عرض مشاركة واحدة
قديم 30/12/2007   #3
شب و شيخ الشباب verocchio
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ verocchio
verocchio is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
مشاركات:
2,795

إرسال خطاب MSN إلى verocchio
افتراضي


أما كلوديل الشاعر فيعتبره البعض من أكبر شعراء زمنه لنجاحه في تدجين الأصول الفعلية لتجارب بودلير ورامبو ومالارميه، ومن ثم توظيف قوله الشعري في خدمة نشيد كوني على صلات عميقة بالفكر المسيحي الكاثوليكي الذي يلون كلياً أعماله وتصرفاته، فيعترف له الخصوم قبل المريدين بالارتفاع في نصّه الى درجات مضيئة في ابتكار الإيقاعات الإنشادية وصقل لغة مؤاتية قادرة على الذوبان النغمي معجماً وصوتاً بالمعاني الروحية التي يتوحد الانسان العصري عبرها، في نظره، بالقوى الكبرى التي تقرّبه من الله. وليس الشعر وحده أداة لدى بول كلوديل للانعقاد الشغوف على "ايمان" حاضر في عنف شرس إن جاز القول في يوميات الأديب والمفكر، ودوماً ضمن أطر حوارية تترك فيه وجعاً اكثر مما توصله الى النشوة. وقد يبدو صعباً جداً الفصل بين الأديب والرجل المياوم والإنسان المؤمن، ويرى البعض الى كتاباته أنها الأصداء الوجدانية لمجريات حياة فرنسي حلم طول حياته بالانتماء الى الكاثوليكية فيما أمضى تلك الحياة كديبلوماسي في خدمة دولة علمانية كأحد أبرز رجالاتها. لكنه خرج من الوظيفة في 1935 ليضاعف تكريس وقته للعمل الأدبي، وينبغي أن ندل هنا على أن اهم روائعه كان أنجزها في أعوام خدمته الديبلوماسية، وأقوى مثل على ذلك كتابته مسرحية "حذاء الساتان" خلال وجوده في العاصمة اليابانية (من 1921 الى 1927)، وتعتبر من اكثر مسرحياته إشراقاً رغم أنها لم تعرف التتويج الباريسي إلا بعدما أخرجها جان لوي بارو للكوميدي فرانسيز عام 1943، ويوحي البعض ان هذا النجاح غير العادي لـ"حذاء الساتان" هو الذي تسبب بقبول بول كلوديل في الأكاديمية الفرنسية (في 1946) بعدما كان رفض ترشيحه في دورة 1935 يوم فاز كلود فارير بالمقعد الشاغر.
والى اليوم لا يزال رجال المسرح الفرنسي منقسمين بين مع وضد وغير مبالين حيال اختيار روائع بول كلوديل للعرض أو اعتبارهم انها موغلة في العواطف الدينية الكاثوليكية ولذا هي خارج الزمن العولمي، أو يفضلون عليها روائع آخرين اقرب اليهم شكلاً ومحتوى؟ وجليّ أن أول ملامح المسرح "الكلوديلي" تكمن في صعوبة تناوله حتى يبدو كأنه يفترض في مَن يتناول عروضه قدراً من الشغف لا يقل حرارة عما وضعه كلوديل في نصوصه. ومسرح كلوديل ينمو خارج القواعد السائدة في النصف الأول من القرن العشرين، الى حضوره كحدث غريب عن الإيديولوجيات الفاعلة في النصف الثاني من القرن العشرين، رغم أن مسرحيّي المرحلة المفصلية الراهنة المعقودة على إعادة نظر كاملة بالقرن العشرين ينظرون في حذر وفضول ورغبة في معرفة ما لدى هذا الأديب الغريب الأطوار، السري والمنطوي والغارق في الإيمان في زمن انتصار الإيديولوجيات الملحدة أو العلمانية، أي أنه مسرحي تحت المناقشة الخصبة لدى أكثرية مسرحية يسيطر عليها هاجس التجديد الكلّي لفنون منصة أضاعت طقسية حمقها طويلاً من الخلخلة. وليس عجباً بعد ذلك ان يختار المحتفون بخمسينية بول كلوديل عنواناً يستوحي من ذاك الوضع مادته وأطر مجرياته، أي عنوان "كلوديل وتحدي المنصة" الذي يطلب الى المساهمين فيه إيجاد الركائز الخاصة بمسرح لم يحترم كثيراً القواعد التي صنعت لقرون عديدة المنصة الفرنسية.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.02996 seconds with 10 queries