عرض مشاركة واحدة
قديم 14/01/2008   #63
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


البطولة الرواقية في الروايات الواقعية

عند توماس هاردي ونجيب محفوظ


دراسة الدكتورة كلارا براندابور


تلخيص وترجمة: أيمن فواد رضوان


سادت لدي الإغريق نظرية في سيطرة العقل علي العواطف والانفعالات، فنجد في «إليازة» هوميروس ـ والتي أثرت بشكل جوهري في محاورات أفلاطون ونظرية أرسطو في الأخلاق ـ حكاية عن غضب أخيلس Achilles، كمثال لمحاولة تفادي الغضب والسيطرة عليه، وفي هذه الملحمة اجتهد هوميروس من أجل تبيان ذلك الخيط الرفيع، والذي يعبر عن رؤيته لانحدار حضارة اليونان بعد حروب طروادة، وما سببته من فوضي، وخروج الانفعالات من سيطرة العقل عليها في سلوك اليونانيين.

وعلي مر تاريخ الفلسفة بكل مذاهبه المتعددة، ومناهجه الثرية كان هناك مذهب حاول اكتساب واسترجاع تلك السيطرة العقلية في مجال الانفعال والسلوك بشكل عام، وهو المذهب الرواقي «stoicism»(1)

لقد أصبحت مهتمة منذ سنوات عديدة بالروائي «توماس هاردي» وطريقة رسمه للشخصيات داخل رواياته، تلك الطريقة التي تمثل طرازا فريدا في التعامل مع كل ثراء تلك الشخصيات المتعدد والمتغير، ولسوف نحاول التدليل علي أن توماس هاردي قد تأثر بالنموذج الرواقي في رسم أبطاله، بل كان يوظف بوعي هذا النموذج داخل رواياته، خاصة من الفترة التي تمتد منذ عام 1874 الذي ظهرت فيه الطبعة الأولي لروايته «بعيدا عن الجماهير الغاضبة» Far From Madding Crowd»، وحتي عام 1895 الذي ظهرت فيه روايته جودي المغمورة Jude The Obscure، وكذلك يتضح ذلك النموذج الرواقي من خلال رسائله ومذكراته في تلك الفترة، مما يؤكد أن حيازته لهذا المفهوم الأخلاقي واضحة منذ بداية الفترة، وتمثلها الروايات خير تمثيل، وربما تسبب ذلك في انتقادات عديدة من النقاد مثل فورستر E.M.Forsterالذي أكد أن حبكة الرواية عند توماس هاردي تحتوي علي حتمية مفرطة خاصة في رواياته الأخيرة، لكن لو نظرنا لآخر خمس روايات كتبها هاردي متأثرا بالنموذج الرواقي الخلقي، فسرعان ما نلاحظ إخفاق أبطاله في بعض الأحيان، كما كان يخفق الرواقيون من قبل، ولكننا سنجد بعض الشخصيات الأخري التي تمثل النموذج الرواقي خير تمثّل، مثل Michael Henchard الذي احتل مقدمة رواية عمدة كاستر بريدج The Mayor Of Caster Bridge بكل تراكمه التراجيدي بينما اليزابيث جين Elizabeth Jane تلك الفتاة الوديعة ذات النسب المشكوك فيه كانت تعلم نفسها اللغة اللاتينية، واكتسبت الفضيلة «الرواقية» بذاتها.

أما عن أكثر الشخصيات تمثلا للنموذج الرواقي في الحياة، فكان بلا شك «جابريل أويك» Gabrial Oak الذي كان علامة مميزة في كل أعمال توماس هاردي ذلك الشخص الذي صبر علي فقدانه لكل ثروته، ورفض محبوبته لعرض الزواج منه.

ولكن في النهاية تعود له ثروته وينال حب فتاته (2) بينما هناك شخصيات أخري أكثر مأساوية رسمها «هاري» مثل «Eustacia Vye» في رواية «Return of The Native» وجودي Jude في الرواية العظيمة «جودي الغامضة» «Jude The Obscure».. هذه الشخصيات التي اتجهت نحو تدمير ذاتها، بسبب إخفاقها في وضع حدود لرغباتها وانفعالها في العالم الواقعي، ويمكن أن نقول: فشلوا في السيطرة علي انفعالاتهم عن طريق العقل كما يعلمنا التقليد الرواقي.

