العزيز أبو مريم
سؤالك في محله وهو مهم جداً لفهم كيف يعتقد المسيحيون بأن يسوع المسيح هو الله وهو ابن الله في آن معاً كما يعتقد البعض من الأخوة المسلمين . وأقول كما يعتقدون لأن طبيعة الأمر واضحة لدينا ونحن نعرف ما نقصد لدى استعمالنا لهذين التعبيرين أما لديكم فهي تلتبس وتبين ان المسيحيين في فوضى من أمرهم .
عندما يقول المسيحي يسوع ابن الله , أو كلمة الله , أو مولود من الله الآب , أو أرسله الآب ... فهو يعي ضمناً بأن سامعه المسيحي يفهم أن كل هذه الأسماء والصفات هي واحدة . لكن القليل منا يدرك كم هي محيرة لغيرنا .
سأورد عدداً من المقاطع الإنجيلية مع موجز عنها :
- " في البدء كان الكلمة , والكلمة كان عند الله , وكان الكلمة الله " ( يوحنا1: 1 ) ووردت " الكلمة " باللغة الأصلية كما بالعربية بالمذكر كإشارة لشخص عاقل وليس للكلمة العادية التي هي بالعربية مؤنث .. والكلام عن المسيح يسوع . فهو منذ البدء كان موجوداً , وكان لدى الآب الذي نصطلح اصطلاحاً على أن نسميه الله ( مما قد يوحي للسامع ان هناك المسيح والله , ويختم يوحنا بأن الكلمة المقصود هو الله . ويتابع " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان "أي هو الخالق . ويضيف " والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً " بهذا شرح الإنجيلي يوحنا الرسول كيف أن المسيح هو الله .
- شهادة النبي يوحنا المعمدان عن يسوع " الآب يحب الإبن وقد دفع كل شيء في يده " وهذا يبين كيف يتساوى الآب والإبن في المجد والسلطان .
- قول يسوع " لأنه كما يقيم الآب الأموات ويحيي كذلك الإبن أيضاً يحيي من يشاء ... لكي يكرم الجميع الإبن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله " .
- قوله " كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الإبن أن تكون له حياة في ذاته و أعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان ".
- قوله لليهود " لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً " , وقوله " أبوكم ابراهيم تهلل ان يرى يومي فرأى وفرح "
- " قال له فيلبس ( تلميذه ) يا سيد أرنا الآب وكفانا فقال له يسوع أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب , ألست تؤمن أني أنا في الآب وأن الآب فيّ "
- " العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته و الآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم "
- أجابة المسيح لرئيس الكهنة اليهودي لما سأله " أأنت المسيح ابن المبارك فقال يسوع أنا هو وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء " .
هذه بعض الشواهد لما ورد لدينا والتي نبني عليها مفهومنا كيف يقول أني ابن الآب وتارة أنا والآب واحد وتارة الآب أرسلني .. نحن لا نعتمد على آية واحدة بل على الكلام ككل . ولكن حتى الآن لم أشرح كيف ان المسيح هو الله أم هو ابنه .
