رحيل محفوظ في الصحافة العالمية
منذ رحيل نجيب محفوظ في نهاية أغسطس 2006 لم تتوقف الصحف الأجنبية عن الإشادة به بإعتباره المعبر الأول عن ضمير شعبه ولسان حاله، فقد إختارته مجلة «تايم» الأمريكية أخيرا ضمن أهم الشخصيات ذات التأثير الواسع علي الحياة في فترة الستين عاما الأخيرة، وقبلها أفردت له كبريات الجرائد والمجلات العالمية صفحاتها معددة إنجازاته الأدبية التي أعترف بها العالم أجمع، حيث ترجمت أعماله إلي 39 لغة، وحصل علي أرفع الجوائز والأوسمة الأدبية من مختلف دول العالم.
وهذه بعض مقتطفات مما نشرته الصحف والمجلات العالمية عن نجيب محفوظ.
جريدة لوموند، 13 أغسطس 6002
LE MONDE
نجيب محفوظ.. الصوت الحر
بقلم: رافائيل ريرول
الأديب المصري نجيب محفوظ الحاصل علي جائزة نوبل للآداب توفي يوم الأربعاء 03 أغسطس بالقاهرة عن عمر يناهز 49 عامًا.
لا يبدو أن شيئًا كان بإمكانه أن يؤثر في هدوء أعصاب نجيب محفوظ الأنيق، لا الزمان ولا العنف ولا أيضًا النجاح الذي جعل منه عام 8891 أول عربي يحصل علي جائزة نوبل في الآداب. هذا الرجل العجوز النحيل الذي كانت تحجب وجهه نظارة ضخمة وداكنة كان يبدو ثابتًا لا يزعزعه شيء: ألم ينج وهو في الثالثة والثمانين من عمره من الطعنات التي وجهها له أصولي مسلم في أحد شوارع القاهرة يوم 41 أكتوبر 4991؟
أشهر كتاب العربية المعاصرين توفي يوم الأربعاء 03 أغسطس في أحد مستشفيات القاهرة إثر مضاعفات نتجت عن سقوطه بشقته في منتصف يوليو. الكاتب الذي ألف أكثر من خمسين رواية وقصة قصيرة والذي يعتبر أكبر مجدد في الرواية العربية توفي في مسقط رأسه، المدينة التي كانت بأحيائها وسكانها في قلب أعماله.
في الجمالية، الحي الشعبي القديم حيث رأي النور عام 1191 تولد عشقه للمدينة التي كان مقررًا لها أن تأخذ، بقلمه، ملامح شبه أسطورية. نشأ محفوظ في أسرة من الطبقة المتوسطة وأمضي أول ثمانية أعوام من حياته في هذا المحيط الذي يعج بالحياة حيث يتجاور البرجوازيون مع اللصوص ومع أصحاب الحرف، والعاهرات والمتسولين. في هذا المكان تلقي دروسه في المدرسة القرآنية، في هذا المكان أيضًا شهد في عام 9191، انتفاضة سكان القاهرة ضد الإنجليز وأخيرًا في هذا المكان شعر مبكرًا أن قدره في الأدب عشق متعقل ولكنه استغرقه تمامًا وقد كرس له حياته بقوة وبدقة أسطورية. محفوظ الذي كان يعمل موظفًا في الصباح وروائيا بعد الظهر انتج أعمالًا يمكن تقسيمها بيانيا علي ثلاث مراحل بعد الروايات الفرعونية في بداياته (روايات كتبها رجل لم يزر قط المواقع الأثرية الكبري في مصر لرغبته في ألا يغادر القاهرة) جاءت الروايات الحديثة التي اندرجت تحت الواقعية. وقد بدأت بالقصص الثلاث المجمعة تحت اسم الثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق والسكرية والتي ظهرت لأول مرة عام 6591 ونشرت في فرنسا لدي دار نشر لا تيس) ويتناول فيها الكاتب الأحداث التي تعرضت لها أسرة قاهرية علي مدار النصف الأول من القرن العشرين. في هذه الروايات كما في روايات أخري «أغنية الشحاذين» lachanson des gueux و«عندما يأتي المساء» viennclanuit جعل المؤلف من الزمن شخصية كاملة مستقلة بذاتها تنظم التطورات أو الثورات التي تحول شيئًا فشيئا قدر مجموعة من البشر.
