عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #38
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ولقد خضعت الرموز المثلية في الرواية لفكر الكاتب ورؤيته ومرجعيته الفكرية، دون أن يلتزم بما ورد في الحقيقة. وتتأكد المغايرة فيتحطم المرموز الديني ويفرّغ من جوهره في إتقان حرفي باهر ـ وليس ذلك عيبا ـ وسرد روائي مؤثر، وواضح كأنما يخشي الكاتب ألا يفهم ـ يربط بين الأحداث والأشخاص ربطا محكما يوحي بوجهة النظر فتتحول الرواية إلي رواية مقنّعة، تقنّع التاريخ وتورّيه رمزا، ولفظا وسياقا، مما يعني أن القراءة للنص الروائي تصبح ذات بعدين بحيث يقارن المتلقي بين ما يقرؤه وبين ما يقابله تاريخيا وإذا كان الكاتب ـ عموما ـ يلجأ إلي التاريخ كحيلة فنية حين (لا يتمكن من قول ما يريده مباشرة خصوصا إذا كان هذا القول يمس وضعا قائما تحرص السلطة علي ألا يمس. ومن ثم ينتقل بالعمل الأدبي إلي زمان آخر أو مكان آخر..)

فلا يحق له قلب الحقائق أو تغيير الثوابت حتي لا يضحي التاريخ مدانًا، وتتحول الحركة الدينية من خلاص إلي عبءـ ويصير المضمون النهائي الذي يختزل حركة الأنبياء مجرد هباء.. و من ثم يتأكد التوجه نحو فكر مغاير يعْلي من العلم وأبحاثه ومعامله، ويعتبره الوريث الصحيح لحركة التاريخ.

وقد يتصور ـ فنيا ـ أن المجاز يستر هذ التوجه ويقنّع وجهة النظر، انطلاقًا من أن الرواية المجازية ـ كما يقول ألبير يس في كتابه تاريخ الروايةـ (تشاد في المدي القائم بين الحقيقة العامة والحقيقة الجوهرية.. بين الوجود والماهية، بين العالم المعاش وعالم الفكر المثالي.. إن الرمز الثابت والمقصود يكون صلة الوصل بين الأفكار وعالم الظواهر)

وتجدر الإشارة إلي أن عدد فصول الرواية يبلغ 114 فصلا بعدد سور القرآن الكريم مما يشعر بأن التماثل الحسابي مقصود. كما جاء في مجلة القاهرة سبتمبر 1988. ومع أن الرواية تحتوي علي رموز كثيرة ومتنوعة إلا أننا نشير ـ فقط ـ إلي الرمز الأدبي ومثاله الديني وما ورد في الرواية مما يعارض النص الديني دون أن نتعرض لبداية الخلق.

> تقول الرواية عن الجبلاوي/ «هو لغز من الألغاز ضرب المثل بطول العمر اعتزل ولم يعد أحد يراه».

وتقول أيضًا «كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أشار إلي البيت الكبير وقال في حسرة: هذا بيت جدنا.. جميعنا من صلبه».

وتقول عن الوقف الكبير (علينا أن نحسن استغلاله حتي يكفي الجميع ويفيض) وتشير إلي طرد إدريس (رفع الجبلاوي رأسه صوب نوافذ الحريم: طالقة ثلاثة من تسمح له بالعودة).

وتقول علي لسان إدريس (إنني عدت قاطع طريق كما كان الجبلاوي).. لقد أنشأت الرواية صفات وعلاقات باطلة بالجبلاوي، وأشارت إلي موته مما يعني أن الدلالة تعارضت بين الفن والدين.

والنص الديني ينفي ذلك انطلاقًا من أن الجبلاوي يحتوي علي رمز كلي وديني واضح.. وهو ما يؤدي الي إفراغ المرموز إليه من الكمال والجلال.

قال تعالي في سورة الأنعام: «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار».

> وتقول الرواية عن رفاعة/ إنه ثمرة لقاء بين شافعي النجار وزوجته عبدة. يدعو رفاعة إلي تطهير النفوس عبر مداواة الروح. يتزوج من ياسمين وزهد في المتاع فلم يقربها. وتلاقت مع بيومي وخططت لقتله ثم أخرجه الجبلاوي وحمله إلي بيته الكبير.

وليس رفاعة/ الرمز.. ثمرة زواج وإنما هو نوع من ترديد ما يشيعه اليهود عنه بحيث يصبح الفكر اليهودي مرجعا في الرواية.

قال تعالي علي لسان مريم: (قالت ربي أنَّي يكون لي ولد ولم يمسسني بشر).

أما عن قاسم.. فقالت الرواية إنه ولد في أفقر الأحياء، عاش يتيما، كفله عمه زكريا بائع البطاطا، عمل بالرعي ثم تزوج من قمر الثرية. يبلغه قنديل (جبريل) باختيار الجبلاوي له لرفع الظلم ويقول قاسم: (إذا نصرني الله فإن الحارة لن تحتاج إلي شخص بعدي) ويترك الحارة مهاجرا ثم يعود ويستقبله أتباعه قائلين (يامحني ديل العصفورة) ويردد قاسم قائلا ويشير إلي البيت الكبير (هنا يعيش الجبلاوي.. أوقافه تخصكم جميعا.. علي قدم المساواة ، لن تكون هناك إتاوة تدفع إلي طاغية) ثم يوجه إليهم تعليماته (راقبوا ناظركم، فإذا خان اعزلوه).

ولقد أعجبت به الحارة لحبه للنسوان . وتصف الرواية عرس قاسم فتقول: دارت أقدام البوظة وعشرون جوزة.. وتعالي الآهات من الأفواه المخدرة.

ويسأل قاسم: هل يمكنني أن أصبح مثل رفاعة؟ فيسخر منه «العجوز» قائلاً كيف وأنت مولع بالنساء وتتصيدهن في الصحراء عندما تغيب الشمس.. ولا أدري كيف تعاطت «الرموز المثلية» كل هذا الكم من الحشيش في الرواية.،. حتي لاحوا مغيبين وهم رموز لرسالات كبري.. ربما جاء ذلك توطئة لظهور عرفة!

قال تعالي: (وإنك لعلي خلق عظيم).

>> أما عن عرفة فهو ابن جحشة العرافة وهو رمز للعلم.

يقول عن نفسه «أنا عندي ماليس عند أحد ولا الجبلاوي نفسه.. عندي السحر)

وجاء علي لسان إحدي الشخصيات (لو خيرنا بين الجبلاوي والسحر لاخترنا السحر).

ولعل أغرب ما قامت به الرواية ـ مما لا يغيب عن عقل المتأمل المدرك ـ أنها وصفت عرفة بالوعي الكامل وبالابتعاد عن المخدرات، وأنه لا يتعاطي الحشيش حتي لا يغيب وعيه وتتخدر مداركه، وحتي لا تأخذه الأوهام؛ لأن ما يقوم به وهو العلم يحتاج إلي اليقظة وحدة البصر والمشاهدة، في حين أنها وصفت أهل الحارة برموزها الدينية بأنهم يتناولون المخدرات ويشربون الجوزة ويحششون.

هل يعني هذا أن هذه الرموز قد استنفدت أغراضها؟

قال نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل في حوار معه عن الحرية والفن في مجلة آخر ساعة أكتوبر 1988: (لا حياة للفن إلا في ظل الحرية، وأي نظام يقوم علي قهر الرأي مهما سمت أهدافه فإنه يكون عبئًا علي الفكر والفن والأدب).

وفي ظل هذه الحرية..



شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06246 seconds with 10 queries