سأتطرق ثانية للمثال المعروف : الشمس كتلة مصدرة للضوء والحرارة بسبب التفاعلات الجارية فيها . ونحن نراها في كبد السماء حيث هي . ويصلنا منها الضوء الذي ترسله فيبدد الظلام كما يبقى الدفء الذي يصدر عنها معنا .. فلدينا ثلاث أشياء الآن : المصدر الذي هو قرص الشمس , والضوء الذي يخرج منه والحرارة التي يتركها . ولكن هل بالإمكان تخيل عنصر أو عنصرين دون الآخر ؟ هل وجدت الشمس ولم يكن هناك ضوء وحرارة ؟ هل وصول الضوء والحرارة إلينا ينقص من الشمس أو من المصدر ( اللهم إلا أن الشمس تستهلك نفسها فهي مخلوقة وهنا للتوضيح فقط ) ؟ ألم توجد كافة العناصر في آن معاً ؟ هل يمكن لأحد فصل أحد العناصر عن الآخرين أو هل يمكن أن نقول أن أحد العناصر دون الآخر أو أقل من الآخر ؟ وأخيراً أليس لكل واحد من هذه العناصر عمله وتأثيره المتميز عن الآخر دون أن يكون لذلك أثر على وحدانيتهم ؟
هكذا نفهم نحن أن الآب هو مصدر الألوهة , والكلمة هو كلمة الآب الخلاقة والمكوّنة وبه خلق الآب الهالم وهو صدر من الآب , والروح القدس هو روح الآب الذي به كانت الحياة في الخلائق وهو ينبثق ابثاقاً عن الآب كما ينبثق النور عن الشمس . وكمثال آخر الآية الكريمة " وإنما المسيح كلمة منا ألقيناها إلى مريم وروح منا .. " ( أعرف شرحها لديكم ) فالمتكلم هو اللآب والكلمة التي ألقاها منه هي كلمته التي بها أراد أن يكون كل شيء وكان كما أراد , وروحه القدوس الحال في الكلمة .
أما عن مسألة مساواة الروح القدس لهما فلن أذكره هنا حتى لا أخرج عن السؤال , ممكن لاحقاً . ولكن استكمالاً لما بدأت بقي أن أوضح لك أين وكيف أعلن الله عن حقيقة التعددية في الوحدة في العهد القديم :
- قال الله تعالى " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ... " وكانت صيغة الجمع غير واردة في اللغة العبرية القديمة كإشارة للتعظيم أو التبجيل .
- " وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر ... فأخرجه الرب الإله من جنة عدن .. " ونرى كيف يتكلم الله بصيغة الجمع والمفرد معاً .. ونتساءل مع من يتكلم ؟
- ظهوره لابراهيم ( وهو ما أشار له يسوع فيما ذكرت في الأعلى عندما قال لليهود أن أباهم ابراهيم رآه , يقول الكتاب " وظهر له ( لابراهيم ) الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حرّ النهار فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال يا سيد إن كنت قد وجدت نعمة ً في عينيك فلا تتجاوز عبدك ... ... وقالوا له أين سارة امرأتك ( وهنا بشروه بأنها ستلد ابناً وهي في شيخوختها وهي تسمع من الداخل فضحكت لأنها شاخت ولا يعقل أن يكون هذا ) ... فقال الرب لابراهيم لماذا ضحكت سارة ؟ ..... " تكوين 18 فالرجال ثلاثة وابراهيم يكلمهم بالمفرد ويسجد لهم والمتكلم هو الرب . ولما أشار يسوع بهذا لليهود تناولوا الحجارة ليرجموه قائلين له كيف تساوي نفسك بالله وانت انسان . و أجابهم يسوع " قبل ان يكون ابراهيم أنا كائن " وباللغة الأصلية قالها يسوع لهم بنفس العبارة التي قالها الله لموسى على الجبل عندما سلمه الشريعة حين سأله موسى من انت حتى اخبر الشعب فقال له الله " أنا هو الكائن " وفعل الكون الذي استعمل في العبارتين يفيد بدقة المعنى الآتي " أنا هو الذي كان ويكون وسيكون أبداً " حيث الله لم يسمي نفسه باسم بل بفعل , لأن الله لا يحده اسم والفعل الذي استعمله يفيد العمل المستمر منذ الأزل وإلى الأزل والعبارتان نفسهما كما قلت في العهدين وفهمهما اليهود بدقة فأرادوا أن يرجموا يسوع .
هذا ما يحضرني الان ولكن هناك أمثلة كثيرة أخرى . وهذا لم يكن يعني أن اليهود فهموا وعرفوا حقيقة الثالوث الذي هو واحد ولكن نحن نرى أن تلك كانت إشارات لما سيتم إعلانه بيسوع المسيح وبدء عهد جديد بين الله والإنسان ..
هكذا يفهم المسيحيون وحدانية الثالوث ويقبلون بنفس الوقت صدور الواحد من الآخر دون نقص ولا استنقاص ويقبلون وحدتهم في حب أزلي بينهم وبين الخليقة .
|