الرؤية الفلسطينية ... وإنجاز أهدافها
مرة أخرى؛ فلسطينياً المطلوب هو تحقيق الرؤية الفلسطينية، لا رؤية بوش، رؤية إنجاز أهداف العودة والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، والرؤية الوطنية الديمقراطية في الوحدة الوطنية وتنفيذ مستلزماتها وبناء مؤسساتها، بديلاً عن الاحتكارية الأحادية والثنائية باتفاقات المحاصصة والحروب الأهلية المدمرة كما وقع منذ 8 شباط/ فبراير 2007 حتى يوم الناس هذا. إن تشكيل لجان مفاوضات "الحل النهائي" بعيداً عن مرجعية قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وغياب المرجعية الوطنية العليا المشتركة لإدارة كل العمليات السياسية التفاوضية، ستراوح مجدداً في سقف الرؤية الأمريكية ـ الإسرائيلية الصهيونية للتسوية، ثم تصل إلى الجدار أسوةً بحلول أوسلو وكامب ديفيد2، وفي ظل استصدار قوانين في الكنيست تقوض أي انسحاب إسرائيلي من القدس المحتلة عام 1967، القدس الشرقية بالكامل، ومن غور الأردن، ودون أن نغفل دور الحراك والسيولة الحزبية في "إسرائيل"، وقد بدأت عشية نشر تقرير لجنة "فينوغراد" بانسحاب الحزب اليميني العنصري "إسرائيل بيتنا" من الائتلاف الحكومي الصهيوني الحاكم، مع تواصل محموم لما يسمى "خلق حقائق على الأرض"، والموجود الراهن وحده يعرض حلول الدولة والعودة إلى طريق مسدود، حين لا تكون دولة فلسطينية قابلة للحياة و"مستمرة" بحسب تعبير بوش، في ظل الكتل الاستيطانية الكبرى وتقطيع الأوصال.
على الصعيد الإقليمي والعربي، يمكن تلمس الخطوط الرئيسية في خطاب الرئيس بوش الاتحادي السابع والأخير أمام الكونغرس الأمريكي، وهو خطاب "وداعي"، تضمن العديد من الموضوعات، على رأسها مكاسب الولايات المتحدة في العراق، وتحذيره من الانسحاب العسكري المتسرع، وتكرار تهديداته لإيران، ودعوته إلى إعلان الدولة الفلسطينية في عام 2008 دون تحديد حدود 4 حزيران/ يونيو 1967، فضلاً عن القضايا الأمريكية الداخلية وعلى رأسها الاقتصاد و "تباطؤه على المدى القصير" كما أسماه، وتحذير مجلس الاحتياط المركزي (البنك المركزي الأمريكي) من حدوث تباطؤ للنمو الاقتصادي عام 2008.
الرسالة الأساسية هي داخلية، والخطاب يفتقر إلى "الطموح" البلاغي الخطابي المعتاد، والذي طبع خطاباته السابقة، بسببٍ من أمرين داهمين وضاغطين على البيت الأبيض وهما الوقت، والانتخابات الأمريكية، الناخبون وتطلعهم إلى ما بعد ولايته، المطالبات الداخلية الضاغطة لإصلاح "الضمان الاجتماعي"، وموضوعة الهجرة غير القانونية، وقد أشار لها الخطاب دون اتخاذ قرار بحلها.
وفي القضية العراقية، وهي القضية التي سيورثها لمن بعده، الإدارة التي ستلي إدارته، لم يقدم أي وعود جديدة بسحب القوات أو تخفيضها، مماطلاً في أنه "ينتظر التوصيات التي يعمل على إعدادها الجنرال بتريوس"، مركزاً بالقول: "علينا أن نقوم بالعمل الصعب اليوم، وذلك حتى ينظر الناس بعد سنوات من اليوم، إلى الماضي ويقولون إن هذا الجيل كان في مستوى اللحظة، وانتصر في قتال صعب تاركاً وراءه منطقة مفعمة بالأمل، وأمريكا أكثر أمناً"، ويمكن من بين هذه السطور إدراك المقصد. كذلك على صعيد دعوته إلى الإعلان عن الدولة الفلسطينية عام 2008، وربطها بـ "أمن إسرائيل" المصطلح الفضفاض غير المحدد والمعرّف صهيونياً، والمفتوح على العدوان والاغتصاب، وقد وردت في قول بوش "دولة فلسطينية مسالمة وديمقراطية ستكون مصدر أمن دائم" ... أي لـِ "إسرائيل". أما الخلاصة عربياً؛ يمكن العودة إلى الخطوط الرئيسية للإستراتيجية الأمريكية، لما بعد بوش وموقع العرب و "إسرائيل" بها، الوثيقة المكونة من مئة صفحة، واستغرقت صياغتها ثلاث سنوات، شارك فيها 400 من كبار خبراء السياسة الأمريكية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في الجانب المخصص بها لما أسمته "إدارة الأزمات من جانب القوة الأمريكية" ومصالح أمنها القومي، وتهميشها لمصالح الأمن القومي العربي واستقرار المنطقة، واستبعاد الاستقرار الإقليمي من أولوياتها.