عرض مشاركة واحدة
قديم 11/01/2008   #45
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


وهكذا نجد أن الحارة مكان شمولي، بل عالمي في أدب نجيب محفوظ، إنها شريان الأحياء الشعبية، ولذلك فإنها في حي الحسين لعبت هذا الدور سواء في الثلاثية وغيرها.

ولذلك فإن الحارة المصرية بمعناها الشمولي لا تكون بهذا النمط إلا إذا كانت كائنا شعبيا أصيلا.. وتمثل عينه عشوائية للسلوك الإنساني بطبيعته المتسمة بالتلقائية.

ومن ثم لعبت الحارة المصرية في أدب نجيب محفوظ دورًا مؤثرا في أعماله الأدبية البارزة «حكايات حارتنا» التي صدرت عام 1975 والتي سبقها بروايته «الكرنك» عام 1974 تلعب الحارة دورًا رئيسيا في المجتمع المصري، بل أرادها نجيب محفوظ البديل الموضوعي له لأكثر من سبب... أولهما كما ذكر أنها تمثل التركيبة الشمولية البنيوية للمجتمع المصري في نواته الأصيلة.. ثانيا أنه قد عاش هذه البيئة، ولم ينفصل عنها خلال مراحل إبداعه... ومن ثم فهو قد مضي برؤيته الخاصة ليرصد مؤشرات التغيير الاجتماعي داخل هذه البيئة، خصوصا أنه يتلقف منها أنماط الشخصيات الروائية المألوفة للمتلقي مثل «عباس الجحش، الصعلوك، والمتسول، ابن عيشة».

وأن تأمليات نجيب محفوظ في البيئة الشعبية، ورصد المستجدات والمتغيرات، هو ما حقق ما عرف به نجيب محفوظ كصاحب مذهب في الإبداع الأدبي، وهو الواقعية الجديدة، والتي يبسطها مقاربا بينها وبين الواقعية التقليدية.. فيبرزها اتجاهه:

«الواقعية الجديدة الباعثة علي كتابه أفكار وانفعالات معينة تتجه إلي الواقع لتجعله وسيلة للتعبير عنها (3) ومن ثم فإن الحرية عند نجيب محفوظ هي الوسيلة والغاية تكمن فيما تتفجر عنه المعاني والأفكار التي تستغرق شتي المسائل والقضايا الثقافية بالمعني الشمولي للمصطلح: الدين والسياسة والاجتماع إلخ....

فالحارة تقدم زحفا لعلاقات أصيلة لا تنسي، وهذا ما نلمسه في روايته «قلب الليل»

«قلت وأنا أتفحصه باهتمام ومودة:

ـ إني أتذكرك جيدا.

انحني فليلا فوق مكتبي وأحد بصره الغائم، وضح لي من القرب ضعف بصره نظرته المتسولة، ومحاولته المرهقة لالتقاط المنظور. وقال بصوت خشن عالي النبرات يتجاهل قصر المسافة بين وجهينا وصغر حجم الحجرة الغارقة في الهدوء:

ـ حقا!!.. لم تعد ذاكرتي أهلاً للثقة، ثم إن بصري ضعيف.

ـ ولكن أيام خان جعفر (4) لا يمكن أن تنسي.

ـ مرحبا، إذن فأنت من أهل ذلك الحي (5)!

قدمت نفسي داعيا إياه إلي الجلوس وأنا أقول:

ـ لم نكن من جيل واحد ثمة أشياء لا تنسي فجلس وهو يقول:

ـ ولكن أعتقد أنني تغيرت تغيرًا كليا وأن الزمن وضع علي وجهي قناعًا قبيحًا من صنعه هو لا من صنع والدي!».

وما لمسناه في «حكايات حارتنا» وفي «قلب الليل» يستوقفنا أيضًا في روايته «زقاق المدق» (6)

فكما جعل نجيب محفوظ الزقاق عنوانا لروايته الشهيرة، فأيضًا جعله مكانًا تنطلق منه ـ برغم محدويته المكانية ـ السلوكيات وردود فعل الحياة عند الطبقة المتوسطة، التي تكمن في ذلك الزقاق، ففيه تناقضات المجتمع أو الصراع بين واقعين الأول تقليدي والثاني بواقعه الجديد.. وتصبح قهوة «المعلم كرشة» ساحة بما يدور فيها من حوار وعلاقات للكشف عن التغيير الذي يأتي سريعًا علي المجتمع المصري إبان الحرب العالمية الثانية، بل جعل نجيب محفوظ من الزقاق مسرحًا يجمع بين المتناقضات الاجتماعية والاقتصادية، إلي أنماط تتورط مع سائر أشكال الفساد والإفساد داخل الزقاق.