عندما بدأت قراءة أعمال نجيب محفوظ الواقعية لاحظت علي الفور حضور ذلك النموذج الرواقي في العديد من شخصيات نجيب محفوظ الروائية، كما لاحظت التماثل في بناء شخصياته مع بناء شخصيات توماس هاري، فنجد أمينة ـ الأم والزوج في ثلاثية نجيب محفوظ ـ تلك الشخصية المهمة ذات الدلائل الفسيحة والرحبة، وإن كان ما بدا لي أكثر أهمية ـ ليس مجرد احتجازها في المنزل، ولا تضاؤل حقوقها، وتقديمها فروض الطاعة والولاء للسيد أحمد عبدالجواد ومعاقبته لها بوحشية.. الأمر الأكثر أهمية في شخصيتها في ظل تلك الظروف المحددة والمعوقة لها هو امتلاكها تلك الحرية الداخلية، والتواؤم الطريف مع كل القوانين الحتمية التي تحكم حياتها.

هذه الفتاة الخجول التي تزوجت السيد أحمد عبدالجواد وهي لم تتعد الخامسة عشرة عاما تلك الفتاة التي تقاربت بشكل رائع مع الجن الذي ظنت أنه يسكن البيت القديم، كنوع رواقي في السلوك تتجاوز به مخاوفها وتتعلم بذاتها كيف تصنع من عزلتها شيئا بديعا.

وبالمثل مع «حسين» الأخ الأوسط في رواية «بداية ونهاية» هذا الشاب اليافع الطموح الذي كان يريد استكمال دراسته، لكنه أحبط بعد أن علم حالة عائلته المادية، فلم يرض الانسحاب من أحلامه فقط والاستسلام للقدر بل حاول أن يعدل من أهدافه النبيلة، فعمل في وظيفة بسيطة في محافظة بعيدة، وأكد لنفسه أنه بذلك يمهد الطريق لأخيه الأصغر، ويساعد أمه علي تكاليف الحياة، وحتي عندما حانت له فرصة الزواج وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، تأتي أمه علي ميعاد ـ كأنها علي لسان حال القدر ـ لتذكره بضرورة بذل جهد أكبر لتدعيم حالة عائلته ماليا.

وفي زمرة الأحداث بعد أن يغرر أخوه الأصغر بابنة الجار القديم يظهر حسين ليصلح خطأ أخيه ويتقدم لزواج الفتاة ويحفظ ماء وجه العائلتين.

لاحظ هنا العامل المشترك بين «أمينة» و «حسين» هو تلك البساطة والبهجة الداخلية التي تتعامل مع ظروف صعبة بالفعل، ويتوقع القارئ منها السخط والشراسة والكآبة.

من أهداف هذه الدراسة تبيان أوجه التماثل بين العديد من شخصيات الرواية الواقعية عند توماس هاردي ونجيب محفوظ، كما تهدف إلي تحليل المبادئ الأخلاقية والتي علي أساسها نستطيع تفسير سلوك هذه الشخصيات، وكذلك معرفة جماليات وقيمة هذه الشخصيات، كذلك نحاول تفسير ذلك الرنين الهارموني Harmonic resonances الذي يسمعه القارئ بوضوح بعد قراءة أعمالهما.

ذلك الرنين المتآلف الذي تكلم عنه E.M.Forster في تحليله الأخير لرواية «الحرب والسلام» لتولستوي قائلا:

«بعد أن يقرأ أحدنا رواية الحرب والسلام يبدأ علي الفور في سماع تآلفات جميلة، وإن كان لا يعرف مصدرها بالتحديد هل هو الحكاية ذاتها.. لا أظن ذلك، ولا أحداث الرواية، ولا شخصيات الرواية، إن هذه التآلفات تأتي من المساحة الواسعة والممتدة لروسيا، تأتي من فوق كل الأحداث والشخصيات، تتدفق من مجموع الجسور والأنهار الثلجية، الغابات والطرق، الحدائق والحقول، كل ذلك يتراكم بجلال وفخامة بعد أن نمر نحن عليه..

