قمة اغفال لبنان ومراجعة المبادرة العربية للسلام!
سليم نصّار الحياة - 29/03/08//
لم تشهد القمم العربية السابقة خلافاً في حجم الخلاف الذي تشهده أول قمة عربية تعقد في دمشق منذ إعلان تأسيس جامعة الدول العربية يوم 22 آذار (مارس) 1945.
ولم يحدث أن تغيب لبنان عن أي من القمم العادية أو الاستثنائية منذ اشتراكه في مجموعة الدول المؤسسة مع مصر والسعودية والعراق وسورية وشرق الأردن (سميت الأردن سنة 1946) واليمن الذي انضم إلى هذه المجموعة في الخامس من ايار (مايو) سنة 1945.
وبسبب الترتيب الأبجدي الذي اقترحه الشيخ زايد بصورة دورية كل سنة، وصلت القمة الثلاثون إلى سورية بعد قمة السعودية، من دون حصول عملية التسلم والتسليم. وقد استندت دمشق إلى سابقة تغيب حاكم البحرين عن قمة تونس 2004، الأمر الذي دعا في حينه الرئيس زين العابدين بن علي إلى إعلان نفسه رئيساً للقمة السادسة والعشرين.
من هنا القول إن الترتيب الأبجدي فرض على سورية القيام بدور جديد ابتعدت عنه طوال ستين سنة من عمر الجامعة. والسبب - كما يفسره المطلعون على شؤونها - ينطلق من قناعة راسخة بأن هذا التجمع العربي ولد من أجل خدمة مصر، لا فرق أكان ذلك في عهد فاروق أم في عهد عبدالناصر. وقد دعمت وثيقة الجامعة هذا التوجه بدليل أنها حددت المقر الدائم في مصر. وقد انتج هذا الامتياز أربعة أمناء عامين هم: عبدالرحمن عزام (1945-1952) وعبدالخالق حسونة (1952-1972) ومحمود رياض (1972-1979) وعصمت عبدالمجيد (1991-2001) وعمرو موسى (2001-). ولولا نقل المقر الدائم بصورة موقتة إلى تونس عقب اتفاق «كامب ديفيد» لما دخل الشاذلي القليبي قائمة الأمناء.
بخلاف كل القمم العربية السابقة التي انحصرت اهتماماتها بحل الأزمات الصعبة والقضايا الساخنة، ركزت قمة دمشق على جمع أكبر عدد من الزعماء العرب. ولكن، هذا التركيز تم بطريقة فوقية أحدثت استياء لدى بعض الدول الاعضاء. وقد ترجم هذا الاستياء إلى تخفيض مستوى التمثيل بحيث فقدت هذه القمة أهم عناصر القيادة من اصحاب القرار السياسي في العالم العربي. ولكن ردود الفعل لم تزعج الحكومة السورية التي توقعت غياب عدد من الحكام بسبب الاختلاف على معالجة أزمة الرئاسة في لبنان. وفسر وزير الخارجية وليد المعلم اصرار بلاده على موقفها المتشدد بالقول: إن سورية لا تفرط في مبادئها من أجل رفع مستوى المشاركة.
يتردد في دمشق أن الرئيس الليبي معمر القذافي حظي باهتمام استثنائي من قبل الرئيس بشار الأسد الذي اتصل به شخصياً لحثه على الاشتراك في القمة. وكان من الطبيعي أن تغريه هذه الدعوة بالحضور لعل دمشق تتوسط لانهاء مشكلته مع لبنان عقب اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه في طرابلس صيف 1978. والمعروف أن القذافي حاول في عدد من المناسبات تبرير اختفاء ضيفه الكبير عن طريق الادعاء بأن جهاز الاستخبارات ضلله، أو أن عناصر غريبة عن ليبيا هي التي ورطته بهذا الحادث المؤسف. ولكن المرجعيات الشيعية - الدينية والسياسية - رفضت هذه الأعذار وطالبته بايضاحات صريحة لم يستطع تأمينها بواسطة ابن عمه أحمد قذاف الدم. وعندما حاول الرئيس اميل لحود كسر الحظر وتوفير غطاء رسمي لوفد اقتصادي لبناني زار ليبيا، واجهته حملة إعلامية واسعة مع تحذير بالمقاطعة من قبل الرئيس نبيه بري.
