الموضوع: حوارات أدونيس
عرض مشاركة واحدة
قديم 05/11/2007   #1
شب و شيخ الشباب verocchio
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ verocchio
verocchio is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
مشاركات:
2,795

إرسال خطاب MSN إلى verocchio
سوريا حوارات أدونيس


باس بيضون في حوار سجالي مع أدونيس
الملحق الثقافي - جريدة السفير
صيف 1998


هذا الحديث لا يحـتاج إلى مقدمة مع أنه يخرق سائر الأحاديث، فهو لا يستفسر بقدر ما يجـادل. وحاجتنا اليوم أكبر إلى سجال مع أدونيس، الذي تكثر الخصومة حوله وعليه، بدون أن تتحول إلى حوار خصب. وهناك من يبرأ منه، أو يعـاديـه دون شـرط. وإذا كـان مـهمـا تحـويل الخصومة إلى حوار فإن مواجهة أدونيس بما يثيره شعره وفكره من التباسات واعتراضات من شتى المطارح خطوة أولى وضرورية، أولى وضرورية لا لفهم أدونيس فحسب، بل لتعميق سجـالنا الشعري والفكري. هذا الحـديث لا يحتاج إلى مقدمة. إنه سجال ينطلق مع مجلدي أدونيس الأخـيرين "الكتاب 1" و"الكتاب 2" ليحيط بجـملة من مسائل تتعلق بتنظيره وإبداعه.

عباس : يطرح مرة أخـرى المشروع المؤلف من ثلاثة مجلدات. المجلد الثاني يزيد السؤال- إذا شئت- عمقا وإشكالا، إذا بدا المجلد الأول وكـأنه تناول شامل ثقافي فلسفي تاريخي بحـيث أن الشعر يبدو واجهة له وليس كل شيء فـيه، يطرح المجلد الثاني السؤال عن المشروع، هل المجلد الثاني امتداد لمشروع موجود وتوسيع وتصعيد تاريخي لمشروع موجود أصلا، أم أن له وضعا مستقلا؟
أدونيس : يضعني سؤالك الأول في موضع من يفرض عليه أن يشرح أو يفسر عمله الشعري، وهو ما كرهت طول حياتي الشعرية، أن أقوم به.
عباس : تدفـعني إلى طرح السؤال الخـشية من أن يكون الكتـاب الثاني امتدادا لا يضـيف شيئا إلى الأول، أو ليس فيه محطة جديدة- إذا قارناه، مثلا بالكوميديا الإلهية لدانتي، فإننا نجد في هذه ثلاث محطات الجحيم، المطهر، الجنة. فأين هو الموقف المختلف في الكتاب الثاني- المختلف وليس بالضرورة المتـضـاد ؟ أين المسـرح الآخـر؟ أين الإشكالية الأخرى التي نراها فيه، ولا نراها في الأول؟

