عرض مشاركة واحدة
قديم 31/01/2008   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


غير أن المذاهب والمدارس الفلسفية لم تستطع حتى وقت قريب أن تتخلص من سطوة السؤال الفلسفي الأساسي . إذ تناسخت الفلسفات طوال قرون متواصلة في الاتجاه ذاته، وبآلية واحدة محددة. وكان على كل مذهب فلسفي جديد كي يولد أن يبرر المسوغات الفكرية لوجوده عن طريق نقد المذاهب والمدارس الفلسفية الأخرى ، وهذه الآلية حكمت بنمطيتها شرعية الولادات الفلسفية حتى نهاية القرن التاسع عشر تقريبا ، حيث واظب الفلاسفة على إدارة معاركهم الفكرية الكبرى باستنباط أساليب جديدة من التجريد ، تعنى بصياغة الأجوبة الأكثر ذكاء - وربما الأكثر ديماغوجية - على السؤال الفلسفي التقليدي ذاته ، الذي حافظ على متانته وسطوته كثابت أمام قفزات الفكر الإنساني المتوثب دائما في حمى التحولات إلى اكتناه آفاق جديدة . وظل إيقاع سببية المادة والروح ينبض في عمق الفكر الفلسفي حتى وقت قريب . ورغم الصياغات الجديدة للفكر لم يستطع هيغل - ومن ثم ماركس - انجلس - تجاوز الإشكالية التقليدية في سببية المادة والروح ، فبين ديالكتيك هيجل ومقلوبه عند ماركس لا تختلف القياسات كثيرا عن مثيلاتها في ما سبق من فلسفات مثالية (؟!)

لكن التحول الفلسفي الكبير كان بعد ولادة الفلسفة الوضعية التجريبية (positivisme) التي تبلورت ملامحها منذ فرنسيس بيكون مروراً بـ "جون لوك" إلى "اوغيست كونت" (7) الذي قاد الفكر الفلسفي باتجاه المسارات العلمية، وبذلك تحولت الفلسفة من (علم الحكمة) إلى (العلم الكلي) ، وكان من أهم ثمرات ذلك التحول التأسيس لعلم الاجتماع .
السؤال الفلسفي المدرحي
ينطلق منهج سعاده الفكري من نظرة معاصرة للعلاقة القائمة بين الإنسان والوجود ، هو بذلك يخرج الفلسفة من إشكاليتها التي بلغت أوجها بعد أن فقدت صلتها النقدية بالحضارة ، وتحولت إلى مجرد تأمل في الأفكار ،.. بدل أن تكون مجالاً للتأمل في الوقائع والمسائل الوجودية على قاعدة أن "وظيفة الفلسفة استباق العالم" .

ويمكن أن نحدد الأساس الفكري للمدرحية في المنهج القومي الاجتماعي وفق أربعة محاور رئيسية مترابطة :

· فلسفة التفاعل

· فلسفة الحقيقة

· فلسفة التاريخ

· فلسفة القيم

وهذه المحاور تجيب من خلال منهجها الفكري على السؤال الفلسفي المدرحي : "من أين جاءت الحياة ؟ " الذي يتجاوز نمطية السؤال التقليدي( من أين جاء الانسان ، من المادة أم من الروح ؟ ) إلى نظرة شاملة للانسان والوجود .

ويندرج الجواب على هذا السؤال في مستويين فكريين متلازمين يحددان المنطلق لفهم الظاهرة الإنسانية من خلال القوانين التي تحكم "شيوع الحياة في المادة شيوع الإنسانية في الحياة " . حيث الإنسانية ظاهرة واقعية لا يمكن تفسيرها على قاعدة التمييز الميتافيزيقي بين عالم الحياة (الوجود) ، وبين عالم العقل (علة الوجود) . وبدلاً من تفسير الإنسان بالوجود المادي أو الميتافيزيقي على قاعدة الربط التجريدي العلة والمعلول ، يجب، حسب سعاده ، تفسير الوجود بالإنسان على قاعدة ربط موضوعه بحركة الحياة . وإذا كان شيوع الحياة في المادة شرطاً لوجود الإنسانية واستمرارها ، فان شيوع الإنسانية في الحياة هو أيضاً شرط لإعطاء الظواهر المادية بعدها المؤنسن، المعّرف، والمتسق في عملية بنائية (كمية وكيفية) لا حدود لها. وهذه النظرة تستقرىء كيفية تحول الحياة من كمون مجرد إلى حيوية، ومن ثم إلى حركة. وتنطلق إلى تحديد المنطق الناظم لتحول الوجودات من أشياء إلى ماهيات ، ومن عبث إلى وظيفة، فالحياة لا معنى لها إن لم تكن صيرورة .. وخلقاً مستمراً .

