عرض مشاركة واحدة
قديم 14/01/2008   #57
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


غواية الستر

في «أحلام فترة النقاهة»

أحمد سعيد


منذ بدأ نجيب محفوظ يكتب «أحلام فترة النقاهة» والاهتمام يتزايد بها عربيا ودوليا، فقد صدرت في كتاب في فرنسا قبل أن تصدر بالعربية وكتب فيها النقاد الكثير في الداخل والخارج، مقدمين تحليلاتهم المتباينة والمتعارضة. وهذه محاولة لتحليل بعض هذه الأحلام من منظور المدرسة التفكيكية،فما الحلم في علم النفس إلا محاولة من العقل الباطن لتفكيك الواقع وإعادة تركيبه وفق منطق جديد.

تفكيك الحلم 118 من أحلام فترة النقاهة

من بين الأشياء «المحطة ـ الميدان ـ البشر»، حيث إمكانية التخفي تعجز أمام سحر الظهور، فلا مفر من أن يقع النظر علي ساحر الكلمات ويلمح الرجل الذي تردد كلماته الألوف في ميدان محطة الرمل، حيث لا نهائية الكلمات والمعني، وإمبراطورية الرمز، محطة تقاطع، وفوضي الخطوط الرملية وأثر عصا عراف الكلمات، وفضائية الدلالات، تلك المحطة التي تحمل كل مدارس المعرفة «طيبة ـ أثينا ـ روما ـ الإسكندرية ـ الجمالية» هنا رمل المعرفة اللانهائي وامتدادها الدلالي، والزحام دال علي تشظي المعرفة، وغياب المعني، وفوضي الدلالة، فتختفي قراءة وفردية المعني في زحمة الكلمات والأشياء ويلمح الرائي في ناحية ميدان الكلمات الرجل الذي تردد كلماته الألوف مؤلف النص، حامل الكلمات، كاهن وساحر القبيلة، وأنه يحاور، ويجادل، يغير، ويبدل، ينسج خيوط الحكي والحكايا، ويغازل غانية الأسئلة والتساؤلات ويغازل غانية الوجود، غانية المعني، مثيرة الدهشة والشهوة واللهث وراء المجهول الوجودي في الكلمات والأشياء والمعاني والوجود والإنسانية.

هي إيزيس التي تخصب الكلمات، هي غانية لذة النص ودفء الإثارة العقلية ويهمس الحالم الرائي ويشفق علي ابتلائه بغواية الكلمات والأشياء، فيأمر الرجل الذي تردد كلماته الألوف بالستر، فليس كل ما يعرف يقال، والحقيقة «امرأة» مُرة، وآفة حارتنا النسيان فهي لا تحتمل غواية غانية الكلمات وفوضي التساؤلات وتخشي حرافيش المعاني، فالكتابة ابتلاء لكل ما هو مألوف وأليف ويقيني، يهمس في أذنه بالستر لأن غواني الأسئلة تخاف حارتنا من غزلها فمن ابتلي بداء الكتابة فعليه بستر المعني خوفا من صليب التابوهات ومصير الحلاج ولأنه الرجل الذي تردد كلماته الألوف الذي يعرف سر الكلمات ويمتلك شفرات سحرها، ومفاتيح بوابات الدوال، والدلالات والإشارات، والسياقات، فهو يعرف أن الستر قلب الغواية، والغموض وسحر اللفظ والمجاز أبو المعني فيجيب نصحه هل ثمة ستر أقوي من ملابسها؟ فهل أقوي من ستر غواية اللغة بالحكي، الرواية، واللفظ يقصر عن المعني، فهل ثمة ستر في ميدان محطة الرمل المزدحم بالبشر أقوي من ملابسها «كلماتها..» ؟!

الشاهد والشيخ

تفكيك الحلم 123

الليبرالية والتنوير

يتجول الحالم ـ الرائي ـ الراوي في ميدان الأوبرا، يدخل مقهي الحرية الذي يجده خاليا من رواده عدا الشيخ مصطفي عبدالرازق يقرأ أوراقا بين يديه، فيتقدم الراوي الحالم سعيدًا بلقاء الأستاذ الشيخ، لكن الأستاذ الشيخ يتجهم في وجهه ويخبره أنه وجد اسمه بين شهود الإثبات فلم يدر الراوي الحالم ماذا يقول ولا كيف يعتذر؟!

دوال الحلم (ميدان الأوبرا ـ مقهي الحرية ـ الشيخ مصطفي عبدالرازق ـ أوراق الإثبات ـ الراوي) ودلالات الإشارات تثير التساؤلات، ويطرح لاوعي النص ـ الحلم عالما من المعاني والدلائل.

موقع الحالم/ الرائي / الراوي:

تتنوع وضعية الحالم / الراوي عبر تشكيلات الحلم / النص فهو أحيانا يروي من الخارج كأحلام الدلالة السياسية والاجتماعية لبعض الأحداث والشخوص، وتارة يشارك في جزء من الحدث داخل الحلم كأحلام المفارقة، والرمزية الشديدة، وأضواء الذات البعيدة، وأحايين كثيرة يروي بضمير المتكلم ويكون أحد أبطال ذلك الحلم إذا كان الحلم يحمل الرغبة في الوصول إلي حقائق البنية المعرفية.

