عرض مشاركة واحدة
قديم 14/01/2008   #72
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


مجلة جون أفريك، 3 سبتمبر 6002

JEUNE AFRIQUE

بقلم: نيكولا ميشيل

انطفأ صوت القاهرة

بموت نجيب محفوظ، الحائز علي جائزة نوبل للأدب عام 8891، فقد الأدب العربي أشهر ممثليه.

في الآونة الأخيرة، لم نعد نراه في المقاهي التي اعتاد أن يجلس فيها حيث كان يجد الإلهام. لم نعد نراه علي قهوة علي بابا أو الفردوس أو الفيشاوي. لم يعد نجيب محفوظ يغادر شقته الضيقة. فالشيخوخة والأمراض العديدة التي يعانيها كانت تأكل هذا الرجل الذي كان سيحتفل بعامه الخامس والتسعين في 11 ديسمبر القادم.

إن صوت القاهريين جميعًا قد أنطفأ في يوم 03 أغسطس الماضي في مستشفي الشرطة بالعجوزة. إن مصر تبكي ضميرها والعالم كله فقد كاتبا كبيرا.

ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا عام 1191 بالقرب من حي الجمالية القديم. عند سن السابعة انتقلت أسرته إلي حي راق كان الفارق شاسعًا بين الحي القديم والحي الجديد.

فكان الانتقال بمثابة نقلة زمنية. إن الذكري القوية لهذا التغيير تفسر بلا شك أهمية الزمن، «البطل الحقيقي لروايات» نجيب محفوظ.

بدأ محفوظ الكتابة في سن السابعة عشرة، كان عاشقًا للموسيقي وطالبًا يدرس الفلسفة فبدأ أولي خطواته الأدبية بالقصص القصيرة ونشرت أول مجموعة قصصية له عام 8391 بعنوان «همس الجنون» لم تكن البدايات سهلة لكن محفوظ لم يتوقف قط عن الكتابة حتي حين اشتد عليه المرض كان أول أعماله روايات فرعونية. إن البحث في ماضي مصر الإقطاعي كان يسمح له بنقد ظلم وطغيان أقوياء العالم المعاصر. لكن الاعتراف به ككاتب لم يأت إلا بعد ذلك.

لقد مل محفوظ الرمزية في كتبه الأولي فاختار الكتابة الواقعية المستوحاة من حياة «الناس العادية». فقد شكلت المقاهي والمحلات والأسواق والشوارع المادة الخام لرواياته الجديدة. وأصبح المجتمع القاهري نقطة الانطلاق لكل رواياته. فهو يستخلص منه النكات والأحاديث والشخصيات التي جعلت رواياته تنبض بالحياة. الثلاثية (بين القصرين، السكرية وقصر الشوق) التي نشرت في عامي 6591 و7591 هي أشهر وأنجح روايات سردها نجيب محفوظ بأسلوب حي ومبتكر. إنها لوحة انسانية تفوح منها رائحة الشيشة والقهوة الساخنة، يأخذ نجيب محفوظ القارئ إلي عالم مليء بالفساد والعيوب والموظفين المرتشين. فنجد أمينة السيدة المغلوبة علي أمرها وعبد الجواد الأب ذا الوجهين الملتزم التقي بالنهار والباحث عن المتعة في الليل، بالإضافة الي مجموعة من العاهرات والمتشردين واللصوص فكانت حياة القاهرة كناية عن المجتمع الإنساني كله.

إن نجاح الثلاثية أعطي الثقة لمحفوظ الذي عاش في الخمسينيات فترة من خيبة الأمل في أعقاب ثورة 2591. روايته أولاد حارتنا تم منعها في مصر عام 9591، حيث نري فيها شخصيات تتشابه مع الأنبياء موسي وعيسي ومحمد. ولكن محفوظ لم يعترض علي هذا المنع حرصًا منه علي عدم إثارة المشاكل. «رغم أن أولاد حارتنا لا تمس الدين فلن انشر هذا الكتاب طالما أن الأزهر يعترض عليها فمصر تعاني من كثير من المشاكل، لا أريد أن أضيف إليها مشكلة جديدة».

هذا الموقف الحذر المعتدل لم يمنع انتشار الكتاب الذي كان يباع علي الأرصفة وفي الخفاء في نسخة طبعتها دار نشر لبنانية.

زوج وأب لابنتين، فاطمة وأم كلثوم تيمنا بالمغنية الشهيرة، لم ينقطع نجيب محفوظ قط عن الكتابة. كان أساتذته كبار الأدباء العالميين مثل تولستوي، بروست، جوته، تشيكوف وبعض الأدباء المصريين أيضا أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم وعباس العقاد. إن استخدامه المميز للغة العربية جعل منه أول المجددين في تاريخ الأدب. يعتبر نجيب محفوظ واحدًا من مؤلفي الرواية العربية الحديثة، فقد استطاع أن يجدد اللغة المكتوبة لتلائم وصف العالم الحديث. كان مخلصا لسكان القاهرة الذين شكلوا مادة كتبه فلم يكن يستطيع أن يصف حياتهم اليومية بلغة عربية فصحي ولم يكن يستطيع أأأأن يضع علي شفاهم الجمل الموزونة التي نجدها في الكتب وليس في الشارع.

فشوارع القاهرة حيث تكثر المقاهي وتتضخم الحكايات نجدها في روايات محفوظ السبع والثلاثين وقصصه القصيرة التي نشرها في 31 مجموعة. كتب للتليفزيون والسينما أكثر من 52 سيناريو أخرجها العديد من كبار المخرجين مثل يوسف شاهين (صلاح الدين، عام 3691) وصلاح أبوسيف، هذه الأفلام ساهمت أكثر من كتبه في بناء شهرته. كثير من كتاب الرواية أمثال صديقه وكاتب سيرته الذاتية جمال الغيطاني اتبعوا أسلوب كتابته.

