عرض مشاركة واحدة
قديم 14/11/2007   #17
شب و شيخ الشباب فاوست
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ فاوست
فاوست is offline
 
نورنا ب:
Jul 2006
المطرح:
في وطني السليب
مشاركات:
655

افتراضي






يكاد يكون من النافل الإشارة إلى صنوف التعذيب الوحشي التي ترتكب في سجون النظام السوري، فمثل هذا الأمر من قبيل تحصيل الحاصل. يعرف ذلك خصوم النظام السوري والموالون له على حد سواء. واذا كانت واقعة اقتران سجون النظام السوري بالتعذيب، تحمل الكثير من الصحة، فالأكيد ان التعذيب ليس الغاية الوحيدة لهذه السجون. طبعاً تحتاج سجون النظام السوري إلى التعذيب لكي تشيع صيتها الكريه والمريع. لكن حين نعرف أن ما يرمي التعذيب اليه لا يقتصر على صاحب الجسد الذي يتم تعذيبه فحسب، بل إن الجسد الاجتماعي كله تجعله السجون وأخبار عذاباتها موطناً للخوف والرعب، لا بد ان نعرف ايضاً أن السجون السورية جزء من منظومة تثبيت سيطرة نظام الاستبداد البعثي على المجتمع السوري من طريق الترهيب.
من بين الوظائف الكثيرة والمتشعبة للسجن السوري، شاعت في الآونة الأخيرة وظيفة جديدة تتمثل في جعل هذا السجن مكاناً لتجنيد الإرهابيين وإرسالهم أو تسهيل عبورهم إلى البلاد التي لا تجري فيها الأمور على هوى النظام السوري ومزاجه، لاسيما إلى لبنان والعراق. فالعراقيون راحوا يتلقون هذا النوع من الهدايا السورية بعد أشهر قليلة على سقوط نظام صدام حسين ولا زالوا حتى الآن يكتوون بنار الإرهابيين القادمين من سوريا أو من طريقها إلى بلدهم. واللبنانيون عرفوا هذا متأخرين سنوات عن العراقيين، بعدما خبروا اسهام النظام السوري في ادارة حروبهم الاهلية الاقليمية الملبنن. فمع جلاء الجيش السوري عن لبنان، بدأ الكلام عن احتمال ارسال نظام دمشق هداياه الى لبنان. وجاء ظهور تنظيم "فتح الاسلام" في مخيم نهر البارد، وامتداداً الى طرابلس، وما قام به من اعمال ارهابية، ليؤكد ذلك الكلام الذي بدأ احتمالياً.
فـ" قائد فتح الاسلام" شاكر العبسي وكثيرين من اعضائه، مثل ابو هريرة وصدام ديب وغيرهم من اللبنانيين، سبق ان كانوا سجناء في سجون البعث السوري.
ليس من السهل أقناع السجناء السابقين في سوريا، المقيمين في بيروت اليوم، بالبوح عما يعرفونه حول ما يشاع عن ظاهرة تجنيد الإرهابيين في السجون السورية . فهؤلاء لا يزال الخوف يسكنهم من رجال المخابرات السورية، رغم الخروج الرسمي للقوات السورية ومخابراتها من لبنان في 27 نيسان 2005..
أكثر من ذلك، ثمة ما يقرب من الإجماع بين السجناء الذين التقيناهم، على ان المخابرات السورية باتت يدها اليوم طليقة في لبنان أكثر من قبل. فجلاء الجيش السوري رسمياً عن لبنان حرر جهاز المخابرات السورية من المسؤولية عن أي عمل تقوم به في بلد الارز. لعل في هذا ما يفسر شعور السجناء السابقين بالخوف من البوح بما يعرفونه وما عاشوه، واشتراطهم إغفال اسمائهم وهوياتهم في هذا التحقيق. عليه فما نستطيع قوله فقط عن السجناء الذين التقيناهم هو انهم من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، وانهم موزعون على انتماءات مختلفة، إسلامية ويسارية وعروبية، وبعضهم لم يسبق له ان انتمى الى أي تنظيم سياسي. نشير إلى هذا لأن تقصدنا إغفال كل ما يشير إلى هوية السجناء، ان لم يكن حفاظاً على سلامتهم الشخصية، فحفاظاً على أهل بعضهم واقاربه المقيمين في سوريا، اذ لا يستبعد تحولهم هدفاً لتنكيل رجال المخابرات السورية، في حال تم التعرف إلى هوياتهم.
في جعبة السجناء السابقين في السجون السورية الكثير من الروايات التي تؤكد حقيقة ظاهرة تجنيد الإرهابيين في هذه السجون وتصديرهم إلى خارجها في مهام تتنوع درجة خطورتها، تبدأ من تجنيد المخبرين لصالح المخابرات السورية ولا تنتهي بإرسال البعض إلى العراق للقتال هناك. قد يستغرب البعض مثل هذا الأمر ويصعب عليهم تصديقه. إذ كيف لسجين كابد عذابات هائلة على أيدي رجال المخابرات السورية ان يتحول رجلاً من رجالها ؟ وقد يسأل أخر قائلا: كيف لإنسان فاقت مدة سجنه أكثر من خمسة عشر عاماً في السجون السورية بسبب معارضته النظام ، ان يستحيل واحداً من خدامه في مشاريعه الإقليمية، أكان في العراق أو في لبنان؟ على هذه الأسئلة يجيب العارفون بالسجون السورية ممن خبروها جيدا، قائلين: لا غرابة في الامر، فمن يعرف الظروف القاسية التي يخضع لها السجناء في سوريا من شأنه أن يدرك ان أية مقايضة، تؤدي الى خروج السجين من السجن، هي بالتأكيد رابحة لمصلحة السجين نفسه. ويشدد العارفون على القول ان أية مقايضة، مهما بلغت خطورتها وصولا الى موت السجين، تظل مربحة لسجين مهدد بالموت البطيء في سجون البعث التي لا يقتصر التعذيب فيها على فترة التحقيق، بل يدوم طوال مدة السجن الغامضة اصلاً، والتي تصل الى اكثر من ثلاثة عقود، وقد تستغرق العمر كله، الا اياماً او شهوراً يقضيها الخارج من سجون سوريا، في بيته، قبل ان يموت كمداً أو يميته ما أنزله السجن به من امراض وتشوهات جسدية ونفسية.
لكن تجنيد الإرهابيين في السجون السورية وارسالهم إلى العراق، ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، ولا يطابقان السيناريوات التي يروجها آخرون، كمثل أن السجانين السوريين يقومون باستدعاء بعض السجناء ويعرضون عليهم مقايضة تقضي بالإفراج عنهم لقاء الذهاب إلى العراق، فمن يقبل المقايضة يفرج عنه، ومن يرفضها يبقى محتجزاً. واقع الأمر ان شيئاً من هذا القبيل لا يحصل على الإطلاق. وما يحصل فعلاً يبدو شائكاً وكثير التعقيد، ويصعب تخليص حلقاته على نحو سهل. هذا ما يكتشفه من ينصت الى روايات السجناء السابقين عن هذه الظاهرة. من بينهم سجناء عايشوا بدايات تحول السجون في سورية إلى ساحات للدعوة إلى الجهاد، بعدما كان مثل هذا الأمر من كبائر السجن في سورية ومحظوراته.



