تحالف حماس مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني
لطالما اعتاد الشعب الفلسطيني على تلقي الاخبار ذات المصداقية والتي تخص الأحداث اليومية في الشارع الفلسطيني من التلفزيون الإسرائيلي في حين غياب وسائل إعلام فلسطينية صادقة ومحايدة. فقد كان آخر ما تم نقله عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية هو تحالف حركة حماس مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لتثبت حماس لإسرائيل قدرتها على فرض الأمن والأمان في الشارع الفلسطيني. وذلك لتتمكن حركة حماس من كسب رضا إسرائيل للقبول بها كحزب يفرض قوته وسيطرته على قطاع غزة وبالتالي الحوار ومباشرة التواصل بين حماس وإسرائيل لتكون حماس بذلك طرقت كل الأبواب للخروج من المأزق التي وضعت نفسها فيه في غزة، حتى تلك التي كانت تحرمها وتبغضها.
قد يستغرب البعض وينكر حقيقة هذا التحالف وإن لم يكن معلنا، لكن حين تصدر تصريحات من الجانب الإسرائيلي تتحدث عن تواصل بين حماس وإسرائيل كتلك التي صرح بها رئيس الموساد السابق ' افرايم هليفي' انه" إذا بقيت حماس صامدة أمام سياسة الحصار فانه لا بد وان إسرائيل ستتعامل معها باعتبارها طرفا قويا موجودا على الساحة"، لن يكون للشعب إلا أن يصدق مثل هذه التصريحات وخاصة أن ما يجري على الأرض يصدق ما تم التصريح به. فما يحدث في هذه الأيام من اعتداءات قامت بها حركة حماس على عائلة حلّس في حي الشجاعية -التي ينتمي معظم أفرادها إلى حركة فتح- وسبقها عائلة دٌغمش واشتباكات حماس مع حركة الجهاد الإسلامي في رفح خير برهان على مصداقية هذا التحالف. كان بإمكان حركة حماس، إن كانت حريصة على دماء الفلسطينيين المدنيين التي ذهبت مع الريح، أن تحل خلافها مع عائلة حلّس وديا و استيعاب الموقف خاصة وانه كان هناك نوع من الاحترام بين حركة حماس وأحمد حلس، أمين سر حركة فتح في غزة. لكن عدم الخبرة في حل المشكلات المدنية التي عادة ما توكل مهامها للشرطة المدنية، هو ما دفع بالأمور إلى الهاوية. فلعل حركة حماس اعتقدت أنها تشن هجوما على مستوطنة إسرائيلية من تلك المستوطنات التي أوقفت حماس عملياتها ضدها منذ فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006. لكن حتى حين كانت حماس تشن هجماتها على المستوطنات الإسرائيلية في غزة، لم نكن نعهد هذا الكم من الأسلحة التي تستخدمها والشراسة والوحشية التي تقاتل بها كما قاتلت عائلة حلس.
ما قامت به حماس في حي الشجاعية أسقط آخر ورقة لشعبية حماس في الشارع الفلسطيني، فمقاتلة هذه العائلة له أبعاد خفية أكبر من تلك المعلنة؛ وهي تطبيق قانون حماس في الشارع وذلك بسحب كل ما كانت تملكه السلطة حتى العُهد التي لا زالت لدى موظفيها. فالسبب الرئيسي المعلن لاشتباكات حماس مع عائلة حلس كان على خلفية رفض الأخيرة تسليم سيارة كانت في عهدة مجموعة منهم لشرطة حماس التي أوقفتهم في الشارع وبدأت أول شرارة الاشتباكات من هناك. التطور الخطير الذي لا بد للمجتمع الفلسطيني أن يتيقن له هو الشق الاجتماعي الذي خلقته حماس بين العائلات الفلسطينية نتيجة هذه الاشتباكات مع العائلات. تضم القوة التنفيذية الكثير من أبناء هذه العائلات والذين تستخدمهم حماس في ضرب عائلاتهم والاعتداء عليهم. خطورة الموقف تأتي من هذه النقطة حيث استخدام أبناء العائلة في ضربها أو ضرب عائلة أخرى من نفس الحي لتتحول بعد ذلك القضية إلى قضية تناحر بين العائلات والعشائر بعد أن تحقق حماس ما تبغاه من هذا الانهيار في النسيج الاجتماعي الفلسطيني. وهذا هو أهم الأسباب الرئيسية للاعتداء على حي الشجاعية الذي يعتبر من أكبر المناطق التي يسودها الطابع العشائري والعائلي في قطاع غزة حيث الهدف الرئيسي هو كسر شوكة العشائرية.