إن المكان هو بطل الحرب والسلام وليس الزمان (3)

وتهدف كذلك الدراسة إلي الوقوف علي تلك التآلفات التي تكلم عنها «forster» عن الروايات الواقعية عند توماس هاردي ونجيب محفوظ.. هذه الأصوات التي نسمعها من خلال صراع شخصيات الرواية من أجل الحياة، ولنذكركم بما قاله «أرسطو» في كتاب الشعر: «إن المشاهدين لا يستمتعون برؤية أبطال أشرار تتم مكافأتهم، ولا رؤية أبطال خيرين بالفعل تتم معاقبتهم..» إن التراجيديا في الأساس تتكلم عن بطل خير يؤمن بإمكانية انتصاره علي الفاسد في طبيعته، إنه البطل الذي يعاني من أخطائه المخلة بتوازنه الطبيعي والنفسي.

وفي حالة توماس هاردي ونجيب محفوظ فنجد أبطالها طيبين، لكنهم يعانون ظروفا غير عادلة أو مألوفة أكثر من شخصيات الرواية الأخري، وفي بعض الأحيان نجد أن الشخصية الأكثر جمالا والحائزة علي كل الإعجاب هي تلك التي تعاني وتقاسي، ثم تنتصر دون أن تكون بؤرة الاهتمام مثل الزهور الجبلية التي تولد وتنمو وتتفتح وتذهب رائحتها دون أن يراها أحد.

وأعتقد أن التآلفات الكبري والتي تبدأ في السماع داخل وفي ـ أو حتي لا وعي ـ القارئ لأعمال هاردي ومحفوظ في الأساس تآلف وصدي يتخبط ومع التفاعل الحادث بين قوي الخير والشر، الجبر والاختيار في نسيج خصب تمثله الرواية بعمق إنساني رائع، ولسوف أؤكد ذلك عن طريق دمج هذه التآلفات بفكرة البطل الرواقي، مما يجعل من هاردي ومحفوظ يبحثان بنفس المبادئ علي الرغم من التنوع والمغايرة.

ونؤكد بتلك الدراسة أن أوليات المبادئ الرواقية والتي نجدها في شخصيات هاردي ومحفوظ هي كالآتي:

1ـ سيادة الحياة الداخلية للعقل، والذي يهذب الانفعالات، ويحقق بذلك السعادة.

2ـ عدم أهمية العوامل الخارجية مثل الجاه والمال في تحقيق السعادة.

3ـ الإيمان بتناغم العالم والكون بحيث يجب علي الإنسان أن يكافح من أجل الحياة، فلا شيء يحكم مسيرة أفعاله.

4- أخيرا علي المرء أن يعيش يومه كما لو كان آخر أيامه علي الرغم من اتساع الزمان اللانهائي.

كيفية التأثر بالنموذج الرواقي:

لا تهدف الدراسة أن تركز علي متابعة تأثر هاردي ومحفوظ بالفلسفة الرواقية، حيث إن التقليد الرواقي قد تغلغل عبر تدفق الحضارات والثقافات المؤسسة لأفكار هاردي ومحفوظ، فلقد مثلت الرواقية مثلثا خلقيا وعقائديا مع مدرسة «سينكا» والمذهب الأبيقوري، وإن كانت الرواقية اتخذت موقعا أكثر سيطرة من المذاهب الأخري، وكانت ـ الرواقية ـ هي التيار الأساسي لكل التعاليم الأخلاقية في الشرق، كما هو الأمر ـ إن لم يكن أكثر ـ في الغرب.

فلقد أكد سينكا أن كل الرغبات الإنسانية تهلك أو يتم إحباطها وعلي الإنسان الحكيم أن يضع حدودا لرغباته ـ كلما أمكن ـ وذلك عن طريق إيمانه بالأشياء التي بها يتجنب الألم، والأبيقوريون أكدوا تجنب الإفراط، وأن السعادة تحصل عن طريق كبح جماح الغرائز بقدر الإمكان، بل إن «أرسطو» نفسه أشار إلي أن السعادة الحقة هي نتاج التدريب علي العفة والإنسان يصبح معتدلا إذا تصرف باعتدال، ويصبح شجاعا إذا تصرف بشجاعة.(4)

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06894 seconds with 10 queries