عرض مشاركة واحدة
قديم 16/01/2008   #33
صبيّة و ست الصبايا وهج البراءة
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ وهج البراءة
وهج البراءة is offline
 
نورنا ب:
Jul 2007
المطرح:
وداعاً .... أخوية
مشاركات:
966

افتراضي


البائسات
زرتُ منذ أيام حاكم بلدة في منزلهِ، فرأيت بين يديه فتاةً في الثانية عشرة من عمرها بائسة عليلة، تشكو ألماً في عُنقها وجرحاً في ذراعها وهمًّا في نفسها وتديرُ في عيون الحاضرين عيوناً حائرةمضطربةً وكأنها مركبة على زئبق رجراجٍ؛ فسألتُ : ما شأنها وعلمت أن أهلها زوجوها وهي في هذه السن وعلى هذه الساذجة من رجل وحشيٍّ الخَلق والخُلق.
ثم زفوها إليه فحاول ان يفترشها وهي على حالةٍ لا تستطيع معها أن تلّم بفراش فامتنعت فأراد اغتصابها فعجر فضربها هذا الضرب الذي رأينا آثاره في جسمه ففرّت منه إلى منزل أهلها فنقموا منها هذا الإباء الذي سمّوه بلادةً وغفلةً وأعادوها إلى منزل زوجها كما يُعاد المجرم الفارُّ من سجنه إليه مرةً أخرى.
وهنالك عاد زوجها إلى عادته معها فعادت هي إلى فرارها فعاد أهلها إلى قسوتهم وجبروتهم.
فلما أعياها الأمر خرجت إلى الطريق العامّةِ هائمة على وجهها لا تعرف لها مذهباً ولا مستقراً حتى رفع أمرها إلى ذلك الحاكم فأمر باستدعائها وآواها في منزله ليخلّصها من ذلك الموقف الذي كانت فيه بين ذراعي وجبهة الاسد.
وما فرغ من هذه القصة حتى رفعت إليه حادثةً أخرى تشبه الحادة الأولى من جميع وجوهها إلا أن الزوج في هذه المرة خدع زوجه عن نفسها وساقاها مخدّراً فعقرها كما عقر شقيّ ثمود الناقة من قبلُ.
إن المرأة المصرية شقية بائسة،ولا سبب لشقائها وبؤسها إلا جهلُها وضعف مداركها.
إنّها لا تحسنُ عملاً ولا تعرف باب مرتزقٍ ولا تجد بين يديها سلعةً تتّجر بها، وتقتات منها إلاّ قلب الرجل، فإن استطاعت أن تمتلكه عاشت عيشاً رغداً أو لا فلا مفرَّ لها من الشقاءِ من المهد إلى اللحد.
ودون امتلاكها هذا القلب القاسي المتحجر أهوال عظامٌ وعقباتٌ جسامٌ لو كلّف الرجلُ نفسه على ما به من قوة وأيدٍ وسعة حيلةٍ أن يجتاز واحدةً منها لسقط بين اليأس والاستسلام.
متى بلغت الفتاة سنَّ الزواج سواء اكان ذلك تقدير الطبيعة أم تقدير أولئك الجهلاء أولياء تينِك الفتاتين استثقل أهلها ظلّها وبرموا بها، وحاسبوا على المضغة والجرعة والوقوف والجلوس ورأوا أنها عالةٌ عليهم، وأن لا حق لها العيش في منزل لا يستفيد من عملها شيئاً وودّوا لو طلع عليهم وجه الخاطب أي خاطب كان يحمل في جبينه آية البشرى بالخلاص منها.
وإنّ قوما هذا مبلغ عقولهم من الفهم وقلوبهم من القسوة وهذه منزلةُ فلذات أكبادهم من نفوسهم لا يمكن بحال من الأحوال أن يفاوضوها في اختيار الزوج أو يحسنوا لها الاختيار حين يختارون فإذا دخلت هذا المنزل الجديد الذي لا تعرفه ولا تعرف شأناً من شؤون أهله دخلت في دور الجهاد العظيم بينها وبين قلب الرجل.