قد تستطيع حماس تبرير موقفها وتخرج من مأزق الاعتداء على العائلات الذي تكرر أكثر من مرة في الشارع الفلسطيني، لكن ما لا تستطيع تبريره هو اشتباكاتها مع حركة الجهاد الإسلامي في رفح بسبب ضرب الصواريخ التي تطلقها الأخيرة على إسرائيل. ألم يكن هذا هو العامل الذي عمل على رفع شعبية حماس في الشارع الفلسطيني حين كان الرئيس الراحل عرفات يمنعها وقتما يكون هناك هدنة مع إسرائيل؟! كانت حماس تخرج وتستنكر الهدنة وتقوم بخرقها عمدا وتشل قدرة الرئيس على التصرف. ألم تكن هذه الصواريخ التي تطلقها حركة الجهاد الإسلامي اليوم هي التي استشهد من أجل المحافظة عليها ياسين والرنتيسي وغيرهم الكثيرون من قادة حركة حماس؟ ربما يكون هذا هو الدليل الثاني والأهم على تحالف حماس مع إسرائيل وحرصها على عدم قلقلة أمنها كمحاولة من حماس لاسترضاء إسرائيل وبالتالي ربما يكون هناك مخرجا سياسيا من الأزمة التي وضعت حماس الشعب الفلسطيني بأكمله فيها.
لكن على حماس أن تتنبه إلى أن إسرائيل ليست في مرحلة الطفولة السياسية، فإن كان تهيأ لحماس بأن إسرائيل من مصلحتها التحالف مع حماس، فهذا لن يكون لمصلحة للشعب الفلسطيني على الإطلاق. بل إن إسرائيل هي الرابح الأول من تقوية حماس على الشرعية الفلسطينية. فمن غير الممكن أن تتواصل إسرائيل مع حركة تعتبرها الولايات المتحدة حركة إرهابية علنا، وإن كان هناك بعض الاتصالات السرية التي لا بد منها بين إسرائيل وبعض أعضاء حماس. وإن كان تحالف إسرائيل مع حماس لسبب فليس سوى تقويض منظمة التحرير الفلسطينية وإلغاء الشريك الفلسطيني الذي طالما تذرعت إسرائيل بعدم وجوده وقاوم الفلسطينيون كثيرا لإثبات أنه موجود أمام المجتمع الدولي. فبانتصار حماس على الشعب هزيمة ونهاية لحماس داخليا وخارجيا وبذلك تكون إسرائيل ضربت مليون عصفور بحجر واحد. من ناحية تخلصت من كابوس الشريك الفلسطيني ومن الناحية الأخرى تخلصت من الصواريخ التي تطلق على إسرائيل. إضافة إلى تدمير النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتقويض منظمة التحرير فلا ممثل للفلسطينيين حول العالم بعد اليوم؛ حيث لا تعامل مع حركة إرهابية ، كما تعتبرها بعض الجهات، بعد أن تسيطر حماس على الوضع في غزة. والأهم من ذلك كله هو تدمير تاريخ قضية خالدة صمدت في وجه الكثير من المتغيرات... و القائمة تطول.
السؤال هنا، هل تعي حماس فعلا حجم الورطة التي أوقعت نفسها فيها بانقلابها العسكري على الشرعية؟ والورطة المقبلة بتحالفها مع إسرائيل ضد أبناء الشعب الذي أوصلها للسلطة؟ وهل هذا هو النموذج للدولة الإسلامية التي كانت حماس تنادي به منذ سنين؟ النموذج القائم على القمع والتكفير والتخوين؟ أعتقد أن هذه هي بداية النهاية. فنهاية أي حزب سياسي تبدأ شعبيا وليس عسكريا أو سياسيا، فحماس خسرت تأييد الشعب ولم يكن لديها سياسة لتخسرها أصلا.
الحرية لسوريا من الإحتلال الأسدي