أدونيس : ليس هناك مكان للمـقـارنة. "الكوميديا الإلهية " سفر في العالم الآخـر، في محطاته الثلاث، وفقا للرؤية الدينية. أما "الكتاب1" فهو سفر في التاريخ العربي، عبر المتنبي- حياة وذاكرة. ظاهر هذا التاريخ سياسي، هو بمعنى ما، تاريخ الحكم في علاقته السياسية بالمحكومين. الكتاب محاولة لكي أمسرح سر التاريخ العربي- سيـاسة وثقافة، ونظرة إلى الإنسان. وهو إذن صدمة للذاكرة العربية السائدة التي لا تتذكر أو لا تحب أن تتذكر إلا ما تحسبه جميلا وكاملا، أي ما يحجب الواقع والحقيقة- في كليتهما. وحجب الماضي يضم إرادة حجب الحاضر. الذاكرة العربية، كما تعاش، هي نوع من الحجاب.
وفي شكل "الكتاب" أو في تكوينه، ما يتيح لنا أن نرى من جديد هذا التاريخ بطريقة جديدة، في ما وراء هذه الذاكرة وضدها.
على أن التجديد الحق في الشعر ليس في تجديد الشكل الشعري، في حد ذاته، و انما هو بالأحرى في خلق فضاء آخر للتصور والفهم والمتعة الجمالية والعمل. هو في الكشف عن الطاقة ألانتهاكية عند الإنسان، وفي توليد حـركية للأنتقال من الحلم الخاص بالفرد، إلى اليقظة الكاملة في المجتمع. والبـعد السيـاسي في الشعر لا يجيء، في هذا المنظور، من الانخراط في موقف إيديولوجي والتعبير عن الالتزام به، وإنما يأتي من الرؤية الاختراقية أو ألانتهاكية التي يكتنزها هذا الشعر.
هكذا نشهد ثلاث محطات في هذا التاريخ، استنادا إلى المتنبي- بوصفه محكوما وشاعرا، وبوصفه مرتبطا بعصره ومشكلاته، وبوصفه أخيرا بؤرة للتناقضات السياسية والشعرية، نقرأ فيها عصره وقيمه وعلاقاته.
يتجلى المسرح الآخـر، وفقا لعبارتك في الكتاب الثـاني، في أربع قضايا:الأولى، الحـرب مع الروم وطبيعة العلاقة بين الذات والآخر، كما فهمها العربي آنذاك. الثـانيـة، إشكاليـة الخطاب السيـاسي في علاقته مع الخطاب الشعري. والثالثة، عذاب الذات وتناقضاتها وخاصة ما يتعلق بالموقف من الآخر الأجنبي- العدو، وفي الحب. وأخيرا إشكالية المدينة العربية: هل المدن العربية واحدة على كثرتها، أم أن كل مدينة تختلف عن الأخرى؟ وهي إشكالية تطرح عبر صديق للمتنبي ليس إلا صوتا ثانيا له- هو أبجد. فإذا كان لا بد من الكلام على المراحل، فهي مراحل حياة المتنبي، جحيما وجنة، متشابكة مع مراحل التاريخ العربي. والمرحلة التي سيمثلها الجزء الثالث والأخـير من "الكتـاب" هي الأفـول: موت المتنبي، متداخلا مع أفول الحضارة العربية.
عباس : مع ذلك، أشـعر بأن المشـروع الأسـاسي لا يزال هو نفسه كتابة نص يقترح نفسه نقطة تقاطع بين الفلسفة والتاريخ والشعر. وقد يكون هو نـفسـه أيضا بالمقارنة بين التاريخ والشعر، خاصة أن التاريخ في "الكتاب1" هو الذاكرة الميتة إذا جاز التعبير، والشـعر هو الذاكـرة الحيـة. لذلك فديالكتيك النص وإشكاليته هي نفسها بحيث أن التنويع الذي تتكلم عنه يبدو انه تنويع بالمسرح أو بالفضاء.
أدونيس : وما المانع؟ إذا كـان هناك في الكتـاب الثـاني تنويع في المسرح أو في الفضاء، فهذا يعني أنه ليس مجرد امتداد للأول. ولا أوافقك على وصفك له بأنه، (نص يقترح نفسه نقطة تقاطع... الخ)، وإنما هو نص يمسرح التاريخ العربي- وشخوص هذا المسرح هم العرب كلهم، في حيـاتهم اليوميـة والسياسية والثقافية. وهو لا يمسرحه بوصفه "نصا ميتا" كما تعتبر، بل بوصفه على العكس، الوجه الآخر النموذجي لهذا الذي نسميه المعاصرة أو الحداثة. وكما ينبغي علينا أن نرى في هذا المسرح العقل الذي يبدع، فإن علينا كـذلك أن نرى "اليد التي تقتل" كما يعبر نيتشه. التاريخ في "الكتاب" ليس "ماضيا". ذلك أن "حاضرنا" تكرار متقن لظاهره السياسي، ولباطنه الفكري. وفي مسرحته توثيق نتمرأى فيه من جهة، وانتهاك له وخـاصة في تمفصلاته السياسية- الدينية من جهة ثانية. أقول انتهاك- لأن أصوات الممثلين على المسرح (المتنبي، والخلاقون العرب في مختلف الميادين، سواء من قتل أومن نجا) لا تقول السماء وسياستها إلا بنبرة الإنسان والأرض: نبرة الحقيقة والحرية. إنها مسرحة أرضية- إنسانية، سماوية أو إلهية كما نرى في "الكوميديا" الإلهية". وفي هذا ما يفسر أن "الكتاب" ليس مجرد مشروع شعري- ذاتي، وانما هو مشروع لا تنفصل فيه الذات عن التاريخ. ليس، بتعبير آخر، مشروع أقرأ فيه ذاتي الشعرية، و إنما هو مشروع أقرأ فيه التاريخ. وفي هذا ما قد يفسر أيضا كون الفكر بعدا عضويا في شعرية الكتاب، وذلك لغاية أساسية: تعميق الانتهاك وتوسيع حدوده، عبر التأمل في أحداث التاريخ و سيرورته وبخـاصة نواته السياسية: السلطة. الإنسان كل لا يتجزأ، والشعر بوصفه التعبير الأعلى عن هوية الكائن الإنساني، لا يمكن أن ينفصل عن الفكر.


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03493 seconds with 10 queries