لا بد وأنها قيلت أثر هجمة عشائرية على مجموعة من القرى فأسرع الفلاحون هاربين بأرواحهم وأرواح عائلاتهم وتركوا البيوت ليسكنها الغزاة الجدد من العربان.
هندسة القرية والمدينة الفلسطينية: / الموقع: ان مسألة موقع البناء تتضمن مغزى خاصاً حول اختيار الإنسان في الوسط الشعبي المكان الذي يراه الأنسب لبيته، ونحن نرى أن الكثير من القرى الفلسطينية يحتل رؤوس الجبال والتلال ولا شك أن هناك اعتبارات كثيرة أملت هذه الرغبة.
وأولى هذه الاعتبارات الرغبة في الاستفادة من حصانة الجبل، فالخبرة منحت السكان عقيدة راسخة بأنهم يقعون في الممر الرئيسي لجيوش الغزاة، وفى ظل الحكم العثماني كانت الزعامات المشيخية الفلسطينية تبنى القرى والقلاع في رؤوس الجبال للتحصن فيها بوجه ولاة الدولة العثمانية الذين كانوا يبتزون السكان أصنافاً غير مقررة من الضرائب وفى تلك الأماكن الجبلية الحصينة كان المدافعون يتمترسون أسابيع وشهورا دون أن تلين لهم قناة وفضلاً عن ذلك فان الأماكن العالية تعتبر مواقع يسهل الدفاع عنها ضد غزوات التجمعات المحلية المجاورة، في ذلك الوقت الذي لم تتطور فيه أسلحة الدمار والتي لم تستطيع التغلب على صعوبات الموقع، وفى زمن الحرب الصليبية بنيت مقامات الأولياء والأنبياء فوق أضرحة وهمية على رؤوس الجبال بهدف أن تكون أيضا أمكنة لتجمع الناس ولمراقبة تحركات الصليبيين، ومن الطبيعي وبدافع ديني محض أيضا أن تنمو حول المكان قرية.
وكذلك فان وقوع القرية في المرتفعات يعرضها بدرجة اقل لأخطار المياه والفيضانات.
وهناك عامل نفسي لا يمكن إنكاره ومؤداه أن الإنسان بطبيعته ميال للبحث عن الأماكن العالية المشرفة على كل ما يحيط بها انطلاقاً من إحساسه بالرغبة في التفوق والسيطرة.
وتبنى القرى في المرتفعات حتى لا تكون المقابر في قيعان الوديان فيجرى الماء فيها وينقل أجزاء من الجثث المتفسخة إلى الينابيع.
وقد بنيت القرى على الجبال بهدف السيطرة والإشراف على الحقول والبساتين، إذ عندما تكون الأبنية في الأماكن العالية يصبح من السهل مراقبة المزروعات وحمايتها من اعتداء الإنسان أو الحيوان ومن السهل تفهم هذا الاعتبار إذ لاحظنا سيادة فترات الفوضى وعدم توفر الضابط الأمني، وخاصة في العهد العثماني أضف إلى ذلك أن سنوات المجاعة والمحل في ذلك العهد جعلت من الاعتداء على ممتلكات الغير أشبه ما يكون برياضة قومية يمارسها الجياع دونما اعتبار لحقوق الملكية.
وفى حالات أخرى نرى أن الرغبة في البقاء بالقرب من الماء يجذب القرية من القمة إلى الوادي كما هو الحال في قرى سلوان ولفتا وارطاس، لكن هذه الحالات لا تصلح كأساس لتعميم، فهناك الكثير من القرى التي تقع على رؤوس الجبال و تضحي بالكثير من الجهد والوقت لنقل الماء من الينابيع الواقعة في قاع الوادي إلى قمة الجبل ومن الأمثلة على ذلك قريتا دير نظام والنبي صالح في قضاء رام الله والواقعتان على قمتين متقابلتين بينما يقع الينبوعان اللذان منهما ترتوي القريتان في اسفل نقطة في الوادي.
المدن الفلسطينية المسورة: ولان البلاد في القرن التاسع عشر كانت تعيش جو القرون الوسطى بكل ما في هذا الجو من فقدان السلطة الحكومية المركزية وتنامي سلطة الأشياخ المحليين والسلطات المحلية بصورة عامة فان أسلوب البناء في كل قرية والمدينة الفلسطينية كان يعتمد على تلاصق المباني في القرية وكذلك الأمور في المدينة مع وجود السور.