ولكن القذافي لم يتعب من ارسال الوسطاء، ومن تذكير الإعلاميين بأنه دفع مبلغ بليون دولار خلال حرب لبنان لعناصر فلسطينية ومحلية كانت تؤيد سياسته. وقد رسخت زيارته للبنان في عهد الرئيس شارل حلو علاقات الصداقة مع أدباء وصحافيين كان يستعين بهم لتدبيج خطبه وكتابة قصصه. كذلك نمت صداقته مع الرئيس السابق امين الجميل الذي فرض الترتيب الأبجدي في القمم العربية، جلوسه بالقرب من الزعيم الليبي. وكثيراً ما شوهد وهو يمرر قلمه فوق خطب معمر تفادياً لأخطاء لغوية وتحاشياً لعبارات استفزازية محرجة. وعندما يتحدث القذافي عن حنينه الى لبنان، لا ينسى أن يذكر أن المرحوم جورج حاوي كان ضيفه في معسكر باب العزيزية يوم هاجمته الطائرات الأميركية وقتلت ابنته بالتبني.
الدافع الأساسي لتردد القذافي في إعلان حضوره قمة دمشق، هو الخوف من مواجهة جماهير لبنانية قررت التصدي له رغم الحماية السورية. وجاء تهديدها بناء على مذكرة جلب أصدرها المحقق العدلي اللبناني سميح الحاج، في حق القذافي والرائد عبدالسلام جلود وأربعة عشر شخصاً يعملون في أجهزة الأمن. وعلى رغم مرور ثلاثين سنة تقريباً على تلك الحادثة، فإن غلام حسين الهام، الناطق باسم حكومة إيران، ما برح يطمئن رجال «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» في لبنان، بأن قضية تحديد مصير الإمام موسى الصدر، ما زالت مدرجة على جدول أعمال الحكومة.
في لقائه مع البطريرك الماروني نصرالله صفير، شدد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على ضرورة مشاركة لبنان في قمة سوف تبحث القضية اللبنانية من مختلف جوانبها. وكان بهذا التشجيع يحاول اغفال كل السلبيات التي تعاملت بها سورية مع حكومة السنيورة، ومع الوسطاء الدوليين والاقليميين بدءاً بفرنسا والمانيا وانتهاء بالمبادرة العربية التي حملها عمرو موسى باسم العرب. ومن المؤكد أن ميقاتي يسعى إلى الاحتفاظ بشعرة معاوية وبتغليب ديبلوماسية المصلحة الوطنية على أي قرار آخر قد يؤدي إلى تصدع الوحدة الوطنية. في حين يرى الوزير مروان حمادة أن الاهانة التي أُلحقت بالرئيس السنيورة عن طريق دعوته بواسطة وزير مستقيل لا يعترف بشرعيته، كانت بمثابة اهانة وطنية لدستورية المقام الذي يمثل الغالبية النيابية والشعبية. لهذا اختار المقاطعة باعتبارها اقل ثمن يدفع للدول التي أيدت الشرعية الدستورية في مواجهة مطالب تعجيزية لا ترضى بأقل من تعطيل دور الحكومة ومؤسسات الدولة، ثمناً للتعاون والمشاركة.
وفي هذا يقول السنيورة إن لبنان الغائب، ستظل قضيته حاضرة في قمة دمشق بواسطة الدول المدافعة عن حق لبنان في ممارسة نظام ديموقراطي تعددي يوفر لأبنائه العيش الكريم في وطنهم لا في الأوطان الأخرى حيث شردتهم سياسة المعارضة.
ولكن، هل صحيح أن دمشق ستركز اهتمامها على حل مشكلة الرئاسة في لبنان، أم أن جدول أعمال هذه القمة يُعنى بأمور أخرى أكثر ارتباطاً بأزمة النظام العربي وبمراجعة الاستراتيجية العربية للسلام.