سيكولوجية، سيمولوجيا النص/ الحلم:

يفتح النص والحلم بالإشارة إلي «ميدان الأوبرا» وهي إشارة دالة، ورمزية واضحة للتأويل، فالأوبرا هي رمز للتحديث، ودال علي خطوات التحديث، وبناء الذات، وتكوين بنية معرفية جديدة واصطناع خطاب تنويري تكون ريادته لرموز الفن، فتنشأ الأوبرا كخطوة علي طريق التحديث، وحركة تقدمية لتجديد العقل، والروح علي الرغم من أنها وليدة عصر الحداثة الأوروبي، فهل تكون الأوبرا بنت البرجوازية ميدانا عندنا؟!

«دلالة مقهي الحرية الخالي المُفارِقة»

وشفرة مقهي الحرية الخالي تدل علي حضور معانٍ كثيرة، فالأثر الذي يشير إليه المقهي حيث الوضعية الاجتماعية للمقهي في بنية المجتمع المصري، كمكان للاجتماع والتداول والمناقشة في مختلف الموضوعات الشخصية الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الدينية، بل والتأمل ومرور وقت الفراع، فهي تحمل في لاوعي المجتمع تقاطع المعاني من البرلمانية الشعبية إلي الفضفضة الذاتية، والتأمل في كل شيء، ودال الحرية يشير إلي المعني الحاضر من الدلالة علي الحداثة، والديمقراطية، الليبرالية الاجتماعية والسياسية، والتنوير، والمجتمع المدني، وتداول السلطة، والشفافية، وحرية التعبير، والاعتقاد، وحرية الصحافة، فمقهي الحرية مزدحم بآليات الحداثة، وأشكال التحديث. لكن مقهي الحرية «قيم الحداثة» يخلو من رواده التنويريين الأحرار، والراوي الحالم حين دخل مقهي الحرية (المجتمع، الوعي، التاريخ، الثقافي) وجده خاليا من رواده التنوير والعقل الواعي للمجتمع المصري، فالخلو يحمل تشكك الراوي «نجيب محفوظ» في تاريخية التنوير، والليبرالية، ويخلو مقهي الحرية من أي أثر لرواده التنويريين في أحداث وتشكيل الحداثة، وصنع التحديث، خلو المقهي (المجتمع - التاريخ) من أرضية ثقافية واجتماعية، وتراكم للتقدم، وغياب الرواد في المقهي ـ مجتمع لا يراكم معرفته، ولا يستقرأ خبراته، ولا يستنبط من تجاربه ولم تنشأ مادية تاريخية يستطيع المجتمع أن يراهن بها علي حداثته، فتصبح الحرية والليبرالية سرابا ويخلو المجتمع من رواده الأحرار، وأثرهم رغم المحاولات التي كأنها كانت تحرث في بحر، وصراخهم الذي كأنه في صحراء جرداء فلا يتردد غير صدي أنفسهم.

«الشاهد والشيخ»

وتأتي دلالة الاستثناء من الغياب بالحضور للشيخ مصطفي عبدالرازق رغم خلو المقهي من الرواد، ولا مراوغة بالتأويل، فالشيخ رمز ليبرالي من رموز التنوير، وأحد الأساتذة المؤثرين في وعي الراوي، فلماذا بقي الشيخ في المقهي الخالي من الرواد، ويجلس وحيدا يقرأ أوراقا؟!

الشيخ هو الوحيد الباقي في مخيلة النص، وزاوية الثقافة، فأستاذ الفلسفة حاضر دون بقية الرواد لأنه يمثل مجتمعا وعصرا حمل تنويره مشايخ، فحضوره تجسد لصيرورة الثقافة التي يمثلها مقهي الحرية «المجتمع» ورواده الغائبين «البنية المعرفية» والتنوير، والليبرالية التي حاولت التوفيق بين أصالة الذات، وحداثة العصر، فيكون حضوره تعبيرا عن مأزق الحداثة «خلو المقهي» الجدلي لتصير المواجهة بين الرائي، والشيخ، بين التلميذ والأستاذ، ورغم حميمية اللقاء وبهجة التلميذ، لكن الأستاذ يتجهم في وجهه لأن التلميذ اسمه بين شهود الإثبات مدون في الأوراق أمامه فهل تكون رمزية الأوراق هي روايات الحالم؟ وتكون هي شاهد الإثبات علي ما كان، علي اعتبار أن التلميذ ـ الحالم ـ الراوي هو شاهد علي الذي تكون أثناء رحلته من ميدان الأوبرا «بداية التحديث» إلي مقهي الحرية «المجتمع المدني» الحالي وتكون الثلاثية، وأولاد حارتنا، والمرايا، ثرثرة فوق النيل هي أوراق الإثبات التي قرأ الأستاذ اسم التلميذ فيها بين شهود الإثبات، ويصبح الشيخ الأستاذ أيضا متهما بحضوره الجدلي في المقهي الخالي من الليبرالية والليبراليين؟ ولم ينف الراوي التلميذ ـ الحالم «نجيب محفوظ» شهادة إثباته علي الشيخ وكيف يقول، ويعتذر عن وقائع، أحداث، وثقافة عاشها، وعايشها، ولم تنتج في النهاية حرية أو روادا، كيف يعتذر عن مجتمع، وذهنية، وثقافية، لم يستفيدوا من ريادة الشيخ؟ وشهادة الرائي والشاهد في النص هو ضمير المجتمع، والشيخ هو واقع المجتمع الذي كانت فيه الليبرالية وهما، والليبراليون سرابا..

فماذا نقول.. وكيف نعتذر..؟!

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04939 seconds with 10 queries