فإذا كانت ذات جمال أو مال فقد استوثقت لنفسها وأمنت آلام الهجر وجائع التطليق وإلاّ فهي تقاسي كلَّ صباحٍ ومساءٍ في الحصول على الحسن المجلوب والجمال المصنوع آلاماً جثمانية تطفئ نور شبيبتها وتذبل زهرة حياتها وتلاقي في سبيل مصانعة الزوج ومداراته والبكاء في موضع الابتسام إن ابتسم والابتسام في موضع البكاء إن بكى ما يجعل أخلاقها قضاءً مملوءًا بالكذب والكيد والخبيث والرياء؛ وهي فوق ذلك تنظر من فم زوجها في كل ساعة كلمة الطلاق كمل ينتظر القاتل من فم قاضيه كلمة الاعدام.
ليست كلمة الإعدام من قبيل الاستعمال المجازي، فما أنسَ لا أنسَ ليلةً زرتُ فيها صديقاً لي، فرأيتُ عند بابه منزله امرأةً بائسة ليس وراء ما بها من الهمِّ غايةٌ وكأنما هي الخيال رقة وذبولاً ووراءها صبيةٌ ثلاثةٌ يدورون حولها ويجاذبونها طرف ردائها فتسبل فضل مئزرها على مآقيها المقرّحة رأفةً بهم أن يلمّمو ببعض شأنها فيبكوا لبكائها فسألتها عن شأنها فأخبرتني أنها مطلقة من زوجها وأنّ بيدها حكماً من المحكمة الشرعية بالنفقة لأولادها وقد مرّ عليها زمن طويلٌ والإدارة تماطلً في إنفاذه فجاءت إلى هذا الصديق تستعين به على أمرها ثم أخذت تشرح من حالها وحال أطفالها في مقاساةِ الشدةِ ومعالجة القوت ما أسأل شؤوننا وصعّد زفراتنا وأمسكنا له أكبادنا(خشية أن تصدّعا.
فخفّفت أنا والصديق شيئاً من آلامها فانصرفت وفي صباح تلك الليلة سمعنا ان امرأةً فقيرةً ماتت بحمّى دماغية فسألنا فعلمنا أنها صاحبتُنا بالأمس، وأنها ماتت شهيدة الزوجيَّة الفاسدة.
أيها الرجل:
إن كنت تعتقد أن المرأة إنسان مثلك وهبها الله مدارك مثل مداركك واستعداد مثل استعدادك فعلّمها كيف تأكل لقمتها من حرفةٍ غير هذه الحرفة النكدة وإلاّ فاحسن إليها، وارحمها كما ترحم قلب كلبك وشاتك.
إن كنت زوجاً فلا تطردها من منزلك بعد أن تقضي مأربك منها كما تصنعُ بنعلِك التي تلبسها وإن كنت أباً فهذه فلذةُ كبدك فلا تضيع بها ذراعاً ولا تلقِ بها حجر وحشٍ ضارٍ، يأكل لحمها ويمتص دمها ثم يُلقي إليك بعظامها.
وأيها المحسنون: والله لا أعرف لكم باباً في الإحسان تنفذون منه إلى عفو الله ورحمته و أوسع من باب الإحسان إلى المرأة.
علّموها لتجعلوا منها مدرسةً يتعلّم فيها أولادكم قبل المدرسة، وأدّبوها لينشأ في حجرها المستقبل العظيم للوطن الكريم.
( المنفلوطي)

كنت بالأمس كلمة صامته في خاطر الليالي
فأصبحت أغنية مفرحة على ألسن الأيام
وقد تم هذا كله في دقيقة واحدة مؤلفة من نظرة وكلمةو تنهدة وقبلة

(الرائع جبران خليل جبران)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03687 seconds with 11 queries