رغبة قاهر "
" ضنين بما يبغيه ليس يبيحهُ
................. لسائله عما وراء الظواهر "
" وماذا لقيتم بعد ما قد خلعتمو
................ قيود الليالي الخادعات المواكر ؟ "
" وماذا وراء الغيبِ والغيبُ مطبقٌ
................... وهل يتجلى مرة للنواظر ؟ "
" سؤال أخي شوق ، وقد طال شوقهٌ
.................. وحيرتهُ ، بين الشكوك الكوافر "
***
أريت لو ان الهول صُور منظراً
........تجلله الأخطار جد غوامر ؟
كذلك ساد الصمت بين الحفائر
.............. وران على أرواحهم والضمائر
وأذهل هاتيك النفوس فخفضت
............. من البهر والإعياء دقات طافر
***
يتبع