تكر الليالي والأيام على جزيرة العرب كما لم تفعل في التاريخ ، ليس في هذه الأرض القاحلة ما يُذكر من تاريخ سوى حروبٍ أضرمتها نساء ونوق وكؤوس خمر ، أما وقد بعث نورٌ من قلب مكة فقد غدا لشمس هذه البلاد حضورٌ أبهى ، بات للطير أنغامٌ أرق وأعذب ، وصار للحياة معنىً وهدف ، بعد أن كانت حياة الإنسان هناك لا تصنع فارقاً يُعتد به من العدم .
يتنقل بولس بين دفاتر التاريخ الإسلامي ويعاصر بقصائد ملحمته أيام الإسلام الأولى فيصور حال البلاد وهي تستقبل محمداً النبي بعد أن عهدته الأمين الهاشمي الكريم ، يسافر بولس من ضفة لأخرى فتراه يبحر في لجج الجمال المحمدي ويرسو على شواطىء علي ، وما عليٌ من محمد؟!!
وهاهو على منضدته يسطر ملحمةً بيراعه يحرر فيها الروح لتسافر عبر الأزمنه لتشهد ملحمة صنعها علي بعين محمد ..
ملحمة بدر الكبرى حيث المجابهة العسكرية الأولى بين معسكر النور ومعسكرات الديجور ، ولأي شيء تُصارع الظلمةُ النورَ وهي موقنةٌ بالهلاك ؟
يقول بولس مصوراً عزم علي الذي بدد طغيان قريش :
حال في حومة البراز علي .. جولة الليث في قطيع الشاء
يخسف السهل والجبال ويبقي .. وعيه الفذ في السنى والصفاء
ولا يمر حدث آخر ، فيه أرادت السماء عقد قران علي بفاطم دون أن يتوقف بولس ليصور مشهد الإمام علي وهو يطلب يد الزهراء عليها السلام ويجيبه معلمه الأكبر صل الله عليه وآله :
جاء بيت النبي والقلب خفق .. فهو في مثل رجفة البرداء
قال : أني ذكرت فاطمة .. وأبث صوت مكبل بالحياء
فأجاب النبي : أبشر علياً .. خير صهر على الغبراء
وتتسارع وتيرة الأحداث في زمانٍ تحركت فيه عجلة نامت لقرون .. عجلة التاريخ التي تربسها الجهل والظلام ، هاهي تجري كالبرق والمسلمن اليوم على موعد آخر في قبالة الكفر ، معركة أحد بكل ماحملته من دروس ومناهج في طاعة أولي الأمر ، ويتوقف بولس ليصور مشهداً دموياً تفطر له قلب محمد ..
شحذت خنجراً وقامت إليه .. فر نصله قراباً جميلاً
غاص في هيكل الشهيد وحال الحقد .. في جسم حمزة تمثيلا
أعملت ذئبة النساء بكبد الليث نابا .. لعل تشفي الغليلا
كان ذا حال هند مع جسد الحمزة ، أما قلب محمد :
ذاب قلب النبي حزناً وغامت .. عينيه تشهد المصاب الجليلا
ورثاه محمد بدموع ظل .. جفن الزمان منها بليلا
وكم أخذ فراق الحمزة من قلب النبي ، فهو بالأمس فقد عبيدة في بدر والآن عمه الحمزة في أحد ، يالعذابك يارسول الله ..
هنا رفع محمدٌ يده نحو باريه يسأله ألا يأخذ علياً ويذره فرداً :
لاتذرني ياخالق الخلق فرداً .. صن علياً حسامي المسلولا
وينبري عليٌ ليصنع ملحمة أخرى يوم الخندق ، يوم جابه الفتى الصغير وحشاً في ثوب إنسان وأردى الإنسانُ الوحش بضربة سددتها يد السماء :
كبر المسلمون لما رأوه .. جبلاً ماد في خضيب دمائه
ضربة ذكرها يظل فتياً .. بعد موت الزمان بعد فنائه
هابها الضيغمان كسرى وروما .. وتغنى الحادي بها في حدائه
ويأتي اليوم الذي صاح فيه محمد لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، ولمثل غدٍ كهذا لم تنم العيون بل سافرت تمني النفس بتلك الراية وترى فيها عزاً أبدياً ، وأطل الغد بشمسٍ تختالُ على النجوم إذ تسنمت من السماء مكاناً حسدته عليها الأنجم ، وتطاولت الأعناق وأرهف الجميع أسماعهم وكلٌ يمني النفس ، وهتف رسول السماء بصوت السماء أين علي :
فإذا بالرسول يرفع طرفاً .. ويشق السكوت لمعة صارم
قال إني سأعطي لوائي .. رجلاً راح مفرداً في الأوادم
ودعا أحمد علياً وقال .. اليوم يوم اللواء يوم العظائم
وفي خيبر كان لليهود موعدٌ تُمرغ فيه أنوفهم في التراب على يد أبي تراب :
فأتى مرحب أخوه يثير الأرض .. رعباً والو رجع زمازم
غاطساً في حديد درعين .. كانا نسج داود يوم طالوت حاكم
هز في كفه المهند هزاً .. يبعث الشيب في الغراب الداجم
ثم أهوى بضربة لعلي .. فأطار المجن من كف خاطم
وأذا بالأمير يخلع باب الحصن .. ترساً ويتقي ضرب قاصم
سمع الحصن مثل ولولة الزعزاع .. صوتاً والرعد يرفض هازم
فلق العضب هامة سيجتها .. خوذة فوق صخرة وعمائم
وتبحر سفينة الزمان تمخر عباب التاريخ لتصنع للمسلمين دولةً ماقامت إلا بسيف علي ، ويتوقف بولس مراراً ليصلي بلغة العشاق في محراب علي وأهل البيت :
عترة الطهر يا ورد الخمائل .. عطري الجو بالشذا والفضائل
ياشروق الأنوار في غيهب الأزمان .. ظلي على العصور مشاعل
أيها المركب القوي شراعاً .. سر على البحر لو تعالى جحافل
في حفاظ الرحمن تجري ونور .. الروض يلقاك في نعيم الساحل
لــــــــــــــــــــــكل انســـــــــــــــــــــان في هذا العالم وطنـــــان وطنه الأم و ســـــــــــــــــــوريا