طليطلة
كان الحنين مَدى عَذْبا، وكان لنا
من وجهها كوكب في الليل سيار
هذا دخان القرى، مازال يتبعنا
وملء أحلامنا زرع، وأجنحة
وصبْية
وطريق في الحقولِ إلي الموتى
وصبار
فملتقي الأرضِ بالأفقِ الذي اشتعلت
ألوانه شفقا
فالقاطرات التي غابت مولولةَ
في بؤرة الضوءِ،
فالحزن الذي هَطَلَتْ
علي أمطاره يوما
فصِرت إلى طيري،
وسافرت من حزنِ الصبيٌِ إلي
حجزنِ الرجالِ، فكجلّ العمرِ أسفار
يا صاحبِيٌ قِفا!
فالشمس قد رجعت،
ولم تَعِد بغَدِي
كجلّ المقاهي انتظار. ساءَ ما فَعلَتْ
بِنَا السنون التي تمضي،
ونحن علي موائدي في الزوايا،
ضارعين إلي شمسي تخلَّلتِ البللٌورَ واهنة
ولامَستْ جلدَنا المعتل، وانحسرت
عَنٌَا إلي جارنا،
فما نَعِمْنا، ولم يْنَعم بها الجار
يا صاحبيّ!
أخمرْ في كئوسِكما
أَمْ في كئوسكما هَمَّ وتَذكار!
في القلب جرحا، علمْنا لا دواء له
حتى نعودَ،
وما يبدو أن اقتربتْ
أَيَّام عودِتنا، والجرح نَغَّار
ها نحن نفرِط فوق النهرِ وردتَنا
وتلك أوراقها تنأى، ويأخذها
ورادَ أحلامِنا موج وتيار
يا صاحبيَّ!
أحقا أنَها وسِعَتْ
أعداءَها!
وجفَت أبناءَها الدار؟!
لو أنَها حوصرت حتى النهايِة،
حتى الموتِ، لو سحَبَتْ
علي مفاتِنِها غلالة من مياهِ النيلِ،
واضطَجعتْ في قاعِهِ!
لو سفَتْها الريح فانْطمَرَتْ
في الرمِل وانْدلعَتْ
من كل وردةِ جرحي وردة
فالمدى عشب ونوَّار
هذا دخان قراها يقتفي دَمَنا
ومِلء أحلامِنا زرع، وأجنحة
ومِلء أحلامِنا ذئب نَهَشّ له
نسقيه من كأسنا الذاوي،
ونسأله عنها،
وننهار!
باريس 1979
***