الإيقاع الداخلي:
و هو نفسه الإيقاع الادراكي الفكري الذي تم بحثه في قصيدة الوزن هذا الإيقاع يتبلور في قصيدة النثر عبر عدة مفاهيم نذكر منها:
مفهوم وحدة الأضداد:
و هو المفهوم العام الذي منه تتفرع باقي المفاهيم, فكما أسلفنا سابقاً من خلال عرضنا لمفهوم الإيقاع و الإيقاع الشعري, أن قصيدة النثر تعتمد على متناقضات كبيرة أمثال فوضى / انتظام – حرية / قانون – حركة / سكون – كسر الوزن / موسيقى.
هذه المتناقضات هي أساس القوانين التي تبنى عليها قصيدة النثر, و نسوق هنا تصورنا عن هذا المفهوم.
قبل كل شيء لا بد من تنويه عاجل إلى الطبيعة البشرية, و التي منذ أن وجدت و هي في عراك مرير مع سلطة الفضاء الخارجي, و الصيغ التي يبتدعها للتخلص من تلك السلطة, من هنا كانت الحرية, الحلم الكبير الذي مازال الإنسان يبحث لها عن معناً حقيقي, هذه الحرية التي أفردت لها صفحات من التاريخ, عن الحلم الذي راود البشر في التحليق, و التخلص من سلطة الطبيعة المدركة على أنها تلك الجاذبية التي تربطه بالأرض.
لذلك نجد الإنسان دائم المحاولة للوصول إلى نقطة تنعدم معها القوى, في هذه النقطة التي تقع بين نقيضين, يشعر معها الإنسان بالنشوة و القلق في نفس اللحظة, لما تحمله هذه النقطة من إحساس بالعدم و إحساس موافق بالأمان الذي يأتي نتيجة التخلص من سلطة الفضاء الخارجي, إنه الضياع اللذيذ.
و التي على أساسها كانت تدور أغلب النظريات الفلسفية و الدينية, فمن فرويد و الذي يعتبر الأنا هي نقطة الصراع بين الهو و الأنا الأعلى, هذه الأنا الواقعة بين الوعي و اللاوعي, إلى كل الأفكار الدينية التي تؤكد أن الإنسان هو نتاج لقوتين أساسيتين بين الخير و الشر, فالإنسان هو مساحة الحرية الحقيقية في الطبيعة و الذي في بوتقته تنصهر قوى الطبيعة سالبها مع موجبها.
و الإنسان في دأب مستمر لأن يبرز مفاتنه, و الفن أحد أهم الوسائل المتاحة لذلك و قصيدة النثر التي برأينا هي الأرقى حالياً, كأسلوب يحمل نتاجاً فكرياً بشرياً جمعياً من خلال استناده على كل التقنيات الفنية, و من خلال مساحة الحرية التي تمتلكها هذه القصيدة, كان لا بد لها أن تبرز هذا التناقض و توحده ضمن جسد القصيدة.
لذلك نجد الصورة الشعرية و الصياغة اللغوية و المعنى في قصيدة النثر مبنية على وحدة المتناقضات, كأن يقول شاعر مثل محمد الماغوط مثلاً " لا شيء يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء " أو كما يقول أدونيس في مقدمة لملوك الطوائف " وجه يافا طفل / هل الشجر الذابل يزهو؟ / هل تدخل الأرض في صورة عذراء؟ / مَنْ هناك يرجّ الشرق؟ / جاء العصف الجميل ولم يأت الخراب الجميل/ صوت شريد.. / " فالخراب لدى أدونيس يحمل الجمال.
|