عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #21
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


هذا الشوق الجارف إلي المعرفة، وهذا التطلع المستهام إلي استكناه أسرار الحياة والكون والوجود دفع نجيب محفوظ دفعا قويا إلي أن يغترف من ينابيع المعرفة، وأن يتساوي لديه التراث العربي والتراث العالمي، ومن ثم تعددت الروافد عنده: فهناك الرافد الفلسفي، وقد درس هذا الجانب دراسة أكاديمية منظمة بكلية الآداب جامعة القاهرة، التي تخرج فيها عام 1934 بتفوق جعله يلتحق بمرحلة الماجستير، ويختار موضوعه عن فلسفة الجمال، وهناك الرافد التاريخي الذي تبلور في رواياته الثلاث الأولي وهي «عبث الأقدار» (1939) و«رادوبيس» (1943) و«كفاح طيبة» (1944)، وهناك رافد العلم ورافد السياسة، وغير ذلك مما يدخل في نطاق ما يمكن أن يتثقف به الأديب وغيره حسبما ذكر في مقابلة أجريتها معه قبل حصوله علي نوبل بمدة قصيرة (4)
ولكن أهم رافد استقي منه نجيب محفوظ مكوناته الثقافية ورؤاه الإبداعية هو الرافد الأدبي، وسوف نري كيف يمثل كاتبنا شخصية الكاتب ذي الثقافة الموسوعية العالمية، فقد قرأ التراث العربي قراءة واعية متأملة، وتأثر بالرواد الأوائل من الأجيال التي سبقته أو عاصرته لكنها كانت بالنسبة له في مقام الأستاذية مثل مصطفي لطفي المنفلوطي، وأحمد لطفي السيد، وسلامة موسي، وطه حسين، وعباس العقاد، وإبراهيم المازني، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، ويحيي حقي وغيرهم، وفي الأدب العالمي قرأ الروائيين الكبار من كتاب الواقعية الأوائل مثل بلزاك وديكنز، وإن كان قد تأثر أكثر بتلامذتهم مثل جوستاف فلوبير وستندال. وقرأ الكتاب الروس وتأثر بهم كثيرا وبالأخص تولستوي في رائعته «الحرب والسلام» وديستويفسكي في أعماله العظيمة وغيرهما، ولم يتوقف عند هؤلاء وأولئك وإنما امتدت قراءته إلي من أحدثوا منعطفات خطيرة في فن الرواية مثل جويس وكافكا وبروست، وقرأ هكسلي وملفيل ودوس باسوس وهيمنجواي قراءة واعية.. وهكذا نمضي مع قراءات نجيب محفوظ ومكوناته الأولي فنجد أنه كان قارئا عالميا بكل المقاييس، ويندهش المرء عندما يقرأ أحاديثه أو ما كتب عن مكوناته الثقافية كيف تكونت لديه حاسة قوية في إجادة الانتقاء، حتي استطاع أن يقف علي الإبداعات المهمة عند معظم كبار الكتاب العالميين. وبالطبع فإننا لا نريد في هذا المقام أن نشغل القارئ بتعداد الأسماء، ومن ثم نحيله علي معظم ما كتب عن نجيب محفوظ وفيه معلومات وفيرة في هذا الشأن لأن ما يهمنا هنا هو كيف تلاقت كتابات نجيب محفوظ مع كتابات هؤلاء الذين قرأهم بعمق وتأثر بهم، وكيف اختلف عنهم نتيجة للتطورات الكبيرة التي كانت قد حدثت في فن الرواية، وكيف استطاع أن يكون نسيج وحده ويقدم رواية عربية أصيلة ومتطورة.

جدل الأنا والآخر
من المعلومات التي تهمنا هنا أن نجيب محفوظ قد بدأ بقراءة الأدب الحديث، الذي كان قد تجاوز الواقعية في مرحلتها الأولي، في فترة مبكرة من حياته، وبالتحديد منذ عام 1936م أي بعد تخرجه في الجامعة بعامين تقريبا، فقرأ الأدب الواقعي عند الأدباء الذين أتقنوا أسلوبها وطوروه مثل جولسورثي وألدوس هاكسلي ود.هـ. لورانس، وفي ذلك يقول: «فلم يعد باستطاعتي بعد ذلك أن أقرأ ديكنز، وكذلك لم أستطع قراءة بلزاك بعد أن قرأت فلوبير وستندال مع أني أعلم أن بلزاك عبقري وهو خالق الواقعية كلها، ولكن لم يكن باستطاعتي أن أحتمله وهو يصف مشهدا في 80 صفحة مثلا.. لقد قرأت مذهبه واتجاهه بعد أن تهذب وتطور عند أناس غيره..» (5) وقرأ الطبيعية والقصة التحليلية، ثم اتجه إلي المغامرات الأدبية الحديثة كالتعبيرية عند كافكا، والواقعية النفسية عند جيمس جويس، حيث توقف عند روايته الشهيرة «أوليس» لكنه لم يحبه وأذكر أني عندما سألته في ذلك عام 1988 قال: «لأن الحَوْدة التي أحدثها جيمس جويس في الفن الروائي خطيرة جدا، وهو حتي الآن لا يمكن أن تعتبره كاتبا مقروءا» (6)، كما قرأ الكاتب الفرنسي الشهير مارسيل بروست، وأعجب كثيرا برائعته «البحث عن الزمن المفقود»، وهو يعتبره مع جيمس جويس عماد الأدب الحديث في القصة كلها (7)، وتعتبر هذه الرواية لبروست أحد أربع روايات حازت إعجابا خاصا من كاتبنا الكبير، وفي ذلك يقول: «لكن إذا سألتني عن الروايات التي أعجبتني جدا أقول لك «الحرب والسلام» لتولستوي، و«البحث عن الزمن المفقود» لمارسيل بروست، و«الشيخ والبحر» لهيمنجواي، و«موبي ديك» لملفيل(.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.02537 seconds with 10 queries