ونجد أن نجيب محفوظ لا يكاد يفلت نمطًا يتلاءم مع مناخ الزقاق، أو قل إنك لا تجد هذه النوعيات إلا في الأزقة مثل زيطة صانع العاهات للشحاذين، وفرج القواد، والمعلم كرشة.

كما تلعب الحارة دورها في إعداد الساحة التي تدور فيها رواية «بداية ونهاية»(7) وكذلك نوعية شخوصها، فإن «عطفة نصر الله» مثل «زقاق المدق» تحفل بأنماط الطبقتين الشعبية والمتوسطة وكلتاهما تحاول التوحد، خصوصا في فترة تاريخية اقتصادية طاحنة.

وإذا عدنا لملحمة الأجيال في الثلاثية سنجد أن جزءها الثالث يحمل عنوان «السكرية»، هو اسم حارة قدم من خلالها الجيل الثالث للسيد أحمد عبد الجواد، ففيها بيت خديجة.. حيث تدور أبرز الأحداث في المجتمع المصري في الفترة من عام 1935 حتي عام 1944.

وشاء نجيب محفوظ أن نري سائر التحولات الفكرية من خلال أبناء حارة السكرية، فتنمو الأفكار الجديدة وتبرز عن جيل، منه من يتبني أفكار الإخوان المسلمين، وآخر تجذبه الأفكار الشيوعية، ونوع ثالث يجعل من السياسة لعبة ليحقق مأربه.

إنه خضم الأفكار التي تتصارع في مناخ يتجه نحو التغيير والتجديد...

وأمر طبيعي أن يكون حال الشباب علي هذا الوضع، فالحرب العالمية لم تجعل لمصر دورًا تحرريا حقيقيا، حتي تبدأ مرحلة بناء المجتمع الجديد، فالانتصار للمتبوع وظلت حقوق التابع في الحرية معلقة، فما أسهل أن ينغمس الشباب في خضم صراعات الفكر.. هذا ما نرصد في حارة «السكرية».

ولعل أروع أنماط الحارة المصرية ما حفلت به ملحمته «الحرافيش» فتحتشد بنوعيات بشرية ترعرعت في حواري مصر القديمة فجاءت نماذجه الشعبية مصداقًا لهذه البيئة من خلال حكايات هذه الملحمة.

وإطلالة علي حرافيش نجيب محفوظ، خصوصًا حكاية عاشور الناجي سنجد أنها دعوة للثورة علي التسلط بدأت من الحارة أيضًا.. فلنتأمل هذا الحوار الذي يدور بين أولاد الحارة.

«وذات يوم طرح عاشور هذا السؤال علي الحرافيش:

ـ ماذا يرجع حارتنا الي عهدها السعيد؟..

(يقصد مواجهة الفتوة المتجبر شيخ الحارة حسونة السبع).

وأجاب أكثر من صوت:

ـ أن يرجع عاشور الناجي.

فتساءل باسما:

ـ هل يرجع الموتي؟

فأجاب أحدهم مقهقها:

ـ نعم.

قال بثبات:

ـ لا يحيا إلا الأحياء.

ـ نعم أحياء ولكن لا حياة لنا.

سأل:

ـ ماذا ينقصكم؟

ـ الرغيف.

ـ بل القوة.

ـ الرغيف أسهل منالا.

ـ كلا.

وسأله صوت:

ـ إنك قوي عملاق فهل تطمح إلي الفتونة؟

فقال آخر:

ـ ثم تنقلب كما انقلب وحيد جلال وسماحة.

وقال ثالث:

ـ أو تقتل كما قتل فتح الباب.

فقال عاشور:

ـ حتي ولو صرت فتوة صالحا.. فما يجدي ذلك؟....

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06879 seconds with 10 queries