يقول الصحافيون الذين تابعوا اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم الخميس الماضي، أن المناقشات تجنبت القضايا القابلة للانفجار مثل قضية تغلغل إيران داخل المجتمعات العربية والإسلامية. وحمل ثلاثة أعضاء من الوفود ملفات مزودة بالقرائن حول تمدد النفوذ الإيراني في لبنان والعراق وسورية وغزة واليمن والكويت والبحرين والصومال وأفغانستان واريتريا. ويتوقع هذا الفريق في مطالعاته أن تحل إيران محل السعودية ومصر في نظام اقليمي جديد سيتنامى على حساب تلاشي نتائج قمة الاسكندرية المصغرة (كانون الأول/ ديسمبر 1994. أي القمة الثلاثية التي ثبتت النظام العربي على معادلة حققت توازناً دقيقاً بين السعودية ومصر وسورية.
يرجح الديبلوماسيون في دمشق أن يتضمن الموقف السوري عرضاً لمراجعة كاملة تتعلق بمشروع السلام العربي - الإسرائيلي، بدءاً بمؤتمر مدريد (1991) وانتهاء بمبادرة السلام في قمة بيروت آذار 2002. ومع ان الرئيس بشار الأسد حاول ترميم الخلافات التي نشأت عقب غزو العراق، إلا أن تحالفه مع إيران لم يسعفه على معالجة الانقسام بطريقة تؤدي إلى وضع مبادرة سلام بديلة، علماً بأن وزير خارجيته وليد المعلم لمّح إلى ضرورة إعادة النظر في المبادرة إذا لم تثبت إسرائيل نيتها في السلام. وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض أي تعديل أو تغيير على المبادرة عقب محادثاته مع العاهل الأردني عبدالله الثاني.
رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت رد على هذا التشكيك بحديث إلى صحيفة «معاريف» قال فيه إن المواقف العربية غير متجانسة مثلها مثل المواقف الفلسطينية المثلثة الزوايا. ذلك أن «حماس»، في رأيه، لا يمكنها القبول والاعتراف بالدولة العبرية، في حين تطالب القيادة في رام الله بضرورة مواصلة محادثات أنابوليس. وبين هذين الموقفين المتعارضين يطل فلسطينيو الشتات لتأييد المحورين. وهو يرى أن موقف «حماس» من وجود إسرائيل يتلازم مع موقف «حزب الله» الذي أعلنه السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، وبشر بزوال إسرائيل في المستقبل المنظور. ومثل هذه التوقعات، كما وصفها أولمرت، تستمد سياستها من العقيدة التي يسوقها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وفي الدعوة إلى ازالة إسرائيل من الوجود.
يجمع المراقبون على القول إن الانقسام داخل النظام العربي أصبح حقيقة راسخة ساعدت قمة دمشق على اظهارها إلى الملأ. وبسبب تذبذب بعض الدول العربية التي تمثلت في القمة بأعلى المستويات خوفاً من ايران على أمنها واستقرارها... وبسبب تردد اسرائيل في تنفيذ المبادرة العربية، أصبحت القمم العادية والاستثنائية منابر لانتاج أزمات جديدة كأزمة لبنان وأزمة الخيارات الاستراتيجية للسلام.
أعلن وزير الثقافة اللبناني (الخارجية بالوكالة) طارق متري أن قرار الحكومة بعدم المشاركة في قمة دمشق لن يمنع السنيورة من مخاطبة القادة العرب من خلال كلمة أو مذكرة. وكان بذلك يشير الى الخطاب الذي أعده الرئيس السنيورة للبث عبر شاشات التلفزيون عوضاً عن الخطاب الذي لم يلقه في قاعة المؤتمر. وقد نصحه وليد جنبلاط بألا يغامر ويرسل كلمته عبر الهاتف مثلما فعل ياسر عرفات في قمة بيروت (2002) يوم منعته اسرائيل من السفر. وكانت النتيجة أن الرئيس اميل لحود تدخل - بناء على طلب سورية - وأمر جهاز الأمن العام بضرورة التشويش على الكلمة بحيث وصلت الى القمة متقطعة، مجتزأة مثل القضية الفلسطينية.
بقي أن نذكّر بكلام البطريرك صفير الذي قال لعباس زكي، ممثل منظمة التحرير في لبنان، إن الوطن الصغير قد يصبح نسخة ثانية عن قضية فلسطين!
|