عرض مشاركة واحدة
قديم 13/12/2007   #2
شب و شيخ الشباب Moonlights
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Moonlights
Moonlights is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
فوق جبل بعييييييد
مشاركات:
263

افتراضي نداء الدم


في فجر شبابه كان يافعاً مليئاً بالحماسة. شعوره بفساد العالم المحيط والوطن المتخلّف غن ركب الحضارة والتقدم دفعه للانخراط في العمل السياسي وفرح الاندفاع لتغيير العالم والزمان الراكد.
آنذاك كان العالم يتموج بتحولات تقرع أجراس السعادة الإنسانية والمستقبل المشرق للبشرية.
هجس في جلسة سرية: الحاضر مظلم والبشر هنا في ضنكٍ وجوع واستبداد. قالت حماسته الوطنية.
عليك أن تَهِبَ حياتك للمستقبل المضيء من أجل الآخرين.
هجس. وككل المثقفين التقدميين هنا وفي بلدان العالم راح صالح العبد الله يخوض معارك ضارية, وجدالات ممضّة حول المسائل الحساسة: التنوير, الحرية, الاستبداد, الاشتراكية, ومستقبل الشعوب المضطهدة. في الأسرة بدا الأمر نشازاً. والده الشيخ وإمام البلدة هدده بالتبرئة والطرد من العائلة.
-في آخر الزمن يولد من السلالة الشريفة هذا الملحد الملعون.
وإذا واجه الأب الغاضب بلغة الجيل الجديد وأفكاره المغايرة صرخ في وجهه: أنت وشيوعيتك الملحدة إلى جهنم. لست من دمي. غادر هذا البيت والتحق بكلابك الضالة.
كان في السنة الأخيرة من تخرجه الجامعي. وحين شرح الحالة لرفاقه في الحزب تضامنوا معه. وآزروه مادياً, وبعد احتيازه للشهادة أمّنوا له بعثة تخصص إلى موسكو.
بعد عودته من وطن التقدم والاشتراكية, بدا اندفاعه وطاقاته في الأوج. وككادر مميز كان مؤهلاً لمراتبية تليق بقائد في سلّم المسؤولية.
بدت أحلامه وتصوراته ملونة ومديدة.
بناء الإنسان الجديد والوطن المضيء المحرر من الخرافة والجهل والدين تحت مصابيح العقل والعلم والديمقراطية.
كانت أطروحاته النظرية تدوّم في فضاءات جميلة وسريالية, أفقها المستقبلي وأمثولتها قمر الاشتراكية الساطع من هناك. أن نغير بلادنا كما فعل الرفاق في البلدان الاشتراكية هذا هو الإنجاز الحضاري والتاريخي.
-والميراث التاريخي المتأصل؟ كان الناس يسألونه.
-علينا أن نتطهر من ذلك الميراث القديم لنولد من جديد.
-لكنه يستوطن الدم منذ آلاف الأعوام.
-الوعي التاريخي يجدد الخلايا بدم جديد.
بعد عام من غروب شمس الاشتراكية من سماء موسكو, حدث اضطراب هائل يشبه الزلزال في أعماق الكون والبشر.
الرجل المسمى صالح العبد الله وقع فريسة تطيّر واكتئاب وحيرة أودت به فيما بعد إلى المصحّ.
لزوجته سيروي في أعقاب خروجه من المشفى سلسلة أحلام وكوابيس غريبة عن رجال غامضين معممين ومجللين بالأبيض والأخضر.
رجال مهيبون كانوا يرفعونه على محفّات وردية ويصعدون به السماء. ومن تلك السماوات السامقة يتركونه ليسقط داخل هوّات سحيقة موقدة بالنيران.
وحين بدخل بوابات النوم كان يقع فريسة نوبات رعب, وأشباح غامضة, وهذيانات.
في أعماق الليل كانت امرأته تسمع شظايا من هلوساته, محورها الموت وخلايا الدم والجراثيم السماوية وجحيم الغروب الأحمر.
في صباح يوم خريفي, كثيف الضباب, استيقظ مبللاً بالعرق والفزع.
قال لزوجته وهو يرتجف: الحالة ما عادت تحتمل. لا بد من النذر أو زيارة أولياء الله والنوم في رحابه.
-النذر. الزيارة! سألت المرأة مهلوعة.
-أجل. نذر باسم سيدنا الخضر أبو العباس.
زوجة صالح العبد الله بهتت. إلى حلقها صعدت صرخة وماتت هناك.
قال صالح العبد الله بهدوء غريب: قبل ذلك انزعي عن الجدار صورة هذا الرفيق القديم البائس. ليرحمه الله زمانه مضى وضعي مكانها آية من سورة الرحمن.
هكذا بين مدّ البحر وجزره, بدأ تجدد الخلايا بالعودة إلى التطهر بالدم القديم.
داهم الأب فرح غامر بعودة الابن الضال إلى الطريق القويم.
وفي قبورها استراحت عظام الأسلاف إلى أبد الآبدين.

We ask the Syrian government to stop banning Akhawia and all Syrian sites

القمر بيضوّي عالناس
والناس بيتقاتلوا .
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03966 seconds with 10 queries