جبران خليل جبران
الربيع
هلمي يامحبوبتي نمشي بين الطلول ، فقد ذابت الثلوج ، وهبت الحياة من مراقدها وتمايلت في الأودية والمنحدرات . سيري معي لنتتبع اثار اقدام الربيع في الحقل البعيد . تعالي لنصعد الى اعالي الربى ونتامل تموجات اخضرار السهول حولها .
ها قد نشر فجر الربيع ثوبا طواه ليل الشتاء فاكتست به اشجار الخوخ والتفاح فظهرت كالعرائس في ليلة القدر ، واستيقظت الكروم وتعانقت قصبانها كمعاشر للعشاق ، وجرت الجداول راقصة بين الصخور مرددة اغنية الفرح ، وانبثقت الأزهار من قلب الطبيعة انبثاق الزبد من البحر .
تعالي لنشرب بقايا دموع المطر من كؤوس النرجس ونملأ نفسينا باغاني العصافير المسرورة ونغتنم استنشاق عطر النسيمات . لنجلس بقرب تلك الصخرة حيث يختبيء البنفسج نتبادل قبلات المحبة .
الصيف
هيا بنا الى الحقل يا حبيبتي فقد جاءت ايام الحصاد وبلغ الزرع مبلغه وانضجته حرارة محبة الشمس للطبيعة . تعالي قبل ان تسبقنا الطيور فتستغل اتعابنا ، وجماعة النمل فتاخذ ارضنا ، هلمي نجن ثمار الارض مثلما جنت حبوب السعادة من بذور الوفاء التي زرعتها المحبة في اعماق قلبينا ، ونملأ المخازن من نتاج العناصر كما ملأت الحياة اهراء عواطفنا .
هلمي يا رفيقتي نفترش الاعشاب ونلتحف السماء ونوسد راءسينا بضغث من القش الناعم فنرتاح من عمل النهار ونسمع مسامرة غدير الوادي .
الخريف
لنذهب الى الكرمة يا محبوبتي ونعصر العنب ونوعه في الأجران مثلما تعي النفس حكمة الأجيال ونجمع الأثمار اليابسة ونستقطر الأزهار ونستعض عن العين بالأثر .
لنرجع نحو المساكن فقد اصفرت اوراق الأشجار ونثرها الهواء كانه يريد ان يكفن بها ازهارا قضت لوعة عندما ودعها الصيف . تعالي فقد رحلت الطيور نحو الساحل وحملت معها انس الرياض وخلفت الوحشة للياسمين والسيسبان فبكى باقي الدموع على اديم التراب .
لنرجع ! فالجداول قد وقفت عن مسيرها ، والعيون نشفت دموع فرحها ، والطلول خلعت باهي اثوابها . تعالي يا محبوبتي فالطبيعة قد راودها النعاس فاءمست تودع اليقظة باءغنية نهاوندية مؤثرة .
الشتاء
اقتربي يا شريكة حياتي ، اقتربي مني ولا تدعي انفاس الثلوج تفصل جسمينا . اجلسي بجانبي امام هذا الموقد ، فالنار فاكهة الشتاء الشهية . حدثيني بماتي الاجيال ، فاذناي قد تعبتا من تاءوه الرياح وندب العناصر . اوصدي الابواب والنوافذ ، فمراى وجه الجو الغضوب يحزن نفسي ، والنظر الى المدينة الجالسة كالثكلى تحت اطباق الثلوج يدمي قلبي .... اسقي السراج زيتا ، يا رفيقة عمري ، قد اوشك ان ينطفيء ، وضعيه بالقرب منك لأرى ما كتبته الليالي على وجهك .. اتي بجرة الخمر لنشرب ونذكر ايام العصر .
اقتربي اقتربي مني يا حبيبة نفسي ، فقد خمدت النار وكاد الرماد يخفيها .. ضميني فقد انطفاء السراج وتغلبت عليه الظلمة ... ها قد اثقلت اعينا خمرة السنين ... ارمقيني بعين كحلها النعاس ... عانقيني قبل ان يعانقني الكرى ... قبليني فالثلج قد تغلب على كل شيء إلا قبلتك ... اه يا حبيبتي ما اعمق بحر النوم ، اه ما ابعد الصباح ... في هذا العالم .
جبران خليل جبران عن كتابه : دمعة وابتسامة
من منكم بلا خطيئة فليرميها بأول حجر
|