وقائع ومداولات الجلسة المغلقة... ودمشق تتبادل الرسائل مع القاهرة و«قطيعة» مع السعودية
أخطأت السعودية أكثر من مصر في خفض تمثيلها في القمة العربية التي اختتمت أمس في العاصمة السورية. فحضور أي مسؤول سعودي رفيع المستوى كان سيخطف الأضواء من الآخرين، وربما كان بمقدوره قلب جدول الأعمال رأساً على عقب، علماً بأنّ الدولة المضيفة تمكّنت من احتواء الضغوط والهجمات عليها، وبادرت من خلال خطاب الرئيس بشار الأسد وفي المداولات إلى إعطاء انطباع بعدم وجود خلافات ونزاعات من النوع الذي تصعب معالجته، حتى إن الأسد حرص في ختام القمّة على إبلاغ مندوب مصر مفيد شهاب بأنّ سوريا تشكر الرئيس حسني مبارك على رسالته وكانت تأمل لو أنّه حضر القمّة، وهي تسعى لأن تكون العلاقات بين البلدين جيدة، علماً بأن الأسد حمّل الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى رسالة ثانية الى الرئيس المصري تضمّنت رأي سوريا في بعض المسائل الخلافية.
وفي الوقت نفسه، لم يجرِ التعامل مع الهدوء الذي اتسمت به القمّة على أنه واقع الحال العربي، بل على العكس، فإنّ الأسد نفسه أبلغ بعض الحاضرين بأن خطابه في الافتتاح يعكس احترام سوريا لمقام رئاسة القمّة، لكن لسوريا رأيها الاكثر وضوحاً وحزماً في كل العناوين المطروحة للنقاش، وهو الذي حرص في الجلسة المغلقة على دفع النقاش الى أبعد حدود من الصراحة.
وبدت صورة الموقف النهائي أقرب إلى فوز سوريّ بالنقاط على خصومها، وخصوصاً على السعودية. ويمكن حساب هذا الفوز بالآتي:
أوّلاً: تقدّمت سوريا من حيث الشكل، إذ إن الحضور الرئاسي لقمة دمشق لم يكن مختلفاً كثيراً عن الحضور الرئاسي في أي قمّة أخرى. ولولا التقدير السياسي للمستوى المنخفض للتمثيل من جانب مصر والأردن والسعودية، لما كان أحد قد اعتبر ما حصل أمراً جديداً.
كذلك، ربحت سوريا في أن تكون خمس من أصل ست دول خليجية حاضرة بقوة في الاجتماع. حتى غياب ملك البحرين الذي تربطه علاقات طيّبة بالرئيس السوري كان مفهوماً، ولا يُعدّ موقفاً سياسياً بحد ذاته. كما كشفت المداولات التي جرت في الاجتماع المغلق عن تباين واضح بين موقف دول عدّة من مجلس التعاون الخليجي وموقف السعودية، وخصوصاً في ما خص ملف العلاقات مع إيران.
ثانياً: في جدول الاعمال، لم ينجح السعوديّون ولا مصر في تقديم ملف الأزمة اللبنانية الى رأس الاهتمامات، بل إنّ من يُفترض أنهم حلفاء للسعودية لم يحاولوا خلال الاجتماعات التمهيدية ولا في الاجتماعات الموسّعة ولا في الاجتماع المغلق، أن يجعلوا من ملف لبنان ورقة الخلاف البارزة. حتى في ملفات إيران وفلسطين والعراق، بدا أن الجميع أقرب الى تسويات من النوع الذي نشاهده في كلّ القمم العربية.
ثالثاً: على مستوى النتائج، إنّ ما خرجت به القمة على صعيد الأزمة اللبنانية لم يكن من النوع الذي يحرج سوريا. كما لم يحصل فريق السلطة الفلسطينية على تغطية لأي خطوات مقبلة، سواء تلك المتعلقة بالوضع الداخلي أو بما خص مستقبل الصراع مع إسرائيل، ولم تصدر كذلك عن المؤتمر أي توصية أو بيان أو مشروع قرار من شأنه تحويل إيران الى عنصر الخطر الأبرز كما يفترض حلفاء أميركا من العرب. أضف إلى ذلك أنّ سوريا سوف تتولّى رئاسة القمّة العربيّة، وبالتالي كل اللجان العربية الخاصة بالجامعة أو المؤتمرات الدولية، كما أن القمّة المقبلة سوف تكون في قطر، لا في مقر الجامعة كما رغب كثيرون.