عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #23
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


وقد برز تأثر نجيب مفحوظ بالقوالب الغربية في الثلاثية بشكل خاص لأنه استخدم فيها شكل تسلسل الأجيال، أو ما يسميه الإنجليز الرواية النهر، وهو نوع من القصص سبقه إليه الدكتور طه حسين في روايته شجرة البؤس التي صدرت عام 1944، وتبعه في ذلك عبد الحميد جودة السحار في رواية «قافلة الزمان». وهذا النمط الروائي كانت قد ظهرت منه إبداعات متميزة في أوروبا وأمريكا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين نذكر من بينها في فرنسا «الملهاة الإنسانية» لبلزاك و«روجون ماكار» لإميل زولا، و«الرجال أصحاب الإرادة الصالحة» لجول رومان. وفي أمريكا ظهرت في الثلاثينيات من هذا القرن ثلاثية الكاتب الأمريكي جون دوس باسوس، وأجزاؤها الثلاثة تحمل العناوين التالية: «المتوازي الرابع والعشرون» (1930) و«1919» وقد نشر عام 1932، و«النقود العظيمة» (1936)، وهذه الثلاثية تتناول العقود الأولي من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية، وليس لها بطل محدد وإنما بطلها الحقيقي هو البيئة الاجتماعية للأمة الأمريكية، والموضوع الرئيسي الذي تدور حوله هو النمو والتدهور في المجتمع الرأسمالي المستغل. وفي الأدب الإنجليزي برزت في هذا اللون أسماء أرنولد بنيت (1867ـ 1931) صاحب رواية «المدن الخمس، وجالسورثي (1867ـ 1933) الذي أرخ لأسرة برجوازية إنجليزية هي أسرة فورسايت متناولا بذلك تاريخ إنجلترا منذ العصر الفيكتوري إلي العصر الذي عاش فيه.
ومن خصائص الكتابة الواقعية أيضا التزام الدقة والتفصيل في وصف المكان، فإذا كان الوصف يتعلق بزقاق المدق مثلا نجد الكاتب يقدم فكرة عن تاريخ هذا المكان من أنه كان تحفة من تحف العهود الغابرة، وأنه تألق يوما في تاريخ القاهرة المعزية كالكوكب الدري.. إلخ، ثم يتطرق إلي وصف حاضر هذا المكان علي نحو ما سوف يظهر في الرواية فيقول: «آذنت الشمس بالمغيب، والتف زقاق المدق في غلالة سمراء من شنق الغروب، زاد من سمرتها عمقا أنه منحصر بين جدران ثلاثة كالمصيدة، له باب علي الصنادقية، ثم يصعد صعودا في غير انتظام، تحف بجانب منه دكان وقهوة وفرن، وتحف بالجانب الآخر دكان ووكالة ثم ينتهي سريعا ـ كما انتهي مجده الغابر ـ ببيتين متلاصقين، يتكون كلاهما من طوابق ثلاثة (زقاق المدق ص5)... وهذه الإحاطة بتفاصيل المكان تكاد ترتبط ارتباطا وثيقا بعنصر آخر هو الإحاطة بالأوصاف المعبرة عن طبيعة الشخصية، فعم كامل بائع البسبوسة في رواية «زقاق المدق» «يقتعد كرسيا علي عتبة دكانه، يغط في نومه والمذبة في حجره، لا يصحو إلا إذا ناداه زبون أو داعبه عباس الحلو الحلاق. هو كتلة بشرية جسيمة، ينحسر جلبانه عن ساقين كقربتين، وتتدلي خلفه عجيزة كالقبة، مركزها علي الكرسي ومحيطها في الهواء، ذو بطن كالبرميل وثدي يكاد يتكور ثدياه، لا تري له رقبة.. إلخ إلخ» (ص6) وهكذا يمضي نجيب محفوظ في تعقب ملامح هذه الشخصية بعد أن أحدث نوعا من التآلف الحميم بينها وبين المكان الذي تجلس فيه. وقد بلغ هذا الاهتمام بالتفاصيل ـ كما يقول الأستاذ يوسف الشاروني ـ ذروته في «الثلاثية» حيث نجد الاهتمام بذكر تفاصيل الأمكنة وهيئة الأشخاص ودوافعهم النفسية والحياة الاجتماعية والسياسية والفنية حتي بلغ الوصف التسجيلي في بعض الصفحات درجة الإملال. وهذه هي طريقة المدرسة الواقعية التي تلجأ اليها حتي تم لها ما يعرف في الأعمال الأدبية بعملية «الإيهام بالواقع» (13).
أيضا من السمات المميزة للرواية الواقعية استخدام الحوادث التاريخية أو بعض ما له دلالة في السياق كخلفية للرواية، وهذا الأسلوب أجاد نجيب محفوظ استخدامه في كل رواياته الواقعية بدءا من القاهرة الجديدة حتي الثلاثية، ومعروف أن الأحداث التاريخية قد لعبت دورا كبيرا في تشكيل الاتجاه الواقعي في أوروبا وكان كبار كتاب الواقعية يسهمون إسهاما كبيرًا في كتابة الرواية التاريخية أو المزج بين أحداث الواقع وأحداث التاريخ علي نحو ما فعل الكاتب الواقعي الإسباني بينيتو بيريث جالدوس (1843ـ 1920) في روايته الضخمة «الأحداث القومية» المكونة من ستة وأربعين مجلدا.
ومن سمات الكتابة الواقعية أن الصلة بين الأثر الفني والواقع صلة قوية ومباشرة إلي حد كبير، بدءًا من الوصف التفصيلي الواقعي للمكان والشخصية علي نحو مارأينا، إلي تسلسل الأحداث، إلي النقل الفوتوغرافي للواقع في كثير من الأحيان، وإن كان كتاب الواقعية يختلفون فيما بينهم في رؤيتهم لهذا الواقع، وإحساسهم به، وتفاعلهم معه، فبعضهم ينظر إليه علي أنه مادة خام ينبغي للأديب أن ينقلها بصدق، وألا يتجاوزها أو يعبث بها كما يحلو له، وإنما تتفاوت القدرات في طرق التعبير عن هذا الواقع، ومدي نجاح الأديب في سبر أغواره الحقيقية، وبعض الأدباء يقيم علاقة جدلية بينه وبين الواقع بحيث يكون للذات دور كبر أم صغر في التفاعل مع هذا الواقع. وسوف نجد أن نجيب محفوظ كان دائمًا أقرب إلي هذا النوع الثاني، لأن تعبيره عن هذا الواقع ظل مرتبطا بما يمور في وجدانه من مشاعر وما يجري في ذهنه من أفكار ورؤي وانطباعات.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.09405 seconds with 11 queries