ثم جاءت بعد ذلك روايات تُسمي «فلسفية» تهتم أكثر بالأفكار وتتأثر جزئيا بتقنية الرواية الحديثة. أثناء ذلك عاش محفوظ فترة صمت امتدت لسنوات عديدة وكانت محنة شديدة الإيلام لشخص كان لا يستطيع أن يتصور الحياة بدون الكتابة، كان محفوظ قريبا من الجناح اليساري لحزب الوفد عندما قامت ثورة يوليو 2591 التي جاءت بجمال عبد الناصر رئيسا في نوفمبر عام 4591، وشعر بالسعادة لنجاحها، كما أوضح في أحاديثه مع جمال الغيطاني ولكنه سرعان ما شعر ـ وهو الرجل الذي كان مؤيدًا للديمقراطية والعدالة الإنسانية ـ بخيبة أمل بسبب توجهات هذه «الثورة» فلم ينتج أي كتاب في الفترة ما بين 2591 و5591 وقد أكد قائلا:ً «لم يتغير شيء في حياتي ولكن بدا لي الأمر وكأني قد فقدت شخصًا عزيزا علي، المجتمع الذي كنت أقوم بسبر أغواره كان قد مات وأنا معه. كانت تلك سنوات مخيفة».
محفوظ الذي كان معتادًا علي التعبير عن رأيه بصراحة، لم يتردد مع ذلك في أن ينتقد الحكم وانحرافات المجتمع ما إن عاود الكتابة خاصة في اللص والكلاب (سندباد 5891) وميرامار (دونويل 0991). علي مائدة المقهي الذي كان يلتقي فيه أسبوعيا لمدة عقود بأصدقائه كان يتناقش معهم في قضايا الأدب والسياسة، فهو لم يكف يومًا عن الاهتمام بالوضع في بلاده. وفي السنوات الأخيرة عندما أصبح نظره شديد الضعف ولم يعد يستطيع أن يعتمد علي نفسه تمامًا كان يدع أحد معارفه يقرأ له الصحيفة كل يوم.
محفوظ الذي كان متحررًا من كل تشيع، لم يكن يتسامح مع أي رقابة لا في السياسة ولا في الأدب لذلك لم يتردد في أن يتحدي المحظورات الدينية في أحد أعماله التي أثارت ضجة «أولاد حارتنا» التي ظهرت في فرنسا تحت عنوان «أبناء المدينة» (سندباد، 0991) الكتاب يظهر في إحدي حارات القاهرة شخصيات مستوحاة من آدم، موسي، عيسي ومحمد تحت أسماء يسهل التعرف عليها تمامًا. وهي شخصيات شجاعة حقًا ولكنها غير قادرة علي بناء عالم أفضل علي عكس وجه رمزي أخر يمثل «السحر» أو بمعني آخر العلم. وقد نشرت القصة أولا علي حلقات في جريدة الأهرام اليومية الكبري عامي 8591ـ 9591 ولكن سلطات الأزهر تلك الجامعة القاهرية المعنية بالسلوك الديني حظرتها ولكن هذا لم يمنع الكتاب من أن يكون مقروءًا بغزارة في العالم العربي أجمع من خلال قرصنة الكتب، حيث ظهرت طبعة مسروقة في لبنان. وقد تعرضت أجزاء كبيرة من أعمال محفوظ للقرصنة خاصة بعد منعها رسميا بعد أن اتخذ صاحبها موقفًا لصالح السلام مع اسرائيل، لذلك فهو لم يكن حصل إلا علي جزء يسير من حقوق النشر قبل حصوله علي جائزة نوبل وما تبعها من ازدهار لنشر كتبه.
والواقع أن هذا الكتاب (أولاد حارتنا) هو الذي أثار غضب الأصوليين عام 4991 عقب نشره من جديد مسلسلاً في إحدي الصحف اليومية.
وقد طالب الأزهر بمنع النشر وبسحب النسخ المطروحة أيضًا وارتفعت الأصوات مهددة الكاتب ووافق محفوظ علي عدم إعادة النشر ولكنه رفض سحب النسخ من التداول، وقد رفض أيضًا العرض الذي قدم له بأن يصاحبه حارس، واستمر في التنزه بدون حماية في شوارع المدينة التي حملها بروعة الي مرتبة البؤرة الكونية.