وبسبب مسألة فقدان الأمن والخوف من الغزاة مع عدم وجود سلطة مركزية حاكمة كانت شوارع المدينة ضيقة جداً وتعرج لتسهل مقاومة الغزاة أو حتى اللصوص وعندما تغيب الشمس تغلق أبواب المدينة نهائيا ولا يسمح لأحد بالدخول وتزدحم الشوارع الضيقة بقوافل الجمال المحملة أو الحمير التي تحمل الماء أو الحطب، لقد شاهد تومسون قوافل الحمير تعبر شوارع القدس والمدن الفلسطينية الأخرى، الضيقة لدرجة أن حملها كان يصطدم بالجدران وأرضية الشارع بحيث لم يجد هو متسعا ليمر، فاتكأ داخل فجوة في جدار الشارع وسمع صيحات الرجال الذين يسوقون تلك الدواب وهم يقولون:
- وشك ظهرك وشك ( بكسر الواو وتشديد الشين المفتوحة ) أي أن تصطدم الأحمال بوجهك أو ظهرك.
وتحمل الشوارع والأسواق اسما مشتقاً من صفة العمل التي يجرى فيها، أو ملامح السكان الذين بنوا بيوتهم فيها، لنأخذ بعض الأمثلة:
حارة المغاربة: لتجمع بيوت المغاربة فيها
سوق النحاسين: حيث يعمل مصنعوا النحاس
سوق الحدادين: حيث يعمل الحدادون.
ويجوز لنا الاعتقاد أن مسألة التجاور بين بيوت الحمولة الواحدة قد تطورت عن تجاور خيام - او بيوت الشعر - للقبيلة، والذي لابد ان يكون قد حصل هو انه عندما تطورت القرى الزراعية عن مضارب الخيام بنى أفراد الحمولة الواحدة بيوتهم متجاورة لأسباب عدة منها الرغبة في تجاور ذي القربى والتعاضد والتكاتف أثناء الشدة، ونأخذ على هذه الظاهرة مثالين:
المثال الأول: قرية دير الغصون ( طولكرم ) وفى هذه القرية ثلاث حارات متمايزة هي:
1- حارة الصورا ( بفتح الصاد المشددة وفتح الواو ) 2- حارة الخليلية: وتقع مساكن الحارة الأولى في الجزء الشرقي من البلد بينما تقع مساكن الحارة الثالثة في الجزء الغربي منها، أما الحارة الثانية فتكون مع الحارتين الأولى والثالثة رأس مثلث وتقع في الجزء الجنوبي من البلد و يوحي اسم " دار غانم " كما يوحي اسم الخليلية ( بمعنى القادمين من الخليل ) بأن عشيرة واحدة أو عدة عشائر مختلفة من مدينة الخليل أو قضاء الخليل أصبحت تحمل اسماً جديدا بعد أن سكنت في منطقة جديدة بشكل متجاور، على الرغم من أن اسر الحارات لا ترتبط بعلاقات قرابة مباشرة فان الجميع أفرادها يحسون بالانتماء إلى ما يشبه القبيلة وهو " الحارة ".
2- وأما المثال الآخر فهو القدس: وقد سكن هذه المدينة اتباع الديانات المختلفة في مناطق منفصلة وبحيث سكن كل اتباع ديانة واحدة بشكل متجاور، وعلى نحو المثال الذي رأيناه في قرية دير الغصون وهناك على سبيل المثال:
- حارة المسيحية - حارة الارون: حارة اليهود - حارة المغاربة.
وعلى هذا النمط تجاور في المدينة المقدسة، ومدن فلسطينية أخرى، أصحاب الحرف في أسواق مثل:
سوق الصياغ الريفي العطارين، سوق القطانين، سوق الخضرة.
ونلاحظ مسألة التجاور هذه في مدينة الناصرة، فبينما يسكن الارثدوكس اليونان في شرقي المدينة يسكن الروم الكاثوليك والمارونيون واليونان الكاثوليك في غربها وفى جزء من الوسط والناحية الجنوبية كلها يقيم المسلمون.
لقد كان لكل مدينة فلسطينية أسوار، ولهذه الأسوار بوابة أو اكثر، وداخل البوابة يزج بالناس وبكل شئ ذي قيمة قطعان المواشي، الجمال، الخدم وكل ما يملكه المجتمع، وعند المساء ترى الآدميين وحيواناتهم يسرعون إلى داخل الأسوار خوفاً من الظلام.
وفى مدينة الناصرة اعتبرت التلال المحيطة بالمدينة أشبه بحام لها وهكذا وجدنا البيوت ذات الغرفة الواحدة والتي حملت جمال الكوخ الريفي الفلسطيني.
وفى مدينة يافا تحمل بوابات السور أسماء مأخوذة من واقع المنطقة التي توجد فيها البوابة ولنأخذ بعض الأمثلة:
- باب البحر لانه يؤدى إلى البحر
- باب الخليل لانه يؤدى لمدينة الخليل
- باب الدباغة لقربه من الشارع الذي تكثر فيه محلات دباغى الجلود.
- باب الشريعة لقربه من سرايا الحاكم
تباً إننا جيل كامل من الانتظار .. متى نفرغ من الصبر .. و من مضغ الهواء ..
اتعرى من الجميع كي أجدني,,,,
فأضيع !!!!
حاولتُ أن أغرق أحزاني في الكحول، لكنها، تلك اللعينة، تعلَّمَت كيف تسبح!
|