الموضوع: وليد معماري
عرض مشاركة واحدة
قديم 18/04/2008   #6
شب و شيخ الشباب abosleman
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ abosleman
abosleman is offline
 
نورنا ب:
Aug 2006
المطرح:
السقيفة...
مشاركات:
2,726

افتراضي



السفر إلى المريخ


أتيح لي في الثمانينيات من القرن الماضي زيارة بلغاريا لحضور مهرجان مخصص لأطفال العالم، كان يعرف باسم مهرجان راية السلام.. ولا أود الحديث هنا عن ذلك المهرجان، ولا عن الرفاه المميز الذي كان يعيشه أطفال بلغاريا، مثلهم مثل كل أطفال دول المنظومة الاشتراكية.. حيث كان التعليم مجانياً.. ولوازم التعليم شبه مجانية، والعناية الصحية متوفرة بشكل كامل.. والمدارس مجهزة بأفضل وسائل التعليم وأكثرها حداثة.. ولا عن الزعيم البلغاري جيفكوف الذي التقينا به مصادفة، ونحن نشرب القهوة في شرفة من شرفات قصر الثقافة الأسطوري في صوفيا العاصمة، مخصصة للصحفيين.. وكان الرجل يجلس إلى منضدة تبعد أمتاراً عن منضدتنا.. وقد لاحظ الرجل أننا محرجون من وجودنا قريباً منه.. فنهض نصف انتهاضة، وحيّانا بكل تواضع.. وتابع شرب قهوته مع أصدقائه.. وتابعنا شرب قهوتنا..
كل هذا أضحى من الذكريات... لكني أتذكر الآن الرحلة التي حملتنا في حافلات من صوفيا وحتى شاطئ ديمتروف على البحر.. ومن ذكريات الرحلة... توقفُنا في مدينة تدعى بلوفديف.. وقد أخذنا منظمو الرحلة في جولة للاطلاع على معالم البلدة القديمة... ولا يتسع المجال هنا للإسهاب في الوصف.. لكني أحسست وأنا في حارات بلوفديف القديمة أني في حارة من حارات طفولتي داخل سور دمشق القديمة...
بدا لي أن هذا المكان يعامل بشيء من القدسية والاحترام، وقيل لي أن الدولة هي التي تتولى حماية مثل هذه الأماكن المأهولة، وترعاها، وتشرف على ترميمها والحفاظ عليها...
وليس هذا هو بيت القصيد هنا.. بل الحديث عن حي دمشقي عريق هو حي الحمراوي القريب من الجامع الأموي، وقد صدر قرار موقّع من (المندوب السامي)، نائب رئيس (الجمهورية العربية المتحدة) آنذاك، المشير عبد الحكيم عامر يقضي باستملاك الحي (القرار رقم 281 لعام 1960.. تمهيداً لهدم الحي، وبناء أسواق اسمنتية حديثة، وشوارع عريضة.. ضارباً عرض الحائط بالطابع الأثري للحي، وأهميته التاريخية، ونسيجه المعماري والاجتماعي الفذ..
الاستملاك يعني أن الحي أصبح ملكاً للدولة.. وبالتالي، لا يحق لقاطني البيوت فيه إجراء أي تعديل في مواصفات السكن.. ولا يحق لهم ترميم سقف يدلف أيام المطر.. ولا تدعيم حائط يكاد ينهار.. وصار القاطنون ضيوفاً غير مرغوب فيهم داخل بيوتهم... والمثير للجنون أن سكان الحي حصلوا على تعويضات هزيلة، تدعى في اللهجة الشعبية (فرنكات).. وصاروا ملزمين بدفع أجور بيوتهم التي لم تعد ملكاً لهم..
ويبدو أن الحكومات المتعاقبة تهيبت من الهدم، وفطنت، إلى الخطأ الذي ارتكبه مسؤول طارئ على المدينة.. ووقعت في (حيص بيص).. فلا هي قادرة على التراجع في قضية الاستملاك، ولا هي قادرة على الهدم... وتفتق الذهن عن حل عجائبي، يشبه حلول قراقوش، ألا وهو إعادة بيع البيوت لأصحابها!!!... ولكن بالأسعار الرائجة... أي بألف ضعف عمّا قبضه أصحاب العقارات...
وما يثير الدهشة والاستغراب هو هذا الزمن الطويل الذي مر على بدء المشكلة.. ومن وُلِدَ في هذا الحي يفترض أنه اقترب من سن الخمسين، وربما أصبح جداً.. سعى أبوه من قبله لاسترداد حقه.. وها هو سيورث أبناءه وأحفاده مشكلة صنع مركبة فضائية، والسفر بها إلى المريخ.. عسى يكون في المريخ من هو أرحم من مسؤولي الأرض.. وأكثر عدلا...




العدد 162 (1685) 9 ـــ 16 حزيران 2007

كان اسمه.. .
لا تذكروا اسمه!
خلوه في قلوبنا...
لا تدعوا الكلمة
تضيع في الهواء، كالرماد...

"We ask the Syrian government to stop banning Akhawia"
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.02998 seconds with 10 queries