لما رأيته ..شعرت براحة وتوتر..بأمان وخوف...بقوة وضعف..
دوما وجودي معه ..يثير مشاعري المتناقضة...يوحدها دون أن يفنى احدها على حساب الآخر..!!
لم أقوَ على الاعتراف ...لم اقوَ حقيقة حتى على الكلام..
فتكلم هو وكأنه يشعر بضعفي..
- البارحة..ذهبت مسرعة...لم اقصد ان أزعجك.. لكن لعلي أسيء التعبير...,فاتتك الحفلة
-لا بأس ..لم أقصد أيضا ان ازعجك .. كنت عصبية..
(اذا لازلنا نتفنن بصقيع احاديثنا المعتادة)
أستدرك نفسي..
-أية حفلة؟
-ألا تعلمين ؟ على كل أريد أن أكلمك بموضوع ...لكن لاتتركيني وتمضي كالبارحة (ويبتسم)
أراك بعد العمل في المقهى القريب؟
-حسنا ..أراك هناك..
انتهى دوامي الطويل جدا..الذي قضيته ألقي أفكارا وامسك باخرى...
والتقينا...
كان قد سبقني الى طاولتنا.. كانت مربعة الشكل ..قرب النافذة الكبيرة..
..هي منظمة كمشاعره..لايوجد عليها سوى علبة المناديل الورقية..
جلسنا..
-ماذا تشربين؟
- قهوة..
-نعم اعلم تحبينها "سادة "
(وكيف له أن يعلم؟! لم أشأ أن أشرد كثيرا في افكاري..
فقد كانت اللهفة لحديثه تشغلني أكثر من التفاصيل التي ألاحقها عادة...
كان مرتبكا يصمت..ويبتسم..ثم يضحك ..
كنت احب فيه هذا الخجل الرجولي..الذي يضفي اليه الوقار والاتزان..
دائما كنت ارى فيه الوقار لكن ليس ذلك الوقار امضجر...
كان وقاره شغفا غامضا ...يدفعك دوما بحب الفضول ..والاعجاب لاكتشافه..
تماما مثل غابات عينيه..
مثل جسده الطويل...مثل كتفيه العريضين....
كتفيه كنت احبهما بقدر ما أحبه.. كنت اشعر انهما سيتسعان لي ان ضاق بي الزمان يوما..
كان يستجمع قواه ليخبرني :
- همسة..انا ...( وبلع مافي حلقه من ارتباك)..أنا احبكِ
( قالها...خافتة..سريعة..وبداخل مدوية..لم أصدق اذا هو يحبني؟!)
وقبل ان أنطق بكلمة..او قبل ان تعود قدماي للأرض...تابع قائلا..
-منذ سنتين ... منذ اول مرة رأيتك.. أحببتكِ..
أراقبك منذ ذلك الحين...
أعلم كيف تبتسمين ..
كيف تنفخين بقوة حين تغضبين...
أعلم كيف تأكلين وماذا تأكلين..
كيف تفكرين... من تحبين..ماذا تغنين
أعلم أغنية فيروز التي لطالما ترددين " عندي ثقة فيك..."
لقد عشت معك عامين كاملين...وأنتِ لا تدرين...
( لطالما كنت الثرثارة في المرتبة الأولى...لكني الآن أحاول فك عقدة لساني...
الصدمة..
نعم صحيح لا اعلم...
لا اعلم أني أنا أيضا لا أعلم...
لا أعلم أنك لست وحدك الذي لا يعلم...
ليتك كنت علم أني أنا أيضا عشت معك عامين...
لكنك لن تعلم...ولن اخبرك...سأبقى دوما بنظرك لم أكن أعلم...من اجل كبريائي..
عامان!!! كيف مضيا ولم ندري أن كلينا يدري؟
كيف لم تلتقِ نظرات مطاردتي لك مع نظرات مطاردتك؟
هل السبب مرض ما بحواسنا؟
هل حواسنا لاتنسجم؟..
حين تنظر لا انظر..
حين تتكلم لا اسمع..
حين تُلمح لا افهم...
وكذلك الامر بالنسبة اليك؟
نعم عدم انسجام الحواس..
لابد أن أسأل طبيبا ما لعل هذا المرض موجود حقا...
أولعله غباءنا...غباء كل منا في مطاردة الآخر في ظهره..بدل النظر في عينيه..
أو لعلها الفيزياء..لعل هناك حقل تنافر من نوع ما ؟
أو لعلها الأفلاك...الأبراج...
وبقيت أبحث في نظريات الكون الموجودة وغير الموجودة.
..
لعلها ببساطة....الأقدار.........!
الأقدار ما شاءت ان تجمعنا يومها......
لا أدري حقيقة لماذا لا نتأفف أذا لم يوجد لمسائلنا حل رياضي..ونقنع بسهولة؟
وحين تكون الأقدار هي من أرادت.. نقنع بتأفف...
نقنع بشيء نابع من ايماننا..لكننا ننقم على أقدارنا...
لماذا لا نذكر الأقدار الا في محناتنا...ولانذكر فضلها في أفراحنا..
الأقدار....نفسها التي شاءت ألا تجمعنا ..جمعتنا اليوم..
الأقدار علاقتي معها غريبة..ازدواجية..
سامحيني...لعلي يوما عارضتك...نقمت عليك..
لكني اليوم احبك ...أحبك كما أحب نضال.
يتبــــــــــــــــــــــ ـع
