كاتب النص الأصلي : dimozi
كنت تقريبا في التاسعة, عندما اكتشفت أن أفضل الكتب هي التي يبقيها أهلي مخبأة عننا, بحجة أنها لا تناسب عمرنا, أذكر كتابا كنت أتسلل لأسرقه من غرفة الأهل و أضعه كعادتي في إحدى قصص الأطفال لأقرأه بسلام في غرفتي,
كلنا اتفقنا على ان التربية الصحيحة للنشء الصحيح تبدأ من الاسرة , و لو ما كان محتوى الكتاب بيفوق ادراك طفل في التاسعة ما كانوا الاهل منعوه عن اطفالون ...
كان الكتاب للدكتورة نوال السعداوي لا أذكر اسم الكتاب الآن لكنني أذكر أنه يتحدث عن طفولتها و بدايات وعيها للظلم الاجتماعي الذي تتعرض له الأنثى في شرقنا العتيد, كمّ التناقضات الذي يحويه هذا المجتمع الفاسد الغارق في عفنه , أذكر بوضوح أنها تحدثت عن بعض مظاهر الكذب و الرياء في هذا المجتمع,
فبينما كانت ترى الشيخ إمام مسجد القرية يهتف بأقصى ما واتته حنجرته في المظاهرات التي تنادي بعروبة فلسطين شابكاً أصابعه بقوة بأصابع كاهن كنيسة القرية الذي ينتحب أيضاً صراخاً لا يقل حماساً عن الإمام صديقه , ثم ينتقل المشهد مباشرة إلى درس الدين في المسجد الذي يعطيه نفس الإمام صديق الكاهن العتيد , يقول في درسه موجها تلاميذه أصحاب العقول التي سوف تقفز قريبا إلى الحياة الواسعة " لا تصادقوا المسيحي و لا تأكلوا من زاده و لا تدخلوا داره لأنه من الكفار الذين سوف يرميهم الله في النار يوم الآخرة " و يقفز خيال الكاتبة إلى لذة الكعك الذي تعده أم جورج جارتهم و تقدمه لهم يوم الأحد.
مع احترامي للدكتورة نوال السعداوي , ما بتعتقدوا انو من الظلم و التهجم على الدين الاسلامي ذكر مساوئ بعض الشيوخ و تناسي مساوئ الكهنة المماثلة ..؟؟
كما ان مصادقة المسيحي و الأكل من زاده و دخول داره ليس من المحرمات في الدين الاسلامي , بل على العكس الدين الاسلامي بيحترم كل الديانات السماوية و بيحث على التآخي بين معتنقيه و معتنقي باقي الديانات ...
صدمت يومها بحقيقة مجتمعنا, لكنني حتى هذا العمر لم استطع أن أغير هذه الفكرة في رأسي, لا لأني أرفض تغيرها, بل لأن الواقع يمنعني من منح نفسي هذه الرفاهية الخيالية
ها هنا و في أي نقاش يعكس واقع المجتمع, في أي موضوع عن الحرية أو العلمانية أو حتى الوضع الاقتصادي نجد الذين يتشدقون بداية بأفكار ثورية في طرحها عادلة في مضامينها باعثة على الفرح و الحبور في هدوءها و اعتدالها حتى نظن واهمين أن الخير مازال في أهلنا, لكن المحك الأول سيعيدنا إلى المربع الأول و سيطل سيف الله المسلول من سباته ليعمل سيفه في الأفكار التي كان منذ قليل يدافع عنها , سيعمله في اعتداله الظاهر ليدعو إلى دين الحق و إلى العودة إلى صراط العلي المستقيم, الأدق من الشعرة و الأحد من السيف
الإنسان السوي المنفتح و المُتقبل للآخر ( بغض النظر عن دينه ) لا يمكن انو يقنع او يغير تفكير إنسان آخر ( بغض النظر عن هالفكرة ) لإنو كل إنسان إلو معتقداتو و قناعاتو و أفكارو اللي هو أولاً و اخيراً حر فيها و مسؤول عنها ...
كل هذا الذين تدعون إليه ترهات من زبل الغرب و نقائضه المستوردة, إن أردتم الحق فعليكم بالسيف و القوة و الغصب الجائر, هذا ما سوف يهرع إليه إن رأى أن استمرار النقاش سيؤدي إلى اعتراف بحق الآخرين في الوجود و الحرية و العيش الكريم.
البشرية من بدايتها تحتوي الكثير من التناقضات و السبب هو الاختلاف الفكري و البيئي و الديني و الثقافي ..إلخ
فإلى متى نظل هكذا , قولوا إلى متى
طول ما العقلية المتحجرة و الذهن المتصلب موجود ( في أي قضية او ديانة او حتى رأي ) رح يضل هالتناقض و التشاحن موجود بين البشر ..
مية خسة دبلانة
|