.. في فلسفة التفاعل

يشكل فكر سعاده نهجا مغايرا لمنحى الفلسفات التي سبقته، وتتجلى نقطة افتراقه عنها في موقفين نظريين متكاملين :

الأول : انه أبطل السؤال الفلسفي التقليدي ، اذ تجاوز مفهوم العلة السببية المطلقة " أولوية المادة ، أولوية الروح " فنقض بذلك القول بانعكاس نتائج هذه الأولوية على أحوال الظاهرة الإنسانية ، وبذلك أعفى الفكر من ميتافيزيقية تفسير ظواهر الوجود بعلل غيبية مادية كانت أم روحية ، حيث لا يمكن الجزم في عالم الحقائق بأولوية وجود أي من هذين القطبين اللذين يشكلان طرفي المسار الإنساني . ويعتبر سعاده "الوجود" مركبا موضوعيا توجد فيه علله ، وهذه العلل هي موضوع العقل الإنساني الذي يصفه بقوله : "هو الشرع الأعلى ، والأساسي ، وهو موهبة الإنسان العليا" ( 8 )

ويعتبر سعاده أن السؤال الفلسفي البديل يجب أن ينطلق من خصوصية وجود الإنسان ودوره في صياغة مسارات الحياة، إذ لولا وجود الإنسان لما كان هناك من معنى لوجود الحياة :

"لمّا كان الإنسان مظهرا من مظاهر الحياة فلا يمكن البحث بكيفية نشوئه على حدة ، لذلك لا بد من جعل السؤال "من أين جاء الإنسان ؟" ضمن نطاق سؤال أوسع : "من أين جاءت الحياة ..؟" (9)

الثاني : بما أن الإنسان هو قضية الفلسفة ، لا يجوز تجاهل ما تفرضه الظاهرة الإنسانية من واقع وضعي .ويرى سعاده وجوب فهم هذه الظاهرة حسب القوانين الطبيعية التي تحكم وجودها وفق ثلاثة مستويات متلازمة ومترابطة سببياً :

1. "الإنسان كمفهوم" هو إشارة إلى حالة اجتماعية ذات خصائص طبيعية ،.. ولا يتضمن هذا المفهوم أي إشارة إلى الفرد كحالة بشرية معزولة :

"في أحط درجات الاجتماع البشري وابسطها نجد الجماعة ، وعبثا نحاول أن نجد الفرد ، فهو لا وجود له اقتصاديا او حقوقيا (…) وهو ليس بداءة في الاجتماع ولا شأن له في تعيين الاجتماع وكيفيته" (10) .

" سواء كان الاجتماع البشري موروثا من اجتماع سابق ام حادثا بعد نشوء البشرية، فإن ما يهمنا منه انه أمر واقع وملازم للبشرية. وان خصائصه ملازمة لخصائص الإنسان" (11) .

2. لا معنى لمجتمع من دون أرض يعيش عليها . ويربط سعاده بين خصوصية الأرض (المكان) ، وخصوصية الظاهرة الإنسانية (الحالة الثقافية والنفسية للمجتمع) بعلاقة طبيعية :

"المجتمع هو الحالة والمكان الطبيعيان للإنسان، والضروريان لحياته وارتقائها" (12)

3. يرى سعاده أن حياة المجتمع مرهونة بالتفاعل الذي ينشأ بين المجتمع (الحالة الثقافية النفسـية) وبين الأرض (البيـئة الطبيعية) . وفي هذا التفاعل يشكل القطبان الأساسيان (الأرض =الإمكانيات المادية) و (الإنسان = الوعي) عاملي السلب والإيجاب، بحيث يصبح كل قطب في موقع الفعل والانفعال . ويلحظ سعاده باستمرار أثر خصوصية كل من الأرض والإنسان (الوعي) في تطور هذا التفاعل ، معتبرا أن شرط ارتقاء المجتمع مرهون حكما بحصول التفاعل وكيفيته : " … النظام الاجتماعي هو دائما حاصل تفاعل الإنسان والطبيعة أو البيئة .. أو منبعث عنه وموافق له " (13) .

ونظراً لتنوع بيئات الأرض، من حيث ما تدخره من إمكانات طبيعية وخصائص حيوية، وأيضا، نظراً لإختلاف العوامل الذاتية التي تحدد استعدادات كل جماعة وبالتالي وظيفتها على بيئتها،..فإن واقع الانسانية لا يشكل كلاً متجانساً ، بل هيئات اجتماعية ذات ميزات مختلفة ، إلى اعتبار أن " المملكة الاجتماعية " هي حقيقة نوعية تكتسب ميزاتها من خصائص " مملكة الطبيعة". والفوارق بين الممالك الاجتماعية ( المتحدات) تكون وفاقاً للفوارق بين الممالك الطبيعية ( البيئات ) .

وللانتقال من المفهوم النظري العام إلى المستوى التجريدي في المدرحية ننطلق من التحديدات النظرية التالية :

· في كل مادي نقع في الوجود الانساني على مدلول روحي أو أكثر. وفي كل روحي هناك مدلول مادي أم أكثر .

وانطلاقاً من شبكة العلائق القائمة بين المدلولات المادية والروحية لظواهر الحياة يتم تحديد المعطى المدرحي للانسان والوجود في عالم الفكر والعقل

· لا تشكل البيئة (الأرض) عنصرا أحاديا بسيطا . فهي بطبيعتها مركب مادي شديد التنوع،.. أي إنها تتشكل من عناصر وظواهر مادية لا حدود لها . وهذه الظواهر ترتبط بعلاقات تكاملية ، ولا وجود عملياً للتناقض في "المادة " ، سواء داخلياً (بين مكوناتها) أو خارجياً (بين مادة وأخرى ) ، فالموجب "يكامل" السالب ، وكل سلب شرط لوجود الإيجاب والعكس صحيح .

وعندما نذكر "المادة " فإننا نعني حتما المكونات والظواهر المادية في البيئة (الأرض) وفي الوجود أيضا .

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03601 seconds with 10 queries