حلقة ثانية وأخيرة من هذا التحقيق. وهي تروي شهادة سجين من سوريا عن المقايضة الصامتة بين اسلاميين في السجون وادارتها التي تطلق سراح سجناء سرعان ما يعرف اهلهم أنهم "يجاهدون" في العراق. هذا اضافة الى مراجعة لأحوال عمال مصريين وسودانيين واثيوبيين مع الاستخبارات السورية ايام كان لبنان مرتعاً لها.
يروي أحد السجناء السابقين أنه، وبعد أشهر قليلة على سقوط نظام صدام حسين، وفد سجين جديد إلى الغرفة التي كان يقبع فيها مع أكثر من ثلاثين سجيناً معظمهم من الإسلاميين المتشددين. كان السجين الجديد إسلامياً هو الأخر، ويبلغ من العمر حوالى 60 عاماً، ومضى على سجنه أكثر من عشرين عاماً، متنقلاً بين الكثير من السجون السورية.
لم يطل الأمر كثيراً بالوافد الجديد حتى راح يبث دعواه بين نزلاء الغرفة ويحدثهم عن واجب الجهاد في العراق ضد الأميركيين. أشاع كلامه هذا، الرعب في قلوب السجناء، في الوقت الذي أثارت جرأته شكوكهم وظنونهم حوله وحول مراميه من هذه الأحاديث. اذ كيف لمن أمضى عشرين عاما في السجون السورية أن يتكلم على الجهاد بهذه الطلاقة من دون أدنى خشية على نفسه؟ علما ان السجناء يعرفون ان مجرد نطق كلمة "الجهاد" كفيل بأن يودي بصاحبها إلى التهلكة في أقبية التعذيب.

الحرية لسوريا من الإحتلال الأسدي
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03292 seconds with 10 queries