أكتب هدا الرسالة ليديك...
نعم. ليديك...
فيداك هما أكثر منك حنانا
و أكثر فهما لطبيعة النساء
و أسرارهن...
و عوالمهن الداخلية...
إن علاقتي بيديك قديمة... قديمة...
و إعجابي بهما قديم... قديم...
بداء من اليوم الذي رأيتهما فيه
في أحد مقاهي السان جرمان في باريس
تجلسان وحدهما...
و تتكلمان مرة مع سيجارة القولواز...
و مرة مع جريدة الفيجارو...
و مرة مع اللاشيء...
و ترسمان في الفضاء خطوطا و أشكالا
لا تستطيع إن تفهمها
سوى امرأة عربية
تتسكع على أرصفة الخزن.. مثلي.
يداك...
هما الساحل الرملي الذي أتمدد عليه
عندما تضربني العاصفة
و هما النخلتان اللتان أهزهما
عندما يأتيني المخاض
فتتساقطان علي رطبا جنيا...
أكتب هذا الرسالة ليديك...
لأنني ملّلتُ من الكتابة إليك...
فهما تحتفلان ببريدي
وأنت ترمي بريدي في سلّة المهملات...
هما تتصرّفان بحضارة...
و أنت تتصرّف ببدائية..
هما تفتحان ألف باب للحوار
و أنت تغلق في وجهي كلّ الأبواب...
أحتمي بيديك القويتين
عندما لا أجد من يحميني...
و أتغطّى بوبرهما الكثيف
عندما لا أجد من يغطّيني...
و ألتجئ إليهما..
عندما لا أجد من يطعمني... و يسقيني...
يداك... هما الكتابان الرائعان
اللذان أقرأ فيهما قبل أن أنام...
و هما الغابتان الكثيفتا الشجر
اللتان ألتجئ أليهما في حالات اكتئبي..
و هما الخشبتان اللتان أتعلّق بهما
عندما أشرف على الغرق...
و هما المدفأتان اللتان أتكوّم أمامهما
عندما تنتابني القشعريرة...
يداك كانتا دائما
حمامتي سلام
فإذا تشاجرنا... أصلحتا ما بيننا
و إذا أبكيتني...
كفكفتا دموعي...   
إنني أزور يديك
عندما تكون خارج البيت
و أشرب معهما قهوة الصباح
و أبوح لهما يكلّ شؤوني و شجوني
و أسلّمهما ملفّا كاملا
لكلّ الدعاوى العاطفية التي رفعتها عليك..
و خسرتها جميعا...
يداك صديقتاي...
قبل أن أكون صديقتك
و علاقتي بهما
أرقى من علاقتي معك
و أنبل من علاقتي معك
و أعمق جذورا...
فإذا قرّرت...
أن تسافر إلي أيّ مكان في العالم
فخذ جميع حقائبك...
و اترك لي يديك...
إنني لا أخلط أبدا
بينك و بين يديك
فهما مسالمتان... و أنت عدواني
و هما متسامحتان... و أنت متعصّب...
و هما مثقّفتان... و أنت متوسّط الثقافة...
و هما مائيتان... و أنت متخشب...
إنني لا أخلط أبدا
بين حداثتهما.. و بين سلفيّتك...
شكرا لأبوّة يديك.. يا سيدي
شكرا لهما
إصبعا... إصبعا...
ظفرا... ظفرا...
شريانا... شريانا...
فقد كانتا بيتي في زمن التشرّد
و سقفي في زمن العاصفة...
و وطني...
بعدما سحبوا سجّادة الوطن من تحتي...
أيهل الرجل الذي أعتزّ بصداقة يديه...
إذا قابلت يديك بالمصادفة
في أيّ مطار.. أو أيّ مرفأ
أو في أيّ مقهى من مقاهي الرصيف
فسلّم لي عليهما...
حاج لليوم ..
يتبع بعدين

mimo
|