سأراه بعد ساعات...
وبدأت اسأل نفسي ماذا سأرتدي..بدت جميع ملابسي قديمة باهتة مستهلكة.
( مع ان نضال لم يكن هنا..لم يرني بها..)
ربما لهذا بدت جميعها لا تناسب عظمة المناسبة..
ربما لأنها لم تكن يوما ظلا لعيني نضال..
وأُصبت باحباط... وبدأت أخاف أن يراني عادية"
ألم يقلها لي يوما...ألم يقل أني عادية
وأصبحت أتحاشى النظر بالمرآة..
انتابني الخوف... وكأن اللقاء مصيري..وكأنه تقييم لي..
وجاءت فرح كنت قد طلبت منها الحضور كي تساعدني ..
لا أدري بماذا... ربما كي تساعدني على التماسك..
- فرح أريد الذهاب للتسوق
-الآن! لماذا ؟
( لم أشأ أن أبدو بمظهر السطحية أمام فرح..
لم أشأ أن أبدد محاضراتي التي ألقيتها سابقا
عن جمال الروح وغباء المرآة...
لم أشأ الانكسار أمام مبادئي..لكن الامر كان يستحق بشدة...)
وقبل أن أتكلم بحرف... رأيتها تسبقني للباب..
آه كم أحبك فرح..تمتصين إحراجي دائما...
ذهبنا للتسوق..أردت ان أبدو انثى حقيقية...
.. انتقينا فستانا أبيض فيه عروق بلون البنفسج
وأطلقت شعري الأسود الأملس على كتفي..
وذهبت لتلك الحديقة كي أراه... نعم حديقتنا القديمة..
هنا اتفقنا..
هنا حيث تشهد الأشجار أسماءنا..
هنا حيث تعرف المقاعد رائحتنا...
نعم هنا...هنا حيث كانت في غيابه تحييني ذكرياتنا..
.واليوم... سنخط ذكرى جميلة تؤنسني في وحدتي المقبلة..
لم يستطع مكالمتي.. أخبرني صديقه" أحمد"
أنه سيأتي في الرابعة..
تأخر نضال...
الساعة تخطت الخامسة...
ماالذي أخره؟ هل أصابه مكروه ما ؟
هل نسي موعدنا ؟
لا وكيف له ان ينسى والأشواق كانت في كل يوم تاكل جزءا جديدا من أجزائنا...
لماذا تاخر؟
هل أذهب؟ هل أبقى ؟
وبدأت أبكي ..
أبكي اشتياقا..أبكي خوفا..لا أفهمه....
ثم هدأت...
بعد دقائق رأيت نضال...
يتجه نحوي.. لم أدري ما أفعل..
كانت لحظة طويلة , هل أنهض واتجه نحوه؟
هل أبقى بمكاني ؟
لا سأنهض.. لكن قدماي لاأشعربهما..
بدات بالسيرنحوه..وأصبحنا وجها لوجه..
لكن نضال لم يكن ينظر الى وجهي ..
لم يكن ينظر الي...
لم يضمني!كما اعتقدت
لم يصافحني!
لم يطفئ أشواقي ولاحتى بنظرة عين..
لكني لم اكن أفهم وقتها .
كانت الفرحة تطغى على أفكاري...
أنا مددت يدي في لحظة من اللاشعور..
فلمست يده.. وسحبنا أيدينا بثوان لا أذكر الا سرعتها
وجلسنا في تلك الحديقة..
لم أحصل على النظرة..
لم احصل على اللمسة..
فكنت أريد بشدة سماع بحة الصوت..
-كيف حالك نضال؟
-بخير وأنتي ؟
-الحمد لله
وحل صمت غريب..
صمت ليس في مكانه..
ليس هذا ما كنت بلهفة انتظره..
ليس هذا ما قضيت الليالي أتهيأ لأجله...
لكني ايضا لم افهم..
لم أفهم لأني لم أكن أتتوقع..
حين يكون الفرح مسيطر على كل أفكارنا...
على كل مساحة في جلدنا..
نكون أغبياء في مواجهة الخيبات..
لأنها تكون أبعد مما نتصور..
تكون في ذلك الجزء من أفكارنا الذي يغطيه ضباب الفرحة!
ربما لهذ أفراحنا قليلة..
كي نحافظ على الذكاء... كي نسمو عن باقي الكائنات..
وفجاة ضاعت آلاف الكلمات التي كنت أريد ان أُغنيها
ثم بدأ نضال بالكلام...
-ألا تشعرين بالندم لأننا عرف أحدنا الآخر
-لا!
(جاوبت بديهيا ... ولا زلت لا أفهم وأعتقد ان كل الأمو بخير...
لازال ذلك الضباب يحجب مساحة الاستيعاب
-وأنت َ؟
- نعم أشعر بالندم... طريقي طويل جدا ومستقبلي لا يزال بعيد
- سأنتظرك..سأساعدك .. سابقى بجانبك
( قتلتني بديهيتي...ولا زلت لا أفهم)
توتر الجو...
وجاء احمد وفرح..ليروا نضال..
وبدانا بالسير..
كنت أسير مع نضال
وكانت فرح وأحمد خلفنا.
وبدأنا باحاديث جماعية عادية......
ضحك أحمد وفرح وذهبا لجلب شراب ما لنا..
وعدت مع نضال والصمت..
وبدأن باحاديث عامة .. عن اختلاف الثقافات والدين وأمور كثيرة...
وفي وسط نقاش ما..
-همسة أنت لا تفهمينني ؟
(قالها بلهجة حادة...)
- اشرح لي كي أفهمك...
(شعرت بأنه ليس بمزاج للشرح , وابتعد عني بضع خطوات
تبعته..
وابتعد من جديد..وتبعته من جديد..
- كلمني نضال .. سنتفاهم..
ابتعد من جديد وأشاح وجهه عني...
فابتعدت عنه.. وشعرت بقدر كبير من الاهانة..
شعرت بالغباء..لأني بدأت أفهم..
فلقد جفت كل قطرات الفرح الممكنة..
جاء احمد وفرح..
اقترب نضال منهما... صافحهما واعتذر لأنه سيرحل..
ومرّ من أمامي.. دون ان ينظر ..
تجاهلني.. كأنني طيف..كأنه لايراني..
ومضى....
