وقد تابعت ” المخاطبات والمواقف ” للنفّري فما وجدت- شخصيًا- شعرًا، بل وجدت إلماعات / إيماضات قد تكون فلسفية منطقية ، أو هي ذات جمالية أدبية متشحة بالرمزية ، وإنني لأعجب حقًا من هؤلاء الذي يجعلون كلاً من النفري ومن جبران- فيما بعد وبكتاباته النثرية المحضة - شاعرًا ، فهل هو شعر قول النفري مثلاً:
” وقال لي احتجب عن العلم بالجهل ، وإلا لم ترني ولم تر مجلسي ، واحتجب عن البلاد بالعلم ، وإلا لم تر نوري وبيتي” ( كتاب المواقف ، ص 106 ) ؟ او هل شعر قول جبران :
” يا ليل العشاق والشعراء والمنشدين
يا ليل الشوق والصبابة والتذكار
أيها الجبار الواقف بين أقزام غيوم المغرب وعرائس الفجر…”.
( المجموعة الكاملة ج 1، ص373).
ألا نرى في النص الأول مبنًى نثريًا ارتباطيًا، ونرى في النص الثاني ترادفًا وتتابعًا نثريًا محضًا ؟ ومع أني أتحفظ من بعض ما ينشر تحت اسم ” قصيدة النثر ” إلا أنني أندهش من روعة بعض قصائدها لمبدعين حقًا فيها ، بل ألفيت نفسي مضطرًا لكتابة بعض قصائد منها لحالات اضطرارية كان الوزن التقليدي انشغالاً عنها ، أو ثقلاً عليها ( وهذا له حديث أو موقع آخر ) .
وأراني مسوقًا للدفاع عن بعض مقولات أدونيس التي أوردها في كتابه ” زمن الشعر ” ( دار العودة – 1978، ص16 ) حيث يمايز الكاتب بين النثر والشعر ، وكأني به هنا يردّ على أدونيس في حلته الجديدة .
إن الصورة من أهم العناصر في القصيدة، وطريقتها في التعبير والدلالة هي التي تحدد نوعيتها … إنها خالية من الوصف التقريري والتتابع والسببية المباشرة والوضوح المجرد ، فمن أهم الخصائص في القصيدة – ولا يهم نوعها – الإثارة والمفاجأة والدهشة . وبالطبع فهذا لا يبيح ولا يتيح للعاجزين عن الحلم والتخيل أن يصلوا إلى ” المحطة ” سواء كانوا كتابًا حقيقيين ، أو متلقين.
وفي الختام أظن أن السؤال الجوهري الذي يظل مطروحًا ويجب أن يُستـثار هو :
كيف ترقى قصيدتنا اليوم ؟
أ و كيف نؤسس شعرية متطورة بحق وألفة؟!!
::. د. فاروق مواسي
|