في الصحراء / 1932
: في ليلة من ليالي الخريف المقمرة ، الراكدة الهواء ، المحتبسة الأنفاس ، وفي صحراء جبل المقطم الموحشة ، وبين هذا الفقر الصامت الأبيد – كانت تتراءى نخلات ساكنات في وجوم كئيب ومن بينها نخلتان : إحداهما طويلة سامقة ، والأخرى صغيرة قميئة .. ....
بين هاتين النخلتين دار حديث ، وكانت بينهما همسات ومناجـاة !
،
الصغيـرة :
ما لنا في ذلك القفرُ هنا
........ ما برحنـا منذ حين شاخصات ؟
كل شيء صامت من حولنا
.............. وأرانـا نحن أيضاً صامتات !
،
تطلع الشمس علينا وتغيب
ويطل الليل كالشيخ الكئيب
والنجوم الزهر تغدو وتثوب
،
وهجيرٌ وأصيل ... وطلوعٌ وأفول ... ثم نبقى في ذهول ساهمات !
***
أفلا تدرين يا أختي الكبيرة
............. ما الذي أطْلَعنا بين اليباب ؟
أيمّا إثم جنينا أو جريرة
............. سلكتنا في تجاويف العذاب ؟
،
قد سئمتُ اللبث في هذا المكان
لبثة المصلوب في صلب الزماان
أفما آن لتبديلٍ .. أوان ؟
،
حدثيني لمَ نشقى ؟ ... حدثيني كم سنلقى ؟ .. حدثيني كم سنبقى / واقفات ؟
.
الكبيـرة :
أنا يا أختاهُ : لا أدري الجـواب
............ ودفينُ السر لم يُكشف لنا
منذ ما أطلعتُ في هذا الخراب
............. وأنا أسألُ : ما شأني هنا ؟
،
فيجيب الصمت حولي بالسكون !
وأنا أخبط في وادي الظنون .
لستُ أدري حكمة الدهر الضنين
،
غيرَ أنّا حائرات ... والليالي العابثات .. تتجنّى ساخرات / لا هيات !
***
ربما كنّا أسيرات القدر
............ تسخر الأيام منا والليالي !
تضرب الأمثال فينا والعبر
........... وإذا نشكو أذاها لا تبالي !
،
ربما كنا مساحير الزمن !
قد مسخنا هكذا بين القنن
في ارتقاب الساحر المحيي الفطن !
،
فإذا كان يعود ... فك هاتيك القيود ... فرجعنا للوجود / طافرات !
***
أو ترانا نسل أرباب قدامى
............... قد جفاها وتولى العابدون !
جفت الكأس لديها ، والندامى
................ غادروا ندوتها تنعى القرون
،
أو ترانا مسخ شيطان رجيم
صاغنا في ذلك القفر الغشوم !
وتولى هاربا خوف الرجوم !
،
فبقينـا في العراء ... يجتوينا كل راء ... وسنبقى في جفاء / شاردات !
***
لستُ أدري : كل شيء قد يكون
................ فتلقى كل شيء في سكون
وإذا ما غالنا غول المنون
................ فهنا يعمرنا فيض اليقين !
،
ثم ساد الصمـت كالطيف الحزين
وتسمعت لأقدام السنين
وهو تخطو خطوة الشيخ الرزين
هامسات في الرمال .. منشدات في جلال .. كل شيء للزوال / والشتات !
يتبع..