أما آخر المراحل الأدبية لنجيب محفوظ فكانت فلسفية أكثر وكانت أحيانًا متأثرة بتقنيات الرواية الفرنسية الحديثة.

كان حصول نجيب محفوظ علي جائزة نوبل الأدب عام 8891 وهو في السابعة والسبعين من عمره تتويجًا لأعماله التي بلغت العالمية والتي رصدت تطور المجتمع المصري. يذكر أنه كان أول أديب عربي يحصل علي هذه الجائزة. لكن الأديب لم يذهب إلي السويد للحصول علي جائزته، فهو لم يسافر قط حتي الكلمة التي كتبها وسلمها لصديقه محمد سلماوي ليلقيها نيابة عنه تعد من أهم الكلمات الملقاة أمام الأكاديمية الملكية باستكهولم: «نحن في عصر القادة المسئولين عن الكرة الأرضية. أنقذوا المستعبدين في الجنوب الإفريقي، أنقذوا الجائعين في إفريقيا، أنقذوا الفلسطينيين من الرصاص والعذاب بل أنقذوا الإسرائيليين من تلوث تراثهم الروحي العظيم، أنقذوا المديونين من قوانين الاقتصاد الجامدة». هل مازالت هذه الكلمات تنطبق علي ما يحدث في عالمنا اليوم؟ في كل الأحوال، فهي تخرج عن نطاق ما نعتاد سماعه.

لم يتزحزح نجيب محفوظ قط عن آرائه السياسية ولم يتردد في التعبير عنها. كان يقول عن الإسلام «يجب علي الأئمة أن يعطوا أفضل صورة عن هذا الدين بمحو كل التفسيرات الخاطئة التي صنعتها مجموعات تجهل حقيقة الإسلام». لكونه مسلما معتدلا كان نجيب محفوظ مناصرًا للديمقراطية، والليبرالية وخاصة العدالة الاجتماعية. «لا أظن أنه يمكن أن يكون هناك صلة بين الإسلام والإرهاب فالإرهاب هو رفض وجهة نظر الآخر، لكن الإسلام دين حرية».

مثل هذه الآراء لم تكن دائمًا ترضي البعض في عام 9891، نشرت صحيفة المساء رواية «أولاد حارتنا» في حلقات مسلسلة بعد ثلاثين عاما من إصدارها الأول، مما أثار غضب الإمام الكفيف الشيخ عمر عبد الرحمن، العضو السابق في جامعة الأزهر والذي اتهم محفوظ بالكفر وأصدر فتوي تهدر دمه.

لكن محفوظ لم يبال ولم يفكر أن يستعين بحراس لحمايته. لقد اعتاد علي الحرية وعلي احترام القاهريين. وفي الرابع عشر من أكتوبر عام 4991 كان محفوظ ذاهبًا كعادته إلي مقهي قصر النيل من أجل مناقشة ادبية فهاجمه رجلان ينتميان إلي الجماعة الإسلامية المتشددة طعناه مرتين من الخلف. نفذ السكين من رقبته فسقط علي الأرض. بمحاولة قتل رجل عجوز يناهز عمره الثالثة والثمانين كان محمد ناجي مصطفي ومحمد محلاوي ينفذان رغبة قائدهما الروحي، الشيخ عمر عبد الرحمن الذي يقضي الآن عقوبة السجن مدي الحياة في الولايات المتحدة لاتهامه في التفجيرات الأولي ضد مركز التجارة العالمي.

لكن نجيب محفوظ لم يمت بسكين التطرف. فهو يدين بحياته لهؤلاء الرجال العاديين الذين سارعوا بالتبرع له بدمائهم بالرغم من أن الحادث أثر علي صحته العامة إلا أن لم يفقد شيئًا من حيوية ذهنه ومن صراحته. إن محفوظ لم يدافع قط عن الإرهابيين ولم يكن من أنصار نظرية القوة. في عام 1002، أدان أحداث الحادي عشر من سبتمبر تمامًا كما أدان التدخل العسكري في أفغانستان. كان يقول «يجب أن نتحلي بالأمل، لا أحد يمكن أن يحارب الي الأبد إلا إذا كان مجنونًا. لكني لا أفهم: لماذا تحارب الولايات المتحدة وهي تمتلك كل الثروات وكل موارد العالم؟ وأضاف: «إن قصف المدنيين الأبرياء وزرع الخوف ليس إلا استعراضًا للقوة العسكرية تغذي من خلالها الولايات المتحدة عوامل انتشار الإرهاب». نجيب محفوظ لم يكن يستطيع بل لم يكن يريد أن ينال إعجاب الناس جميعًا. كثير من الناس انتقدوا مساندته لاتفاقية كامب ديفيد التي أرست السلام بين مصر وإسرائيل، لكنه سيظل ذاكرة زمن كانت فيه «المقاهي» هي الشرايين التي تجري فيها دماء القاهرة ومنشد شوارع الجمالية الصاخبة. إن صورته تزين عدة طوابع مصرية. إذا كان نجيب محفوظ قد اختفي من حياة مدينته الساهرة فإن صوته سيظل حيا في قلوب القاهريين تمامًا مثل ضحكته الشهيرة، فحرافيش محفوظ ينتمون اليوم لتاريخ مصر.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04523 seconds with 10 queries